لماذا تلعب فرنسا دور ‘الغبي’ في المسألة الإيرانية؟

لماذا تلعب فرنسا دور ‘الغبي’ في المسألة الإيرانية؟

 

أدلى وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بتصريح شهير قال فيه إن الولايات المتحدة “ليست عمياء” أو “غبية” في جهدها الهادف إلى عقد صفقة تاريخية حول البرنامج النووي الإيراني. وبما أن الرسالة قد وصلت إلى العالم الآن, فلا بد أن كيري كان يتحدث – بشكل غير مباشر – عن فرنسا.

إن المفاوضات الفاشلة في جنيف في نهاية الأسبوع الماضي حول صفقة نووية مؤقتة كشفت, على الأقل, من يعرقل هذه المفاوضات: محور الخوف والكراهية المكون من الليكوديين في إسرائيل, وآل سعود, وإدارة فرانسوا أولاند في فرنسا.

أوضحت مئات المقالات المنشورة في المواقع الإلكترونية تفاصيل القرصنة الإسرائيلية الروتينية للسياسة الخارجية الأمريكية. وإليكم توضيحاً تصويرياً آخر للآلية التي ‘يهز الذيلُ بها الكلبَ’. ففي مساء الجمعة الماضي, اتصل الرئيس باراك أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي بيبي نتنياهو ليطلبَ منه عدم عرقلة مؤتمر جنيف. وبعد ذلك أمسك بيبي بالتلفون واتصل, بدوره, برئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون, والرئيس الروسي فلاديمير بوتين, والمستشارة الألمانية آنجيلا ميركل, والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند وطلب منهم … عرقلة مؤتمر جنيف.

كان أولاند الوحيدَ الذي نفذ تعليمات بيبي. وقد حدث هذا كله بعد أن استمع كيري إلى محاضرة طويلة من بيبي في مطار بن غوريون صباح يوم الجمعة.

فلننتقل الآن في الزمن إلى القفلة الختامية, صباح الأحد الباكر. ليس من قبيل الصدفة أن تطيرَ ويندي شيرمان – وهي كبيرة المفاوضين الأمريكيين حول الملف النووي الإيراني, والعرقية المدافعة المريرة عن إسرائيل – من جنيف مباشرة إلى إسرائيل لكي “تعيدَ التأكيد” لرئيسها الفعلي, بيبي, أنه لن تكون هناك أية صفقة.

ليس سراً أن بيبي والليكوديين يهيمنون أيضاً على جزء كبير من ‘كابيتول هيل’. فبالإضافة إلى قصف جنيف, يمكن لبيبي أن يسجلَ انتصاراً مؤقتاً آخرَ, مع عزم الكونغرس الأمريكي فرض عقوبات أكبر على إيران من خلال إلحاقها ﺑ ‘قانون تفويض الدفاع الوطني’.

رحبوا ببندر فابيوس

إن السلوك الفرنسي محكوم باللوبي الإسرائيلي القوي في باريس بقدر ما هو محكوم بأموال الملكيات النفطية الخليجية.

من المؤكد, تبعاً لصحيفة “التايمز” الإسرائيلية, أن اتصالَ عضو البرلمان الفرنسي ميئير حبيب – الذي يحمل جواز سفر إسرائيلي أيضاً, وهو متحدث رسمي سابق باسم حزب الليكود في فرنسا, وصديق حميم لبيبي – بوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قد ساعد في هذا الأمر, إذ قال له إن إسرائيل سوف تهاجم المنشآت النووية الإيرانية في حال تم عقد الصفقة الحالية الموجودة على الطاولة.

سَموه عامل ‘إيباك’ المؤثر. إذ إن حبيب هو نائب رئيس ‘الهيئة التمثيلية للمؤسسات اليهودية في فرنسا’, وهي المكافىء الفرنسي ﻠ ‘لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية’ (‘إيباك’). كما يصادف أن كاتب خطابات الرئيس أولاند, في الظل, عضو أيضاً في ‘الهيئة’ المذكورة أعلاه.

قام فابيوس, المتحدث البارع والمتسرع مثل روكفور, بإثارة “المخاوف الأمنية الإسرائيلية” في عرقلة جنيف. كان الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير الخارجية محمد ظريف قلقين جداً من التعرض للعرقلة من قبل المعارضة الداخلية .

وهذا ما فعله فابيوس بالضبط. فقبل أن يهبط كيري في جنيف, كان فابيوس يصرح لمحطة إذاعية فرنسية بأن باريس لن تقبلَ ﺑ “لعبة ‘الأغبياء’”.

وقد تم اختصار دور فابيوس من قبل الدبلوماسي الغربي المجهول الاسم الذي قال لوكالة ‘رويترز’: “إن الأمريكيين والاتحاد الأوروبي والإيرانيين يعملون طيلة أشهر على هذا الاقتراح, وليس هذا سوى محاولة من فابيوس لحشر نفسه في الموضوع في آخر المفاوضات.”

أكدت مئات المقالات أن واشنطن وباريس تلعبان دور الشرطي الطيب/الشرطي الشرير في الملف الإيراني. ليس تماماً؛ فالأمر أشبه بالديك الفرنسي الذي أخذ يتبختر مجدداً.

كان أولاند متحمساً جداً لقصف دمشق عندما تراجع أوباما في الدقيقة 11 من هجوم البنتاغون “المحدود”؛ وبقي أولاند يحدق في زجاجة نبيذ تالفة. ففي الموضوعين السوري واللبناني, تلعب باريس دوراً يتكون من مزيج من العناق والقبلات الكولونيالية الجديدة, والنوم في سرير إسرائيل وآل سعود.

ولكن لماذا عليها أن تطلق النار على قدمها مرة أخرى؟ خسرت باريس أموالاً طائلة – بالإضافة إلى الوظائف الفرنسية في شركة ‘بيجو’ – بسبب جنون العقوبات الإيرانية.

آه, ولكن هناك دوماً إغراءات رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان – المعروف ببندر بوش – والملكيات النفطية الخليجية. فباختصار شديد؛ لم يكن بندر فابيوس أكثرَ من لعبة صبي ورقي بالنسبة إلى آل سعود. والجائزة: عقود عسكرية ضخمة – طائرات, وسفن حربية, وأنظمة صواريخ – وبناء محتمل لمفاعلات نووية في المملكة السعودية, وهي صفقة مشابهة لتلك التي عقدتها الشركة الفرنسية العملاقة ‘آريڤا’ السنة الماضية مع الإمارات العربية المتحدة.

لا بد أن مونتان يتقلب في قبره الآن؛ فلم تعد فرنسا تتعاطى بفن المفارقة. ليس لإيران أي حق في بناء مفاعلاتها النووية, لكن فرنسا تريد أن تبني المفاعلات وتشغلها لزبائنها الوهابيين.

من المفهوم أن ينفذ الغربُ رغبات إسرائيل؛ ففي نهاية الأمر, يمكن النظر إلى إسرائيل بصفتها حاملة طائرات غربية في قلب العالم العربي. أما بالنسبة إلى تنفيذ فرنسا للرغبات الوهابية, فالأمر يتعلق بالمال فقط – من بناء ‘ڤيوليا’ وتشغيل مفاعلات تحلية المياه في المملكة السعودية إلى كل تلك الطائرات المقاتلة من طراز ‘رافال’ التي سيتم تفريغها هناك.

قطر, فردوس العبودية ذاك الذي اختارته ‘الفيفا’ لتنظيم ‘كأس العالم’, استثمرَ سلفاً 15 مليار دولار أمريكي – والرقم في تزايد – في فرنسا, من الأسهم في ‘ڤيوليا’ وشركة الطاقة العملاقة ‘توتال’ إلى شركة البناء ‘ڤنشي’, وشركة الإعلام العملاقة ‘لاغاردير’, والهيمنة الكاملة على ‘باغي سان جيرمان, حيث يقع منزل “ملك باريس” الجديد, لاعب كرة القدم زلطان “أبراكادابرا” إبراهيموفيتش. هذا بالإضافة إلى أن قطر قد اشترت تقريباً كل متر مربع هام بين ‘مادلين’ و ‘أوبرا’ في باريس.

أولاند مجرد نكتة. ظهر هذا الأسبوع على غلاف مجلة ‘كورييه إنترناشونال” الأسبوعية (العنوان الرئيسي: “فن السقوط”), حيث يصفه الإعلام الأوروبي بأنه “متقلب” و “مشلول” و “عاجز” (وهذه هي الصفات الرحيمة فقط). وفي عدد نهاية الأسبوع من صحيفة “لوفيغارو” اليومية, كان يتعرض لهجوم مدمر بسبب هبوط التصنيف الائتماني (الأخير) لفرنسا من قبل ‘ستاندرد آند بورز’.

لا بد أن ‘الملك ساركو’ – أي الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي – في غاية الابتهاج؛ إذ إن أولاند الآن الرئيس الأقل شعبية في التاريخ الفرنسي. تبقى الأمور في باريس رائعة – لكن الفضل الأول يعود لجيوش السائحين القادمين من بلدان الأسواق النامية, وليس لجيوش الباريسيين العاطلين عن العمل.

وهكذا ينبري بندر فابيوس لعملية الإنقاذ! والخلاص في أموال الملكيات النفطية الخليجية. من الناحية النظرية, يجب أن يُترجَمَ استعراضُ “الاستقلالية” هذا إلى مليارات من اليوروهات على شكل عقود واستثمارات. ومن المفيد أيضاً أن أولاند “العاجز” سيقوم بزيارة رسمية إلى إسرائيل في الأيام القليلة القادمة.

ذلك التوجه نحو إيران

لا تتعبوا أنفسكم في البحث عن تفاصيل الأسباب الفعلية ﻠ “استعراض الاستقلالية” هذا, باستئناء التفسيرات التي يقدمها آلان غريش, الصحفي في ‘لوموند دبلوماتيك’, على موقعه الإلكتروني.

التفسيرات في غاية البؤس. فرنسا “ضد الجميع”؛ لقد أثبتت “إحساسها بالمسؤولية”؛ و “أعادت التأكيد على استقلاليتها”. وبالطبع يقع اللومُ كله على كيري الذي “جاء بنص لم يره أحدٌ من قبل”. كل الدلائل تصور فابيوس, الداعم المرير لإسرائيل, على أنه المخلص. ومع ذلك أكد ‘قصر الإيليزيه’ أن فابيوس ينفذ تعليمات أولاند – مما يعني, من حيث المبدأ, التفاوض حول “النقاط الضعيفة” للصفقة. أو قولوا, مثلاً, إن أولاند “العاجز” يثبت لأوباما أنه رجل شجاع.

قالت باريس إن المشاكل في الصفقة تتعلق بمفاعل الماء الثقيل في آراك (إيران) ومخزونه من اليورانيوم متوسط التخصيب. يعمل الدبلوماسيون الأمريكيون والأمريكيون بجد للتوصل إلى تسوية؛ تستمر طهران في بناء المفاعل خلال فترة الستة أشهر من الاتفاقية المؤقتة, لكن الاختبارات تجري باستخدام قضبان الوقود الوهمية والماء العادي.

كان كيري يعمل على هذا الاتفاق عندما قام فابيوس باستعراضه الطاووسي في جلسة طويلة لم تنته إلا في صباح السبت. وقد دفع ذلك وزير الخارجية الإيراني لأن يشيرَ, بلهجة ساخرة, بأن على ‘بي 5+1″ (الولايات المتحدة, وبريطانيا, وفرنسا, وروسيا, والصين, زائد ألمانيا) التفاوض مع بعضهم البعض قبل التفاوض مع إيران.

من شأن الفوضى الداخلية التي تعم مجموعة “بي 5+1” أن تهددَ الجولة الثانية من المفاوضات المقررة الأسبوع القادم في جنيف. لكن كيري, إن كان قد لاحظ ذلك, غيرَ قصته إلى شيء أقرب إلى مسرح العبث؛ فهو يلوم إيران الآن على فشل الصفقة. وكأنه, بعد أن قرأ الصحف الفرنسية, قررَ أن يكفرَ عن خطاياه.

أثبتت إيران ﻠ ‘المجتمع الدولي’ الحقيقي كله أنها تريد التوصل إلى صفقة وأنها راغبة بالتفاوض. ولكن هناك العقوبات التي تنتظر موافقة الكونغرس الأمريكي – وهي عملية تخريب أمريكية داخلية, بحكم الواقع. لكن هذه عقوبات تتعلق بالطرف الثالث – حيث تعمل بموجبها الولايات المتحدة على “معاقبة” البلدان الأخرى للتجارة مع إيران. ولن يأخذ أحدٌ هذه العقوبات على محمل الجد, بدأ من القوى الآسيوية, مروراً بتركيا وروسيا.

في الوقت الحالي, ليست هناك صفقة أفضل من الصفقة السيئة. وربما تحدث في الاجتماع المقبل, في جنيف في 22 تشرين الثاني/نوفمبر. ومن المرجح أن تعقد صفقة انتقالية كاملة خلال أشهر قليلة. تريد إدارة أوباما عقد هذه الصفقة. أما فرنسا, وبغض النظر عن مواقفها, فليست مهمة.

الأسوأ من هذا. باريس “عمياء” و “غبية” – إذا استخدمنا كلمات كيري – لأنها تعزل الشركات الفرنسية, في قطاع الطاقة والطاقة النووية والتصنيع النووي, عن الإمكانيات المذهلة التي ستنتج عن تطبيع العلاقات بين إيران والغرب. فإذا كانت عصابة أولاند تعتقد أن الوهابيين سوف “ينقذونها”, فلا بد أنهم مجانين حقاً.

من المرجح أن العملية ستأخذ سنوات. لكن واشنطن ستجد طريقة للتفاهم مع إيران. الشركات الأمريكية تريد ذلك. كما أن الغربَ الباحث عن الطاقة يريد ذلك. حتى أن مجمع القوى الكبرى الأمريكي يريد ذلك – بما أن ذلك سيفتح أمامه الطريق إلى جنوب غرب آسيا وما بعدها. من المحتمل أن يحاولَ محور الخوف والكراهية المكون من إسرائيل وآل سعود وفرنسا عرقلة هذا الاتفاق, لكنهم لن ينجحوا في ذلك لوقت طويل. “التوجه نحو آسيا”؟ ليس قبل التوجه نحو إيران.

المصدر: موقع العالم الإخباري – إيشا تايمز- بيبي إسكوبار- ترجمة: د. مالك سلمان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.