لهم الثمار ولنا الديون.. ملخص حكايات صندوق النقد الدولي
صحيفة الوفاق الإيرانية-
أحمد فؤاد:
“إندونيسيا، تايلاند، كوريا الجنوبية، روسيا، البرازيل، والأرجنتين، تشكل ستة برامج فاشلة لصندوق النقد الدولي، في ست سنوات فقط، هذا كثير جداً، بل أكثر مما يمكن احتماله”.جوزيف ستيجلز، الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد، وكبير خبراء البنك الدولي السابق، وأحد أبرز الاقتصاديين في القرن الحالي.
يرى ستيجلز، أحد رواد المدرسة الكينزية الجديدة في الاقتصاد، أن برامج صندوق النقد الدولي صممت لتدمير ممنهج للدول التي يضعها حظها العاثر تحت سيطرة موظفيه، ورأيه يصبح مهماً جداً، لأنه على العكس من الكثيرين من منتقدي الصندوق وسياساته المالية، ينطلق من أرضية حرية السوق والرأسمالية، لا من الجانب الآخر (اليسار).
لا يتوقف هجوم ستيجلز عند برامج قروض صندوق النقد الدولي، أو شروطه المجحفة، بل يهاجم الأساس الذي تتم به عملية صنع القرار داخل واحدة من أكثر منظمات العالم تسبباً في الإضرار بمصالح مئات الملايين من البشر في القرن الحالي. يقول ستيجلز إن الولايات المتحدة الأميركية، بنسبة مساهمتها، تصبح صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة بالنسبة لعملية الإقراض، وإذا وضعنا بجوارها الدول السبع الكبرى، نصبح أمام منظمة خلقت خصيصاً للسيطرة على العالم، وتصدير الأزمات إليه.
وفي عدة أحاديث صحفية وكتابات سابقة، يؤكد ستيجلز أن صندوق النقد الدولي مصمم للتجاوب مع مصالح الدول الأكثر تقدماً، فقط، ولا ينظر إلى الأزمات العالمية الحقيقية. ومع الأخذ في الحسبان كون الدول الكبرى تدافع بشراسة عن تحرير التجارة، فإن الصندوق يعتنق المبدأ ذاته، مع العلم أن التجارة العالمية بشروط الدول الكبرى غير متناسقة ولا عادلة. وتحت إدارة وتأثير الاقتصادات الأكبر، تفتح الدول النامية حدودها دون ضوابط، وتلغي شروط مكافحة الإغراق والاحتكار، وتلغي المساعدات المقدمة لمنتجاتها المحلية، فيما هي قائمة في الدول الأكثر نمواً وتقدماً، وهو ما يخلق الأزمات تباعاً في أسواق الدول النامية، ويلقي بالمزيد من الأعباء على موازناتها.
وفي مفتتح أي حديث عن صندوق النقد الدولي، ودوره في كل دولة قررت أن تجرب حظها في التعامل معه، فلا بد من تثبيت حقيقة أنه لم تنجح أي دولة على وجه الكوكب في عبور أزماتها بالاستعانة به، كان الصندوق ولا يزال أداة تدمير لا معالجة، ومفجراً لا مساعداً على الاستقرار، وبعيداً عن التجارب الدولية، فأمام الجميع تجارب مصر وتونس والأردن، قبل النظر إلى التجارب الدولية الغارقة في البؤس والخراب، في إندونيسيا وتايلاند وكوريا الجنوبية وروسيا والبرازيل والأرجنتين، كما وقعت دولتان أوروبيتان في حبائله هما إسبانيا واليونان.
نسبة النجاح باستخدام توصيات صندوق النقد الدولي هي صفر %، وكل دولة دخلها الصندوق وخبراؤه كانت تترك بعد انتهاء ما يدعى برنامج الإنقاذ وهي تعاني من الفقر والتضخم والديون المنفلتة وارتفاع نسب العجز والبطالة، وانهيار الخدمات العامة أو انعدامها تماماً، وتهاوي العملة المحلية، وزيادة الهوة بين الفقراء والأغنياء. لكن هناك نقطة ضوء وحيدة، وهي أن مسؤولي الحكومات كانوا يتركون وفي حساباتهم الخارجية مئات الملايين من الدولارات، ودائماً يدعي خبراء الصندوق ومجلس إدارته عدم رقابتهم على مبالغ القروض بشكل كامل.
الحقيقة أن الجميع يعلم أن الحكومة الحالية في لبنان لا تملك أكثر من التوقيع على اتفاق مبادئ، لا أكثر، رغم كل الجهد الذي أحاط بعملية إخراجها للنور، تبقى حكومة فاقدة بريق السلطة أو قوة الحكم النافذ، وبالتالي فإن الجميع في انتظار من يملك ومن يستطيع التوقيع على اتفاق نهائي، ملزم، وبه من الشروط ما يجعل عملية التغيير الخشن لبنية لبنان الاقتصادية ممكناً.
وبالتالي فإن الوضع لا يزال آمناً للبحث والتقرير في قصة اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، مع حكومة جديدة، تستطيع أن تفاوض وهي تملك من الأساس عروضاً أخرى للمساعدة الحقيقية والقائمة، سواء من إيران أو الصين، لحل أزماتها الحقيقية، دون التورط في الارتهان لوصاية الصندوق وبرامجه الاقتصادية المتوحشة، والتي ستصيب الطبقات الأفقر بالمزيد من المعاناة والحاجة.
وفي حالة الدخول إلى تجربة الصندوق، فإن ما سيفرضه هو ما سبق وفرضه على كل دولة قررت الاستعانة به، وخلال الأزمة التي ضربت النمور الآسيوية في نهاية القرن الماضي، دخلت إندونيسيا وتايلاند وكوريا الجنوبية تحت وصاية الصندوق في 1997، بحثاً عن حلول لمعالجة الانهيار الاقتصادي الذي أصاب دول جنوب شرق آسيا الصاعدة، وكانت النتائج مذهلة بالنسبة لهذه القوى الصناعية.
النتيجة المباشرة في حالة الدول الثلاثة كانت الانهيار الكامل، عقب 3 عقود في الحكم، وتحت لافتة “أبي التنمية”، اضطر الرئيس الإندونيسي سوهارتو إلى الاستقالة في مايو 1998، عقب قبول شروط تحرير الأسواق وخفض قيمة العملة، ما دفع بعشرات الملايين من الإندونيسيين إلى الشوارع للمطالبة بإسقاطه، وفي تايلاند تكرر الأمر ذاته مع فرض الصندوق لشرط تخفيض “البات” التايلاندي، وفقدت تلك الدول كلها، لكن بدرجات متفاوتة، جاذبيتها كإحدى أبرز مناطق العالم الصناعية الصاعدة.
كانت ماليزيا وحدها بين الدول التي نجت من مقصلة اللجوء لصندوق النقد الدولي، وتبعاً لقرار رئيس وزرائها مهاتير محمد، فإن الشروط التي عرضت عليهم من صندوق النقد الدولي شملت القبول بخفض قيمة العملة في عز الأزمة المالية، والقبول ببيع عدد من البنوك والمؤسسات الحكومية، ثم فرض الإفلاس على الشركات التي واجهت مصاعب كبيرة بسبب تراجع قيمة العملة والمضاربات الجنونية عليها، وبالتالي كانت الدولة التي نجحت أكثر من غيرها في عبور الأزمة بسلام.
بعدة طرق مجربة وبسيطة، وبجرأة بالغة في مكافحة الفساد، استطاع مهاتير محمد أن يدعم الإنتاج المحلي بسياسات حمائية، وأن يفرض القيود على حركة رؤوس الأموال، ويمنع المضاربات على العملة المحلية، مع فرض شروط قاسية على المصدرين تفرض توريد العملات الصعبة للمصارف الماليزية، ثم الاستغناء تماماً عن استيراد الكماليات والترفيه، للعمل على خفض الصادرات ووقف نزيف تراجع العملة، وهو برنامج ثبت نجاحه الباهر.