لماذا الكشف عن الدور الأميركي في اغتيال مغنية؟
لسياسات وقوى ومصالح قائمة. والاغتيالات السياسية لاحقت سياسة الولايات المتحدة،
منذ الحرب العالمية الثانية بصعودها على المسرح الدولي، ووفّرت الغطاء اللازم
لحليفتها إسرائيل في التمادي بتوسيع ساحة الاغتيالات إلى مناطق متعددة من العالم
دون رقيب أو محاسبة. ودخول عامل طائرات الدرونز ضمن قائمة الموارد المتاحة
للاغتيالات أكبر دليل على إدراك الطرفين باستمرار مسلسل الاغتيالات لعناصر وقيادات
وكفاءات في مختلف الاختصاصات الرامية للارتقاء بالحياة الانسانية إلى مستويات أرفع.
وتبرز بين الحين والآخر صيحات تنادي بمراجعة سياسة
الاغتيالات نظراً لما تلحقه من ضرر بسمعة الولايات المتحدة ومردودها المادي على
الطرف الفاعل. وأشارت بعض وثائق ويكيلكس إلى مذكرات داخلية لوكالة الاستخبارات،
مؤرخة يوم 7 تموز / يوليو 2009، تتساءل عن مدى نجاح سياسة “الاهداف ذات
القيمة العالية”، أو اغتيال يستهدف عناصر محددة عبر العالم تنوي التخلص منها.
وورد في إحدى تلك الوثائق ما توصلت إليه الوكالة من استنتاج بأن محاولات الاغتيال
التي مارستها القوى الاستعمارية والنظم الاستبدادية لم تفلح في إخماد ثورات الشعوب
العالمية؛ فضلاً عن أن الاعتماد المكثّف بشنّ غارات جوية على أهداف منتقاة عادة ما
تفشل في تحقيق الاهداف المرجوة.
واستعرضت دراسة الوكالة التي قامت بها “مؤسسة
راند” التجارب الثورية ومقاومة الاحتلالات في: أفغانستان 2001-2009؛ الجزائر
1954-1962؛ كولومبيا 2002-2009؛ العراق 2004-2009؛ فلسطين المحتلة 1972-منتصف
التسعينيات، ومن ثم لشهر حزيران 2009؛ البيرو 1980-1999؛ ايرلندا الشمالية
1969-1998؛ وسري لانكا 1983-2009. كما تضمنت المشهد في كل من الشيشان وليبا
والباكستان وتايلند.
وأتت توصيات الدراسة برسالة تحذيرية من مردود
الاغتيالات على المدى الابعد “إذ بوسعها زيادة مستويات دعم الشعب
للحركات” المسلحة، لا سيما عند وقوع ضحايا من المدنيين العزل. وأقرّت الدراسة
بدور العمل النفسي للحركات المسلحة وتراجع أهمية دور طرفي الصراع أمام مدى إدراك
المزاج الشعبي لما يجري من أحداث.
وفي الشق المتعلق بالاغتيالات في فلسطين المحتلة، أوضحت
الدراسة “تعزيز أواصر اللحمة” في صفوف المسلحين “ورفعت منسوب الدعم
الشعبي للقادة المتشددين، حسبما أفاد مسؤولون في القنصلية الاميركية في القدس وقسم
إعداد التقارير السرية”. ويتّضح أن الوجهة لا تحبّذ استمرار برنامج الاغتيالات.
وفيما يخص الثورة الجزائرية أوردت الدراسة أن
“هدف جبهة التحرير الوطني الجزائرية استفزاز ردة فعل الفرنسيين الذين عاقبوا
عموم الشعب الجزائري، وأدى تزايد عدد ضحايا المدنيين إلى ترسيخ شعبية الجبهة”،
واستعرضت الدراسة لجوء الاحتلال الفرنسي لاعتراض طائرة مدنية كانت تقلّ الرئيس
الاسبق أحمد بن بيلا “المعتدل نسبياً بين صفوف القادة”، وأربعة قياديين
آخرين مما “تسبّب في تعزيز نفوذ قيادات الداخل الجزائري المتشددين”.
وخلصت بالقول إن “الاجراءات الفرنسية القاسية .. أسهمت في تراجع التأييد داخل
فرنسا وكذلك التأييد العالمي، مما أدّى لتحقيق الجزائر استقلالها عام 1962”.