لماذا الصراع الأمميّ على البحر المتوسّط؟
جريدة البناء اللبنانية-
د.وفيق إبراهيم:
يتمسك البحر الأبيض المتوسط بأهمياته الدولية منذ قرن تقريباً، وسط اهتمام دولي بازدياد أهميات هذا البحر لانتقال الاهتمام إليه من أحجام النفط المتراجعة الى كتل مادة الغاز الكبيرة.
بذلك ازدادت مادة الغاز الصخري الأميركي مع السهولة النسبية لاستخراجه، وهذا يعني ازدياد الاهتمام الأميركي بنقله الى اوروبا مع ارتفاع مستوى التبادل الاقتصادي العام بين اميركا واوروبا من جهة وبلدات البحر المتوسط من جهة ثانية.
وهذا النقل يشمل مادة الغاز الى جانب معظم المواد الاقتصادية الأخرى، وبدلاً من سيطرة البحر الأحمر وباب المندب على 25 في المئة من الاقتصاد العالمي، يصبح البحر المتوسط هو المؤهل للسيطرة على حركة مرور نحو أربعين في المئة على الأقل من التبادل الاقتصادي العالمي، فيجتمع بذلك الغاز اساساً إلى جانب المواد الاقتصادية الاخرى والمتنوعة، ليحتل سطح مياه البحر المتوسط، متصلاً بالبحر الاسود وبحار قزوين والخليج وقزوين والمحيط الأطلسي وبحر المانش والعديد من البحار الأخرى.
أية دول مرشحة للإمساك بالبحر المتوسط؟ إنها دوله المباشرة المطلة عليه من مصر وفلسطين عند غزة وسورية ولبنان واليونان وقبرص والقسم المتوسطي من أوروبا عند إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وسواحل شمال أفريقيا والشواطئ التركية الواسعة.
وما هي المواد الاقتصادية المرشحة للسيطرة على مياه هذا البحر؟ مادة الغاز أولاً ويليها النفط، وصولاً الى مختلف انواع مواد الاستيراد والتصدير باعتبار أن معظم دول هذا البحر تحتاج الى مواد الاقتصاد الأساسية، وتبدو كأنها تحتاج الى سلسلة تحالفات عسكرية للدفاع عن نفسها في وجه الروس وصراعهم مع الأميركيين هنا الى جانب الصراع الإسرائيلي مع الدول العربية المجاورة..
من دون نسيان ضرورة الأحلاف الاوروبية مع الروس في وجه الحركة الأوروبية ـ الأميركية، ما يدل ان الصراع هو على مراكز النقل في البحر المتوسط من قبرص واليونان والمثلث الأوروبي الإسباني الإيطالي الفرنسي والمحور المصري الواسع.
وكيف يجري تفسير الصراع التركي مع الأوروبيين واليونان على الجزء الشمالي في جزيرة قبرص ليس إلا جزءاً من الصراع على اقتصاديات البحر المتوسط، ويمكن تفسير الأمر نفسه في الصراع على ليبيا واليمن المشرف على بحري الخليج والأحمر وصولاً الى قناة السويس عند رأس البحر المتوسط المطلّ من جهة قناة السويس على هذا البحر.
لإبراز أهميّة واحدة فقط من أهميّاته، تكفي الإشارة الى قدرته على نقل الغاز الإيراني والكتل الضخمة من الغاز السعودي والقطري والعراقي والمصري، بذلك لهذا البحر أهميات الصراع مع الغاز الروسي المسيطر على أوروبا، فيصبح لدى الأميركيين القدرة على منافسة الغاز الروسي الذي يشكل 40 في المئة من الغاز المستهلك في أوروبا وتركيا معاً والمهيمن بدوره على نصف إنتاج الغاز في العالم، استناداً الى مقدرته الإنتاجية غير المستغلة بكاملها حتى الآن.
يتبين إذاً ان الدول القادرة على إنتاج الغاز هي بلدان اقتصادية متخلفة ايضاً في مجالات متنوّعة، أي أنها بحاجة لاستيراد الكثير من المواد الاقتصادية الأخرى. وهذا يضعها في أبواب صراعات ضخمة كجزء من الصراع العربي ـ الإسرائيلي ورأس الصراع السوري ـ الإيراني من جهة مع المحور السعودي ـ الإسرائيلي ـ الأردني والمصري ما يؤدي إلى ارتباط الصراع على الغاز بالصراع الروسي الأميركي ـ الأوروبي، وتجعله يرتبط بالصراع بين الدول المنتجة في العالم مع غير المنتجة.
إن هذا التقسيم يؤدي الى تعميق المحور التحالفي الأميركي الاوروبي، الإسرائيلي وربما التركي والسعودي والمصري والأردني والإماراتي مقابل محور روسيا مع إيران وسورية، وهو محور قويّ جداً على الرغم من النقص الكبير في عديد دوله، وهذا ما تعوّضه روسيا بسيطرتها على نحو 40 في المئة من الغاز في العالم.
بذلك تبدو النتائج الأولى للصراعات الأممية على مياه المتوسط وكأنها تؤكد على روسيته في وجه أميركية قاسية كما تكشف عن صراع أوروبي ـ تركي لا يشمل سواحل تركيا وشواطئ قبرص بجهاتها الشمالية والجنوبية، وقتال تركي حاد مع الأوروبيين في اليونان وقبرص وليبيا ونزال تركي سعودي إيراني في اليمن وإيراني سعودي قطري في بحر الخليج.
الغاز إذا يتحضّر لإحراق العالم من بوابة البحر المتوسط بإسناد من بحري الخليج والأحمر.
هناك إشارة هامة هنا، وهي أن الغرب كان يمسك منذ اربعينيات القرن الماضي على أكثر من 80 في المئة من نفط العالم، أما اليوم فإن روسيا وبمفردها تمتلك قرابة 40 في المئة من غاز العالم وليست لديها أية التزامات ايديولوجية او سياسية تعرقل حركة سيطرتها على إنتاج هذا الغاز بحريات واسعة.
لذلك فإن الصراع على البحر المتوسط قد ينحصر بين روسيا وأميركا على قاعدة تحالفات كبيرة وعميقة قد تشمل صراعات تاريخيّة كالصراع العربي الإسرائيلي والتركي اليوناني والأوروبي التركي مع ميل للسيطرة على صراعات أخرى في كثير من مناطق المتوسط.
إنه البحر المرشح ليلعب دور قنبلة قابلة للانفجار ولن يستكين إلا بتفاهمات روسية أميركية على حساب اوروبا وأهل الغاز في بلاد العرب المعتادين على عجزهم عن الدفاع عن ثرواتهم.