ليبيا ودول الجوار تتفق.. وتركيا لن تنسحب
موقع قناة الميادين-
حسني محلي:
إردوغان لن يقبل بهزيمة جديدة في معقله الأخير في الشمال الأفريقي بعد خسارته الإخوان في مصر، وأخيراً “النهضة” في تونس، وهما الجارتان المهمتان لليبيا.
جدَّد المشاركون في الاجتماع الوزاري لدول جوار ليبيا، والذي عُقد في الجزائر يومي 29 – 30 آب/أغسطس، “التأكيد على سيادة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها”، داعين إلى “إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة منها بأسرع وقت وتسوية الأزمة الليبية بعيداً عن أي حلول عسكرية أو تدخلات أجنبية”، مع مناشدة الأطراف الليبية “العودة إلى المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة في إطار الاتفاق السياسي الليبي وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة”.
الاجتماع الذي شارك فيه وزراء خارجية ليبيا وتونس ومصر والسودان والنيجر وتشاد والكونغو، والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا يان كوبيش، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ومفوّض الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن بانكولي أديوي، أكد خلاله المشاركون “رفضهم القاطع للإرهاب والعنف، أياً كان شكله ومصدره، وضرورة التنسيق والتعاون من أجل التصدي لجميع المخاطر التي تهدد أمن ليبيا ودول المنطقة واستقرارها، ودعمهم الجهود والمبادرات الرامية إلى إيجاد حلٍّ لهذه الأزمة عبر مخرجات مؤتمر برلين، بما يحفظ سيادة ليبيا ووحدة أراضيها، ويلبي تطلعات شعبها وضمان إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المقرر في نهاية العام الحالي.”
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الجزائري رمطان لعمامرة أكَّد بدوره “ضرورة إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة بأسرع وقت من الأراضي الليبية، ومواصلة الجهود لاستكمال توحيد مؤسسات الدولة وتحقيق المصالحة الوطنية في إطار تسوية الأزمة في ليبيا”، معبراً عن “رفض بلاده لمخططات بعض القوى الأجنبية الرامية إلى خدمة أجنداتها الخاصة على حساب المصالح الاستراتيجية لليبيا وجيرانها”.
وزير الشؤون الخارجية والمغتربين في تونس، الدولة الجارة لليبيا، عثمان الجرندي، أكد بدوره “ضرورة وضع جدول زمني واضح ومدروس ومحكم لانسحاب القوات الأجنبية من ليبيا، حتى لا تستغله التنظيمات الإرهابية لنشر المزيد من الفوضى والعنف”.
الموقفان التونسيّ والجزائريّ اكتسبا أهميّة إضافيّة، أولاً بسبب الفتور والتوتر بين تونس وليبيا، وثانياً بسبب الأزمة بين الجزائر والمغرب، وأيضاً بسبب علاقة كلا الحدثين بالتوازنات الإقليمية، فقد ردّ رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، والمحسوب على أنقرة، على اتهامات تونسية مفادها أنَّ “الإرهاب مصدره ليبيا”، وقال: “بعض الدول الجارة اتّهمتنا بأننا إرهابيون… لكنَّ العشرة آلاف إرهابي الّذين دخلوا بلادنا من أين أتوا؟ أنتم الذين جلبتموهم لنا.. الإرهاب جاءنا من الخارج، وخصوصاً من بعض الدول الجارة”.
وألمح الدبيبة إلى “أنَّ السلطات الرسمية في تونس تبنَّت الاتهامات ضد الدولة الليبية”، وقال: “أرسلت وفداً كبيراً إلى تونس لنفهم كيف تمَّ اتهامنا بالإرهاب”، وتابع: “إذا كانت دولة تونس تريد بناء علاقات حقيقية وصادقة معنا، فلا بد من احترام دول الجوار.. أصبحنا فطنين للألاعيب الدولية، ولا يمكن أن نقبل تكرار المشاهد السابقة، ولا يمكن أن نرضى بأن يتم الضحك على الليبيين مرة أخرى”.
مجلس اتّحاد القبائل الليبية أكد، في بيان، “أهمية الروابط الأخوية بين الشعبين الليبي والتونسي”، وشدد على “أن هذه الروابط الأزلية والأمجاد التاريخية أنقى من أن تشوهها الأبواق الناعقة، وأقوى من أن تقطعها خفافيش الظلام وحركات الزندقة والتطرف”.
وأشار الاتحاد في بيانه إلى “أنَّ الإرهاب الّذي تتعرَّض له ليبيا وتونس تدعمه تركيا التي ترسل الطائرات محمّلة بالمرتزقة والإرهابيين، وعلى مرأى المجتمع الدولي ومسمعه، إذ تقوم تركيا بتجنيد حفنة من العملاء الَّذين باعوا ذممهم وتخلّوا عن شرفهم لزعزعة أمن بلدينا ليبيا وتونس واستقرارهما”.
التوتر بين المغرب والجزائر أيضاً ألقى بظلاله، ولو بشكل غير مباشر، على فعاليات اللقاء الوزاري، مع المعلومات التي سبق أن تحدثت عن دعم أنقرة للموقف المغربي والحديث عن بيعها طائرات مسيرة، وهو ما تسعى إليه “إسرائيل” التي وقعت على اتفاقيات التطبيع مع الرباط.
كما تحدثت المعلومات عن مساعٍ مماثلة من أنقرة لبيع أديس أبابا طائرات مسيّرة افتخر بها الرئيس إردوغان أمس الأول، وقال عنها “إنها حققت انتصارات كبيرة في كاراباخ وليبيا”، وهو ما يعكس مدى الأهمية التي يوليها إردوغان للدور التركي في ليبيا، حيث القواعد البحرية والجوية والبرية التي أنشأتها أنقرة هناك، بعد الاتفاقية التي وقعتها مع حكومة الوفاق في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
وقد ساهم ذلك في فكّ الحصار عن طرابلس وطرد قوات خليفة حفتر من مناطق واسعة غرب ليبيا، وحتى سرت، في الوقت الذي تتحدَّث المعلومات عن علاقات متشابكة وواسعة ومعقدة بين مختلف أجهزة الدولة التركية ومختلف الفصائل والقوى السّياسية والمسلحة التي تدعم رئيس الوزراء الدبيبة، وهو يمتلك مع المحيطين به استثمارات كبيرة في تركيا، التي أكّد إردوغان في أكثر من مناسبة “أنّها لن تنسحب من ليبيا، وفيها مليون من أصول عثمانية تركية”، على حدّ قوله.
ويرى الكثيرون في تصريحات الرئيس إردوغان هذه إثباتاً واضحاً لرغبته في إبقاء القوات التركية في ليبيا، ومعها حوالى 8 آلاف من المرتزقة الذين جاءت بهم من سوريا، وأدوا دوراً مهماً في الانتصارات التي حققتها الفصائل صيف العام 2020.
وزيرة الخارجية الليبيّة نجلاء المنقوش في تقييمها لأعمال الملتقى الوزاري أشارت إلى “أنَّ رؤية ليبيا لتحقيق الاستقرار تتكون من مسارين مهمين، هما المسار العسكري والأمني والمسار الاقتصادي”، وأضافت “أنَّ المسار الأمنيّ والعسكريّ يعدّ التحدّي الأكبر الذي يواجه ليبيا مع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية العامة في 24 كانون الأول/ديسمبر، وهو ما يتطلَّب، وبدعم من شركاء ليبيا وحلفائها، العمل على توحيد الجيش الليبي تحت قيادة واحدة، ودمج المجموعات المسلحة وتأهيلها أمنياً أو مدنياً، وكذلك انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة الذين يشكل استمرار وجودهم تهديداً، ليس فقط لليبيا، بل للمنطقة بأسرها أيضاً”.
حديث الجميع عن ضرورة إخراج القوات الأجنبية، والمقصود بها تركيا، وبالتالي المرتزقة من مختلف الجنسيات، لن يكفي لتحقيق هذا الهدف قبل الانتخابات. وبات واضحاً أنها لن تجري في موعدها المقرر، بسبب تعقيدات الوضع الداخلي الليبي، وسببها التوازنات الإقليمية والدولية المتناقضة، وهو ما قد يكتسب وضوحاً مع النتائج المحتملة للمصالحة التركية مع مصر والإمارات، وبوساطة قطرية، قد تقنع الأطراف الأربعة للاتفاق على الحد الأدنى من القواسم المشتركة للحل النهائي في ليبيا، في الوقت الذي يعرف الجميع أنّ الرئيس إردوغان لن يقبل بهزيمة جديدة في معقله الأخير في الشمال الأفريقي بعد خسارته الإخوان في مصر، وأخيراً “النهضة” في تونس، وهما الجارتان المهمتان لليبيا.
وقد وضع إردوغان من أجلها العديد من الحسابات العقائدية والسياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والمالية التي لن يتخلى عنها ويتركها لقمة سائغة للآخرين، وفي مقدمتهم العدو التقليدي مصر، اللهم إلا إذا ضمنت له واشنطن وعواصم أوروبية أخرى مصالحه، ليس هنا فقط، بل في مناطق أخرى أيضاً، وأهمها سوريا، وقريباً أفغانستان!