لماذا لا تقنعنا الحكومات؟
صحيفة الوطن السورية-
د. بسام أبو عبد الله:
سؤال يطرحه المواطنون السوريون الآن في ظل قساوة الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والأوضاع الفائقة الدقة التي نواجهها، حيث نشهد موجة واسعة من الامتعاض الواضح من أداء المؤسسات الحكومية الخدمية بشكل أساسي مع تردي واقع الكهرباء والمياه، وغلاء تكلفة العلاج الصحي، وواقع النقل المتردي وغيره الكثير.
هنا علينا أن نتحدث عن اتجاهين أساسيين:
الاتجاه الأول: إن ترويج البعض لانتهاء الحرب على سورية هو مخادع وغير دقيق، فنحن في قلب الحرب المستمرة بأشكال ونماذج أخرى، ومنها الحرب الاقتصادية، التي هي أقسى أنواع الحروب وأكثرها شراسة، لأنها تستهدف لقمة الناس وصمودهم، وقدرتهم المناعية على مواجهة التحديات، وقوى العدوان تدرك ذلك، وتدرس ذلك، وتتابع كل تفصيل، لا بل تشعر بأن ذلك مفيد لها للحصول على مكاسب سياسية لم تحصل عليها بالإرهاب، والتدمير المنظم والممنهج، والذي أصبح لدينا آلاف الوثائق والاعترافات لتقديمها لجمهورنا، وجمهورنا يدرك ذلك ويعرفه، وليس بحاجة منا لإيضاح ذلك.
الاتجاه الثاني: يرتبط بنا، وبأداء حكوماتنا، الذي يبدو للكثيرين أنه غير مقنع، ولا يرقى لمستوى تضحيات الناس وصبرها، وقدرتها على التحمل، وكي لا يفهم البعض كلامنا بأنه يأتي قبل أيام من ذهاب الحكومة الحالية، ومجيء حكومة جديدة، لا أدري حجم التغيير فيها، ذلك أن القصد بكلامي هو ليس تغيير الأشخاص فقط على أهمية ذلك، وإنما تغيير نهج التفكير في مواجهة التحديات، ذلك أن نهج تفكيرنا يقوم على مخاطبة الجمهور والناس بالوعود، التي لا يُنفذ منها شيء، وهذا النمط من الوعود غير المستندة إلى أسس علمية وواقعية وحقيقية، يزيد الطين بلة، ويزيد فجوة انعدام الثقة، القائمة أساساً بالحكومات، والعمل الحكومي عامة، وسبب انعدام الثقة بالحكومات أمران اثنان هما:
– إن بعض المسؤولين لدينا لم يدركوا بعد أننا نعيش في عالم جديد مفتوح، ووسائل التواصل الاجتماعي التي يستطيع من خلالها أي مواطن أن يذكر المسؤول، بالصوت والصورة، ماذا وعد وقال، قبل أيام أو أسابيع أو أشهر؟ وبالتالي لم يعد بإمكان أحد أن يطلق وعوداً تخديرية في هذا الزمن.
– الأمر الثاني: إنه لا يمكن الطلب من المواطن الذي يفتقد الحدود الدنيا للحياة أن يصبر، وهو يرى تناقضات اجتماعية مرعبة، فالسوريون الجدد من «أمراء الحرب» يزدادون فجوراً وبذخاً، واستعراضاً لثرواتهم، التي جنوها خلال الحرب على بلدهم وشعبهم، دون أي خجل ووجل، لا بل أصبحوا يلجؤون لتصوير هذا الفجور على صفحات الفيس، وهناك أبناء في الوطن يزدادون جوعاً وفقراً، وهذه التناقضات الاجتماعية الطبقية تزداد، ولا تتقلص، وإذا كنا ندرك أن الحروب لا تنتج أنبياءً ورسلاً للأسف، لكن ازدياد الاحتكار بيد فئة قليلة، وتمركز رأس المال بيد هؤلاء، وانزياح وهجرة الكفاءات الصناعية والتقليدية، سوف يكون له انعكاس خطير، مع انتشار أحاديث ومعلومات عن تحكم هؤلاء بقرارات الحكومة الاقتصادية، وتحول الجهاز الحكومي إلى خادم لمصالح هؤلاء!
أسئلة كثيرة تُطرح في الشارع السوري هذه الأيام دون إجابات مقنعة ممن هو مسؤول؟ ومن هذه الأسئلة:
– أين قانون الاستثمار الجديد، الذي لم تصدر تعليماته التنفيذية حتى الآن! ومن الجهات المسؤولة عن ذلك؟ ولماذا لم يُفعّل حتى الآن، على الرغم أنه من الأولويات المهمة جداً؟
– أين قانون القروض الصغيرة، والمتناهية الصغر؟ ولماذا لم نر أثراً اجتماعياً له حتى الآن؟ ومن القوى التي تعرقل إنجازه، وتحوله إلى عامل مساعد في هذه الظروف الاقتصادية القاسية؟
إن مجمل هذه الأسئلة وغيرها الكثير تعيدني للمقال الذي نشرناه الأسبوع الماضي في هذه الزاوية بعنوان «الانتصار على الذات»، وإلى مقال سابق في «الوطن» بعنوان «نحو هيئة أركان اقتصادية مشتركة»، بهدف التشارك بالأفكار والرؤى، ومحاولة الخروج من عنق الزجاجة الذي نحن فيه، وإذا كنت لست اقتصادياً متخصصاً، لكن العبرة في النتائج على حياة الناس، وواقعها الذي يتراجع كل يوم دون أن نجد من يقنعنا بالأرقام والطروحات التي تقدم، ولا بحركة أعضاء الحكومة، التي تبدو أحياناً موسمية ومناسباتية كما يرى الناس.
مجمل هذا الكلام لا يلغي أبداً وجود أناس يعملون ليلاً نهاراً لتأمين حاجات الناس الأساسية بضمير ووجدان، ولكن في الوقت نفسه علينا أن نتحدث بصراحة ووضوح مع جمهورنا، فالرأي العام السوري دخل كـعامل جديد ومؤثر في الشأنين الداخلي والخارجي، ولم يعد بالإمكان إقناعه بمجرد وعود لا تستطيع تنفيذها.
أدرك كما يدرك الجميع أنه دون تحرير موارد سورية المحتجزة لدى الاحتلال الأميركي، وعصابات «قسد» العميلة، وتفكيك الحصار الغربي الإجرامي على البلاد والعباد، لا إمكانية لنهضة حقيقية، وتحسن اقتصادي ملموس، ولكن وفي ظل هذه الظروف نحن بحاجة لرجال دولة حقيقيين، يكثرون من الأفعال، ويقللون من الأقوال، فالناس تريد أن ترى فعلاً بسيطاً يحسن حياتها قليلاً، ولكن بطرق تفكير جديدة، لا وعود يناقضها الواقع، والصور التي ينشرها الوقحون السوريون الجدد، أي أثرياء الحرب، الذين آن لهم أن يتوقفوا عن استعراض تفاهاتهم أمام شعب جبار، وصامد، وصابر، وعندما يتعلق الأمر بصمود وكبرياء الوطن، لا يستطيع أي من هؤلاء الوقوف أمام تضحيات الناس، وفدائها لوطنها.
الكتابة في هذه الأيام أصبحت كالقابض على الجمر، والقضية ليست فرصة لإلقاء التهم أبداً، ولكنها دعوة للتوقف قليلاً نحو نهج تفكير جديد في كل شيء، يقنع الناس ويستعيد الثقة المفقودة للأسف بالحكومات، على الرغم من وجود جهود جادة من البعض لكنها غير كافية.