لهذا السبب نفت سوريا ما نقلته “إنترفاكس” عن الأسد
ناجي س. البستاني –
موقع النشرة الإخباري:
سارع المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية السورية إلى نفي إجراء الرئيس السوري بشار الأسد مقابلة مع وكالة “إنترفاكس” الروسيّة، مشيرًا إلى أنّ كلّ ما نُقل عن لسان الرئيس الأسد عبر الوكالة “غير دقيق”، علماً أنّ “إنترفاكس” لم تعلن أنها أجرت مقابلة مع الرئيس السوري، إنّما نقلت عن وفد برلماني روسي زار دمشق تأكيد الأسد أنّ مسألة تنازله عن السلطة غير مطروحة للنقاش، وإلا لكان فعل ذلك من البداية. فما هو السبب الذي دفع القيادة السورية إلى التنصّل حالياً من مواقف سبق أن جاهرت بها مراراً في السابق؟!
على الرغم من أنّ النظام السوري أكّد خلال العديد من المحطات المهمّة في السابق رفض التخلّي عن السلطة، وأنّ مصير الرئيس الأسد يحدّده الشعب السوري بإنتخابات داخليّة، فإنّه لا يريد عشيّة إنعقاد مؤتمر “جنيف 2” في “مونترو” في سويسرا التركيز على هذه النقطة، حتى لا ينجرف إلى لعبة المعارضة التي تعتبر أنّ القضيّة الأولى هي تنحية الرئيس الأسد، أو على الأقلّ تحديد تاريخ واضح لتخلّيه عن السلطة يليه قيام هيئة حكم إنتقالية، تمهيداً لتنظيم إنتخابات حرّة فعلاً وديمقراطية بشكل صحيح. فأيّ تركيز من قبل القيادة السورية على مسألة تمسّك الرئيس الأسد بالسلطة، سيُقابله تمسّك المعارضة بمسألة تنحّيه عنها، الأمر الذي سيؤدّي إلى فشل حتمي للمؤتمر الدولي المُرتقب، نتيجة دعم مجموعة من الأطراف للموقف السوري في مقابل دعم مجموعة دولية أخرى لموقف المعارضة. ومن الضروري التذكير مثلاً أنّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري كان قد أكّد في تصريح له الأسبوع الماضي أنه “لا يوجد مكان للأسد في مستقبل سوريا”. كما صدر أكثر من موقف أوروبي وعربي في السياق عينه، في مقابل مواقف دوليّة أخرى تَعتبر الأمر شأناً داخلياً متروكاً للشعب السوري في المستقبل.
والقيادة السورية حريصة على ألا يكون المؤتمر عبارة عن جدل بشأن نقطة الإنتخابات الرئاسيّة حصراً، خوفاً من تكرار قرارات “جنيف 1” التي صبّت بأغلبيّها لصالح المعارضة، ولو أنّها بقيت من دون تنفيذ أو “حبراً عل ورق” بحسب القول الشائع. وتُخطّط القيادة السورية لأن يتركّز النقاش في مؤتمر “جنيف 2” على مسألة محاربة الإرهاب العالمي. فهي تعلم جيداً أنّ هذه المسألة بالتحديد تُشكّل نقطة إلتقاء مصالح روسيا والولايات المتحدة الأميركية ومختلف الدول الأوروبيّة الراعية للمؤتمر وحتى بعض الدول العربيّة أيضاً. ومن المُتوقّع أن تضع القيادة السورية كل ثقلها لأن تحظى مسألة مواجهة التطرّف الديني والجماعات الإسلامية المتشدّدة بأوسع إهتمام ممكن خلال المؤتمر، لأنّ أي قرار جَماعي بهذا الصدد يصبّ حكماً في صالحها. وهي تَعتزم تسهيل أيّ توجّه لوضع خطط عمليّة لمواجهة مخاطر “الإرهابيّين”، لأنّ أيّ تضييق على مصادر تسليحهم أو تمويلهم أو على معابر تهريبهم إلى الداخل السوري، سيؤثّر في المستقبل على واقع المعركة الميدانية بين الجيش السوري والمعارضة السورية المسلّحة بخطّها العريض.
في الخلاصة، الأكيد أنّ طرح المعارضة السورية قضيّة تنحّي الرئيس الأسد عن السلطة خلال مؤتمر “جنيف 2” سيواجه بحزم من قبل ممثّلي كل من النظام السوري والدول الحليفة، لكن ثقل الوفد السوري، ومن خلفه الوفد الروسي وغيره أيضاً من الوفود المؤيّدة للقيادة السورية الحالية، سيتركّز على قضيّة “مكافحة الإرهاب” لأنّها نقطة رابحة وتصبّ في صالحها بالتأكيد، ولأنّها أيضاً كفيلة بتحوير المؤتمر عن الغاية التي يُفترض أن يُعقد من أجلها، ألا وهي وقف الحرب السورية، وإيجاد تسوية سياسية لإنطلاق حياة سياسية حقيقية في سوريا، تقوم على مبدأ تشكيل هيئة حكم جَماعيّة في مرحلة أولى، تمهيداً لتنظيم إنتخابات ديمقراطية وحرّة جدّية في مرحلة لاحقة.