لماذا تمتنع أمريكا عن قبول أولويات المفاوضات النووية؟
صحيفة الوفاق الإيرانية:
إن مسألتي “العقوبات” و”الالتزامات النووية” ليستا متساويين من ناحية القيمة، لأن خطوة أمريكا غير القانونية بالانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على ايران، والذي كان في الواقع انتهاكًا لالتزاماتها بموجب الاتفاق خلق ظروفاً معقدة في الوضع الراهن.
هذا وانعقدت خلال الايام الأخيرة الجولة الجديدة من محادثات فيينا بين ممثلي الجمهورية الاسلامية الايرانية ومجموعة 4+1 في فيينا.
وعقب الاجتماع الافتتاحي الذي عقد يوم الاثنين الماضي بحضور رؤساء الوفود المشاركة في فيينا وبجدول أعمال تحديد “مبادئ وأسس الحوار”، استُئنفت اللقاءات على مستوى اللجان الفنية المتعلّقة برفع العقوبات عن إيران.
وبعد توقف دام خمسة أشهر، عاد أطراف محادثات فيينا إلى الاجتماع في الجولة السابعة من المحادثات النووية.
الوفد الإيراني استعرض في هذا الاجتماع مطالب الجمهورية الاسلامية بشكل مصنّف ومحدّد، مع التأكيد الجادّ على إجراء مفاوضات مهنية بهدف تحقيق نتيجة واعدة، ونصح الوفود الأخرى بتقديم الحلول والمقترحات بشكل فعّال وبناء.
ورغم أن لجان عمل الالتزامات النووية اجتمعت أمس أيضًا، إلا أن محور المباحثات الرئيسي ظلّ يحوم حول رفع العقوبات، وستستمر المشاورات بشكل مكثف، كما كان قد بحث اجتماع الثلاثاء مسألة الضمانات الأمريكية التي تطالب بها إيران.
وبعد الجلسة الأولى من الجولة السابعة التي انتهت الإثنين 29 نوفمبر باتفاق على برنامج عمل، وتحديد مواعيد لجلستين؛ الأولى لرفع العقوبات، والثانية لتطورات البرنامج النووي، وفقاً للمنسق الأوروبي أنريكي مورا، من الواضح أن التقييم الحقيقي لمحاور التفاوض هو الطريقة الرئيسية للتوصل إلى اتفاق جيد وسريع، وأي إجراء يتم اتخاذه خارج هذا الإطار سيشكل حجر عثرة أمام مسار التوصل إلى اتفاق.
وعقب انطلاق الجولة الجديدة من المحادثات ، لم يأل الأمريكيين جهدًا للترويج لعبارة “عودة متبادلة للالتزامات في الاتفاق النووي” في عقول الرأي العام، باعتبارها الأدبيات المهيمنة في الفضاء الإعلامي، وما زالوا حتى الآن ينتهجون بعناد ذات الاستراتيجية التي ربما ستشكل عائقاً أمام التوصل الى اتفاق.
في الواقع، إن إصرار الأمريكيين على السير في هذا الطريق سيعبّد الطريق لانحراف المفاوضات عن مسارها البنّاء.
في المقابل أيضاً، تلعب الوفود الأوروبية دوراً بارزاً في رسم ملامح المسار المنطقي للمفاوضات، بشرط ألا تخنع، كما في السابق، إلى شروط أمريكا وسياستها، وتسعى جاهدة لتحقيق مبادرات مستقلة.
إن مسألتي “العقوبات” و”الالتزامات النووية” ليستا متساويين من ناحية القيمة، لأن خطوة أمريكا غير القانونية بالانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على ايران، والذي كان في الواقع انتهاكًا لالتزاماتها بموجب الاتفاق خلق ظروفاً معقدة في الوضع الراهن.
المتحدث باسم البيت الأبيض قال: ما يزال جلّ تركيزنا منصباً على العودة المتبادلة للاتفاق النووي، مما يشير إلى أن واشنطن ليس لديها بعد فهم واضح للوضع الراهن الذي أوجدته بنفسها، وتواصل نهجها الهادف الى عودة غير مكلفة الى الاتفاق النووي.
رغم كل ذلك، وبعد عام واحد من انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، واصلت إيران الوفاء بالتزاماتها من أجل إثبات حسن نيتها، واستند تقليص ايران التدريجي لالتزاماتها في الاتفاق النووي بعد عام واحد إلى البنود رقم 26 و 36 المدرجة في الاتفاق، ولم تتخذ إيران حتى الآن أي إجراء يتعارض مع التزاماتها.
من دون شكّ، ورغم استمرار النهج الامريكي المفرط والجهود المبذولة لشحن الاجواء ضد أنشطة إيران النووية، فلا يوجد سبب قانوني أو منطقي امام إيران يدفعها للموافقة على الاقتراحات الامريكية لإحياء الاتفاق.
إن قبول الأطراف المتفاوضة لهذه الحقيقة والجهود الجماعية لإرغام أمريكا على قبول مبادئ التفاوض المنطقية والعادلة، والتي تتمثل الخطوة الأولى منها في إظهار حسن النية والذي سيتوّجه اعتراف واشنطن بالأخطاء التي ارتكبتها سابقاً، يمكن أن يحدث تحولاً جديدا وبناءً في مجرى محادثات فيينا.
التلميحات المقلقة الخارجة عن المسؤولين الأمريكيين بأن بلادهم لن تلتزم بصفقة محتملة، ومحاولات البعض في واشنطن زعزعة استقرار محادثات فيينا هي إشارات واضحة على أن الإدارة الأمريكية متردّدة في التوصل إلى اتفاق، وبالتأكيد لا يمكن اعتبار هذه المواقف الامريكية خطوة تعبّر عن حسن النية بأي شكل من الأشكال.
ورغم أن الوفود المفاوضة التي تباحثت في إطار ثلاث جلسات مكثّفة في فيينا قد ، جزئياً على الأقل، على حق إيران في المطالبة برفع العقوبات وتقديم ضمانات كافية من قبل امريكا، إلاّ أن هذا “الشرط اللازم” لم يُقابل بـ “بقدر كافٍ من المبادرات القابلة للتحقّق”. وعلى مايبدو أن أصعب مافي الامر، هو أنه لا يمكن إقناع المنتهك الرئيسي للاتفاق النووي، باتباع نهج منطقي وقانوني للوفاء بالتزاماته ليتم بعدها إحياء الاتفاق النووي.
على هذا المنوال، إذا كان لدى الأوروبيين حقا ما يكفي من القوّة والإرادة للعمل بشكل مستقل عن البيت الأبيض والسعي للوصول الى اتفاقية فعالة وواعدة، لن يُحرجوا حينها من الضغط على امريكا لقبول مبادئ التفاوض المهني والموجه نحو نتائج بناءة.