لماذا تقلق “إسرائيل” من تطور العلاقات الإيرانية ـ الصينية – الروسية؟
موقع قناة الميادين-
أليف صباغ:
قام الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بزيارة لموسكو، وُصِفت بالتاريخية، وأعرب رئيسي، عن رغبة إيران في عقد اتفاق شراكة استراتيجية مع روسيا لمدة عشرين عاماً.
ليس جديداً، أو مفاجئاً، أن تعبّر جهات إسرائيلية متعددة عن قلق “إسرائيل” من التقارب حتى التحالف بين إيران والصين وروسيا، والذي تمثَّلَ مؤخراً بالمناورات البحرية، وشاركت فيها القوات البحرية للأطراف الثلاثة المذكورة. هذا المثلث يُقلق أميركا، في كل جبروتها وسطوتها العالميَّين، فكيف لا يُقلق “إسرائيل”؟!
أما القلق الإسرائيلي فله خاصية مزدوجة. الأولى تكمن في جوهر الخطاب الأيديولوجي الإسرائيلي الرسمي الدائم، الموجَّه إلى الداخل الصهيوني وإلى العالم الخارجي معاً. “إسرائيل” قلقة، يعني “إسرائيل” خائفة ومهدَّدة، ويعني أنها في حالة “الدفاع عن النفس”، ولا بدّ من أن تتكتل القوى السياسية والاجتماعية، على الرغم من اختلافاتها، في مواجهة العدو الخارجي. ليس هذا فحسب، بل “يحق لإسرائيل أن تدافع عن نفسها” أيضاً، و”يحق لها أن تقوم بأي عمل مهما كان شكله ومضمونه، تجسساً، إرهاباً، اغتيالاتٍ، تحالفاً مع عصابات دولية… إلخ”، و”فرفور ذنبه مغفور”!!! أمّا الخاصية الثانية، فسنتحدث عنها لاحقاً في هذا المقال.
في 29/3/2021، أي بعد يومين من التوقيع على اتفاقيّة الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران، وقبل أربعة أشهر من الانسحاب الأميركي من أفغانستان، أصدر معهد أبحاث الأمن القومي في “تل أبيب” تقريراً خاصاً، بقلم أساف أوريون، تحت عنوان “العلاقات الصينية الإيرانية، شراكة استراتيجية محدودة الضمان، وتوصيات لإسرائيل”.
يقول الكاتب: “إن الاتفاق يتضمن قيام إيران بتزويد الصين بالنفط والغار مدةَ 25 عاماً، بقيمة 400 مليار دولار. وفي المقابل، تقوم الصين باستثمارات في البنى التحتية الإيرانية، بالإضافة إلى تعاون في مجالات التكنولوجيا والاستخبارات والعسكر، وهذا يشير إلى أخطار كبيرة محتملة على الأمن الإسرائيلي”، كما يقول الكاتب، ولاسيما أن “إسرائيل” منحت الصين ترخيصاً لاستخدام ميناء حيفا مدةَ عشرة أعوام ابتداءً من الأول من أيلول/سبتمبر 2020، بالإضافة إلى قيام شركات صينية بأعمال أخرى في البنية التحتية في “إسرائيل”، من جسور وأنفاق للمواصلات العامة وغيرها، في المدن الكبرى وفيما بينها. وهذا، كما نذكر، أزعج إدارة ترامب التي طلبت من “إسرائيل” أن تحدّ النشاط الاقتصادي الصيني فيها، لكن “إسرائيل” رفضت ذلك.
الادعاء الإسرائيلي بشأن القلق ينبع من أن الشركات الصينية العاملة في “إسرائيل” عملت، أو قد تعمل في إيران، وقد يشكّل التعاون الاستخباريّ بين الصين وإيران وسيلة لتسريب معلومات إلى إيران عن البنية التحتية الإسرائيلية. هذه العلاقات تتطلب، وفق الكاتب، حساباً مجدداً للمخاطر وتعزيزاً للتعاون بين “إسرائيل” ودول الخليج، والأهم تعزيز التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة.
ينبع القلق الإسرائيلي، كما يقول الكاتب، من “التعاون بين إيران والصين، اقتصادياً وتكنولوجياً”، الأمر الذي يتيح لإيران إيجاد البديل في ظل العقوبات الاقتصادية الأميركية، كما ينبع من التعاون السياسي الدولي، أي الدبلوماسي، الأمر الذي يساعد إيران على الخروج من عزلتها التي تريدها لها أميركا، مع تأكيد مفاده أن الموقف الصيني يعارض التسلح النووي الإيراني، كما هو الموقف الروسي. ويضيف أوريون أن “القلق الأكبر ينبع من تطور العلاقات العسكرية في الحروب البحرية، وخصوصاً بشأن تطوير الصواريخ المضادة للسفن، الأمر الذي يهدد القوات البحرية الإسرائيلية في البحرين المتوسط والأحمر، كما يهدد سفن دول الخليج والأسطول الأميركي في المنطقة”.
من هنا، كما يستنتج الباحث، تأتي ضرورة التنسيق والتعزيز للعلاقات الإسرائيلية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ومع دول الخليج التابعة لها. ويهدف هذا الاستنتاج إلى خلق حالة من الخطر المشترك على “إسرائيل” وأميركا ودول الخليج العربية، وهذا يتطلّب من الولايات المتحدة أن ترعى تعاوناً إسرائيلياً خليجياً عربياً لمواجهة “الخطر المشترك”. هذا التفصيل “للقلق” الإسرائيلي، مع التأكيد أن الصين وروسيا تعارضان أيّ تسلّح نووي إيراني، يعنيان أن القلق الإسرائيلي الحقيقي ليس من المشروع النووي العسكري الإيراني المزعوم، لأن الصين وروسيا، في علاقاتهما الاستراتيجية بإيران، إنما تضمنان عدم تسلحها نووياً، ولأن إيران نفسها، على لسان رئيسها، تقول إنها لا تريد تطوير برنامج نووي عسكري.
القلق الآخر لـ”إسرائيل”، كما جاء في التقرير، ينبع من مثلث العلاقات الإسرائيلية الصينية الأميركية. أميركا تريد أن تفرض على حلفائها وشركائها خفض العلاقات بالصين إلى الحد الأدنى، كجزء من الصراع الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة. لكن، ليس من مصلحة “إسرائيل” ذلك، كما أنه ليس من مصلحتها أن ترفض مطالب حليفتها الكبرى أميركا، فتأتي العلاقات الصينية الإيرانية الاستراتيجية لتشكل القاعدة المشتركة للتعاون بين “إسرائيل” وأميركا.
بناءً عليه، يقول الكاتب إنه لا بدّ من تعزيز التعاون الواسع مع الولايات المتحدة لمصلحة الطرفين. وهنا، لا بد من ملاحظة ما يقترحه الباحث في “معهد أبحاث الأمن القومي” في “تل أبيب”، وهو أن تقوم الولايات المتحدة بالطلب إلى روسيا والصين، بحُكم علاقاتهما القوية بإيران، بتفعيل الضغوط على إيران من أجل تليين موقفها في المفاوضات النووية لمصلحة المطالب الإسرائيلية. إذاً، ما يقترحه الكاتب هو تسخير المصالح الدولية الأميركية والروسية والصينية لخدمة المصالح الإقليمية الإسرائيلية!! وحين يتناول العلاقات الاقتصادية الصينية بدول الخليج العربية، يرى الكاتب، مرة أخرى، ضرورة تسخير العلاقات الخليجية العربية بالصين من أجل الضغط على إيران، لمصلحة “الأمن القومي الإسرائيلي”!!
حاولت “إسرائيل”، بواسطة حرب السفن في بحر العرب، خلال العامين الماضيَين، أن تخلق حالة من التوتر بين الصين وإيران، لأن ذلك يزعزع الأمن على خطوط التجارة الصينية، إلاّ أنها فشلت في ذلك، بل نشهد، خلال السنوات الثلاث الماضية، مناورات بحرية بين الصين وإيران وروسيا في المحيط الهندي، وهو ما يزيد في القلق الإسرائيلي.
في المقابل، ماذا حدث؟
في نهاية أيلول/سبتمبر 2021، أقرّت منظمة شانغهاي انضمام إيران عضواً كاملاً فيها.
في الشهر ذاته، بناءً على التوصية الإسرائيلية، طلبت أميركا إلى الصين تخفيض استيرادها من النفط الإيراني حتى يشكّل ذلك ضغطاً على إيران للدخول في مفاوضات نووية مجدداً. ورفضت الصين طلب أميركا.
وفي الـ27 من تشرين الأول/أكتوبر 2021، اعترف موقع “إسرائيل ديفنس” بأن “الصين هي نقطة ضعف الموساد”، بالإضافة إلى أن الـ CIA فشل أيضاً، في الأعوام الأخيرة، في الصين، على الرغم من الإصلاحات الداخلية التي أجراها من أجل تركيز الجهود على الصين.
إلى ذلك، لاحظ المتابعون للشأن الأفغاني، باعتراف الولايات المتحدة، أن أحلام أميركا من نتائج الانسحاب، بسيطرة “طالبان” على الحُكم، وتحول أفغانستان إلى مجمّع جديد لـ”داعش” وأخواته، تبخّرت، لأن الجهود المشتركة لإيران وروسيا والصين أفشلت المخطط الأميركي في جعل أفغانستان مصدراً لتصدير الإرهاب إلى دولها.
مؤخراً، انضمت إيران وسوريا إلى المشروع الصيني العالمي، “الحزام والطريق”، وهو طريق الحرير الجديد الذي يربط الصين بأوروبا، ويمرّ أحد فروعه في إيران وسوريا. ويخدم مصالح جميع الدول المشاركة. أمّا العلاقات الروسية السورية فهي تاريخية وواضحة، وبلغت في الأعوام الأخيرة مستوىً لم تبلغه في أي فترة سابقة.
قبل يومين، من كتابة هذه السطور، قام الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بزيارة لموسكو، وُصِفت بالتاريخية، رافقه فيها وزراء الاقتصاد والمالية والخارجية والنفط الإيرانيون. وأعرب رئيسي، في كلمته امام مجلس الدوما، عن امتناع ايران عن إنتاج السلاح النووي، بسبب تعارُض ذلك مع دستور البلاد. كما عبّر عن رغبة إيران في عقد اتفاق شراكة استراتيجية مع روسيا لمدة عشرين عاماً، في المقابل، أعربت القيادة الروسية عن رغبتها في تعزيز العلاقات بإيران في جميع المجالات. ولاحظ المراقبون تحولات في المستوى السياسي الروسي في اتجاه توطيد العلاقة بالشرق على حساب العلاقة بالغرب، الأمر الذي يبشّر بتطور كبير في العلاقات بين البلدين، وبالصين أيضاً.
هذه الزيارة، التي أعقبتها مباشَرةً مناورات عسكرية بحرية شاركت فيها القوات الإيرانية والروسية والصينية، تؤكد أن حلفاً دولياً يضم هذه الدول الثلاث، يعزّز مصالحه الاقتصادية والسياسية والأمنية المشتركة، تَشَكَّلَ فعلياً في مواجهة الغطرسة الأميركية، وأصبح جاهزاً لفرض الأمن والسلام على المستويين الإقليمي والدولي، وهو يبشّر بتطورات اقتصادية وعلمية داخل كل دولة من الدول الثلاث، ومن يشاركها في ذلك.
بات واضحاً، أيضاً، أن هناك محوراً يتقدم، ومقابله محور يتراجع، ليس على المستوى الإقليمي فحسب، بل على المستوى الدولي أيضاً. ورداً على ذلك، عبّرت “إسرائيل”، من جديد، عن “قلقها” من هذه التطورات. وفي اليوم ذاته، وقّعت مع ألمانيا صفقة لشراء غواصات نووية جديدة، بالإضافة إلى الصفقات السابقة. كما اجتمع رئيس حكومة الاحتلال، نفتالي بينيت، في اليوم ذاته، بوزير الأمن، بيني غانتس، ورئيس الأركان، أفيف كوخافي، فيما يُسمى “القرية الأمنية” في “تل أبيب”، ليخرج الإعلام بتصريح وحيد لرئيس الحكومة، قال فيه للقيادة العسكرية: “إن المهمة الأساس للجيش هي توجيه ضربة كبيرة إلى النظام الإيراني وحلفائه في المنطقة”. فهل يجرؤ؟