لماذا يتمسّك الراعي بلبنان الغربي؟
جريدة البناء اللبنانية-
د. وفيق إبراهيم:
مفهوم الغرب والشرق انتهيا مع الصعود الصيني الصاروخي الذي اكتسح العالم منذ عقد تقريباً، واندثر أيضاً مع انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينات.
وتوحد العالم في صيغة صراعات سياسية غير فكرية تقوم على الاقتصاد، وبذلك لم يعد هناك لا شرق ولا غرب بالمفهوم التاريخي للكلمة.
لكن فئة من اللبنانيين تعتقد بأنها غربية الاتجاه من دون ان تلمّ بهذه المفاهيم الجديدة.
اين تكمن المشكلة؟ انها في المفهوم اللبناني الخاص لكلمة «غرب» وهذا يعني بالنسبة لهذا اللبناني نشوء تحالفات مع أميركا وفرنسا وانسحاباتها في المشرق من السعودية الى «إسرائيل» والتواطؤ معها في لعبة تحفظ للبنان انسجاماته التاريخية، وتحفظ له كلمة غربي الاتجاه وهو ليس كذلك بقدر ما هو أميركي وفرنسي.
لذلك فإنّ ما يؤسف له أنّ الكاردينال الراعي راعي الكنيسة المارونية هو واحد من هؤلاء، فهو يعتقد انّ الولاء لفرنسا وأميركا يحفظ للبنان طابعه الغربي بما يعنيه من علاقات بالكنيسة الانتدابية مع فرنسا على مستويين ديني وسياسي.
فالكاردينال يربط بين استمرار المفهوم الغربي للبنان يعني مواصلة السيطرة عليه بأشكال دينية متعددة.
اليوم يعود الراعي الى التمسك بمفهوم أصبح بالياً رثاً ولا يؤمن بالأفكار الدينية للسيطرة على الدول.
يكفي ان يلقي الكاردينال الراعي نظرة الى الصراعات الدولية المشتعلة حتى يتبيّن له انّ الدين لم يعد عاملاً في جذب الدول للسيطرة على الاقتصادات، فها هي أوروبا ونصف العالم تجري وراء الصين وهي البلد الملحد وها هي أوروبا الشرقية الخارجة من أنظمة ملحدة لا تؤمن ولا تقبل بمفهوم كلمة غرب.
كان من الضروري إطلاق هذه التحليلات للكشف على انّ المفهوم الغربي اندثر مرة واحدة واصبحت الدول تتواصل بمفاهيم الحلف السياسي والاقتصادي وفقط وهذه بدورها تفتح الأبواب للصراعات العسكرية وكلّ أنواع القتال والتنافسات الاقتصادية، لذلك فإن ما ذهب اليه الكاردينال يتناقض مع التاريخ والاقتصاد، فكيف يمكن للبنان ان يرفض عقوداً لشراء نفط شبه مجاني من العراق وان يرفض أيضاً عقوداً مماثلة من إيران وسورية للغاز والنفط والمواد الغذائية.
وهذا يدلّ على انّ السياسة التي تتبنى المفهوم الغربي تطفى على المصالح الاقتصادية للدول ويكشف أيضاً انّ هناك من يتمسّك بالمفهوم الديني على حساب الوحدة الاجتماعية للشعوب؟
هنا تعتقد بعض النخب الدينية والسياسية أنها بسياسات كهذه إنما تحافظ على لبنان الانتداب الفرنسي غير عابئين بتطوّر الشعوب والدول وبانتهاء شبه كامل للهيمنة الفرنسية على العالم حتى انّ النفط في أيّ إمارة خليجية صغيرة أصبح أكثر أهمية من انجلترا على سبيل المثال.
صاحب التمسك بلبنان الغربي الكاردينال الراعي يعتقد انّ هذا الأمر يحفظ له لبنان عصر الانتداب ولا يعبأ بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية في الداخل.
لذلك فإنّ تمسك الكاردينال بالمفهوم الغربي له أبعاد دينية صرفة وهذا لم يعد معمولاً به في لبنان على نطاق كبير.
نعم فلبنان طائفي لكنه لا يرتكز فقط على هذا المفهوم، بل يتحالف مع أفكار قومية واقتصادية ولا يعبأ بتجديد المفهوم الديني كوسيلة للتعمق في التحالفات.
فهل هناك من يدفع نحو حروب داخلية تفرز لبنان بين شرق وغرب لم يعودوا موجودين منذ 1989.
يبدو انّ طروحات الكاردينال الراعي لا تدفع نحو حروب أهلية لكنها قد تؤدي اليها بشكل غير مباشر، فحزب الله الذي يستهدفه الكاردينال بين الفينة والأخرى لا يقاتل من أجل مشروع مذهبي بل يذهب نحو تحرير كامل للبنان من العدو «الإسرائيلي».
انّ الذي يحول دون الحرب الأهلية المنبثقة من خطابات الراعي هو حزب الله الذي تلقى أكبر كمية من انتقادات الراعي.
لأنّ حزب الله مُصرّ على أنه يدافع عن لبنان بكامل فئاته الدينية والاجتماعية والكيانية مقابل طروحات عن غرب أبدى أكثر من مرة استعداده لكلّ شيء مقابل مصالحه.
فهل تنجح طروحات الراعي؟ انها ذاهبة نحو التحلل والانهيار لأنّ اللبنانيين باتوا متأكدين من أنّ مصلحتهم هي في اندماجهم ضمن لبنان الوطن الوحيد والقادر على الازدهار.