لماذا لن يتكرّر سيناريو “نهر البارد” في “عين الحلوة”
بمعركة دامت مئة وخمسة أيام، وأسفرت عن سقوط 168 شهيداً من الجيش اللبناني، ومئات الجرحى، تمكّن الجيش عام 2007 من القضاء على ظاهرة “فتح الإسلام” في مخيّم “نهر البارد” شمال لبنان، بزعامة شاكر العبسي، الذي حصّن معقله بالسراديب والملاجئ، وامتلك كميات هائلة من الصورايخ والمدافع والعبوات الناسفة، وخبرة متميِّزة في تفخيخ كل مكان وكل شيء..
مقارنة ما حصل في مخيم “نهر البارد” مع ما يحصل اليوم في مخيّم “عين الحلوة” واردة، فمساحة المخيمين متقاربة، ومخيّم “عين الحلوة” يضمّ عدداً أكبر من اللاجئين، حسب إحصاءات “الأونروا” لكن الوضع الأمني والسياسي في لبنان اليوم يختلف عمّا كان عليه أيام اشتباكات مخيم “نهر البارد”.
تعرّضت مراكز الجيش اللبناني في الشمال بين أيار 2007 و أيلول 2007 لأكثر من هجوم مباشر من قِبل عناصر “فتح الإسلام”، ما دفع الجيش إلى الانخراط في المعركة، التي تُعتبر إحدى أشرس المعارك التي خاضها منذ تأسيسه، وذلك بعد أن خرجت الأمور عن السيطرة داخل المخيّم، وانتقلت الأعمال الإرهابية التخريبية إلى خارجه، بدأت باحتلال شقّتين في شارع “المئتين” في طرابلس والتخطيط لاغتيال 36 شخصية لبنانية، وانتهت بإقامة “شاكر العبسي” ثلاثة مراكز عسكرية لمواجهة مواقع الجيش، كما شعرت قيادة الجيش بخطورة الوضع القائم في “نهر البارد” وذلك على ضوء ما توصَّلت إليه التحقيقات مع الموقوفين من “فتح الإسلام” في قضية التفجير في “عين علق” فأصدرت الأوامر لقيادات ثلاثة أفواج من النخبة (المغاوير، ومغاوير البحر، والمجوقل) لاستطلاع المخيم ومحيطه، خاصة بعد تهديد التنظيم بالقيام بعمليات انتحارية تستهدف الجيش اللبناني، وكانت وقتها منظمة “فتح” قد انسحبت من وسط المخيّم بعد إحكام “فتح الإسلام” سيطرته العسكرية هناك، وانفرد في الحكم بعد القضاء على “فتح الإنتفاضة” أيضاً.
من جهته، شكّل مخيّم “عين الحلوة” منذ بداية الحركة التكفيرية، ثم الأزمة السورية، معقلاً للمتطرفين، وجمع رموزاً من “القاعدة” و”النصرة” و”داعش” و”جند الشام” و”فتح الإسلام” أبرزهم الموقوفان “أحمد الأسير، وعماد ياسين” والمطلوبان “شادي المولوي، وبلال بدر” ولفترة طويلة تراخت القوى الفلسطينية المشتركة و”حركة فتح” وسكتت عن الاغتيالات التي طالت قيادات فيها، إلا أنها أثبتت خلال الأيام القليلة الماضية أنها لا تزال تمتلك كلمة مفصلية داخل المخيّم، وأنها لم تفقد السيطرة كما حصل في مخيم “نهر البارد” منذ سنوات.
وكان الأمين العام للأمن العام، اللواء عباس ابراهيم، قد أكّد في حديث صحفي نهاية شهر شباط الماضي، أن “دخول الجيش إلى المخيم لحسم الوضع يتطلب قراراً سياسياً” مؤكداً أن “من يخلّون بأمن المخيم لا يتجاوزون ال50 عنصراً بالحدّ الأقصى” إلا أنه من الواضح أن هذا العدد زاد بشكل لافت خلال الشهرين الماضيين.
وفيما أثار تواري “بلال بدر” عن الأنظار -بعد سقوط مربعه الأمني اليوم- التخوّف من إعادة تجربة مخيّم “نهر البارد” إلا أن وزير الحوار الفلسطيني اللبناني “حسن منيمنة” كان قد أكّد في السابق أن هذه المسألة غبر واردة، مضيفاً أنه ” وليس من صالح الدولة اللبنانية أو الجيش فعل ذلك”، وبرأيه “الحلول العسكرية ليست مناسبة لحلّ الأزمات الأمنية التي تشهدها بعض المخيمات الفلسطينية، مشيراً إلى وجود موقف سياسي فلسطيني موحّد عبّرت عنه كل الفصائل حول إدانة ورفض أي وجود للمخاطر من المخيمات تجاه الدولة اللبنانية.” كما أكّد أن “الموقف لا يحتمل لغة تصعيدية، وهناك جهد يبذل من الفصائل لحفظ الأمن في المخيمات وإن كان بحاجة لتعزيز”.