لماذا استهداف الجيش؟
صحيفة السفير اللبنانية ـ
معن بشور:
بعد أن انجلى الغبار عن معركة عبرا، وبعد أن اتضح حجم الدماء التي اريقت، والدمار الذي حل، والخسائر المادية والمعنوية التي حصلت، يكتشف اللبنانيون ان المحنة التي بدأت كلمات تحريضية صاخبة، واعتصامات فولكلورية واستعراضات اعلامية، تتغذى من خطاب الفتنة وتغذيه، قد انتهت مأساة دامية طالت ضباطاً وجنوداً اعزاء في الجيش، ومواطنين ابرياء حاصرهم الموت، ونهشهم القلق، وهم يتساءلون، هل يعقل ان يكون من أبناء جلدتنا ومدينتنا من يعرضنا لمثل هذه الأهوال؟ بل يسألون أيضاً إلى متى يستمر «التغرير» بشبابنا ودفعهم إلى التهلكة بشكل مجاني اليوم؟.
قد يأتي الجواب سهلاً عن سؤال لماذا جرى ما جرى، وفيه الكثير من التبسيط المضلّل وهو ان جماعة متشددة قتلت عسكريين لبنانيين بدم بارد لأنها تعتقد ان وجود الجيش اللبناني في عاصمة الجنوب والمقاومة يعرقل طموحها لأخذ صيدا رهينة في مشروع يستهدف لبنان كله والمقاومة على وجه الخصوص .
لكن هذا الجواب وحده ليس كافياً بالتأكيد، فاستهداف الجيش في لبنان اكثر من مرة، وفي أكثر من منطقة، له أغراضه وأسبابه التي تتجاوز حدود لبنان بأسره، ويتصل بمشروع خطير لا يريد ان يرى جيوشاً في المنطقة لأنه لا يريد ان يرى دولاً وانتظاما عاماً في مجتمعاتها، بل يريد فوضى ودماراً وخراباً واقتتالاً مستمراً يعم هذه البلاد.
فهل ما جرى في عبرا بالأمس ضد الجيش اللبناني، وقبلها في مناطق لبنانية أخرى، بل هل ما كنا نسمعه من تصريحات تحريضية ضد الجيش ينطلق من مناطق لبنانية كانت دائماً خزان الجيش ودعامته الرئيسية (عكار والبقاع الشمالي)، مفصول تماماً عما حصل لجيوش أخرى في المنطقة.
أليس من حقنا ان نشير بأصابع الاتهام إلى الطبقة السياسية الحاكمة، بكل اجنحتها التي تعاملت ببرود، بل بسلبية مع دعوة رئيس الجمهورية إلى تسليح الجيش بعد معركة العديسة قبل 3 اعوام؟ وأليس من حقنا ان نعتبر «برودة السياسيين» تجاه تسليح الجيش آنذاك تشجيعاً للمسلحين على التطاول عليه. وكيف يكون «العبور إلى الدولة» شعاراً نتمسك به بينما نغذي حملات عسكرية وغير عسكرية ضد العمود الفقري للدولة وهو الجيش.
وهل نستطيع ان نعزل محاولة تمزيق الجيش اللبناني، الذي كان بناؤه احد ابرز انجازات، وربما الانجاز الوحيد، لمرحلة ما بعد الطائف، عن قرارات مماثلة في المنطقة ابرزها قرار حل الجيش العراقي بعد احتلال العراق عام 2003، وهو واحد من أكبر جيوش الأمة والمنطقة واكثرها اثارة لهلع الصهاينة وخوفهم.
هل محاولة انهاك الجيش بهدف فرطه (وقد تجلت الدعوة إلى ذلك صراحة بدعوة ابناء طائفة معينة إلى الانشقاق عنه) بعيدة عما تتعرض له القوات المسلحة السورية من حرب تستهدف مقارها وثكناتها ومخازنها ومواقع الدفاع الجوي ومراكز البحث العلمي العسكري التي تعتمد عليها، بهدف انهاء جيش شكل منذ استقلال سوريا احد أعمدة التصدي والتحدي للعدو الصهيوني والمخططات والمشاريع والاحلاف الاستعمارية المرافقة لنشوء الكيان الغاصب.
ألم يكن حل الجيش السوري احد أبرز مطالب بعض الانفصاليين في سوريا عام 1962، اثر انهيار الوحدة الرائدة بين مصر وسوريا في ايلول 1961، وذلك بذريعة ان حل الجيش هو الضمانة الأمثل لمنع تدخلاته في الحياة السياسية العربية.
ثم ألم تكن المطالب الاميركية الدائمة من الحكومة السورية هي إعادة هيكلة الجيش السوري للتأكد من نزع أي دور له في مواجهة العدو الصهيوني.
أما في مصر، فهل ينكر أحد ان عين أعداء مصر والأمة، ما زالت تتركز حول الرغبة بالتخلص من جيشها العظيم عبر عمليات تستهدف جنوده في سيناء أو عبر مناورات سياسية تستهدف قياداته، وعبر فوضى أمنية وسياسية تعم مصر فتغرق قواتها المسلحة فيها؟
واذا كان العديد من ضباط الجيش العراقي وافراده، قد ردوا على قرار حل جيشهم (وهو القرار الاول لسيئ الصيت بول برايمر بعد احتلال بغداد) بالانخراط في المقاومة الباسلة التي طردت جيوش الاحتلال، وتسعى اليوم لازالة آثار هذا الاحتلال في شتى الميادين، واذا كان الجيش السوري قد رد على محاولات النيل منه بالمزيد من تمسكه بنهج المقاومة والسعي لاحتضان جبهة لها في الجولان المحتل، فإن رد الجيش اللبناني على كل استهداف له انما يكون بمزيد من التمسك بـ«معادلة الشعب والجيش والمقاومة» بوجه قوى خارجية ضخمة لها امتداداتها في الداخل وتسعى لأن يكون لبنان بلا شعب، وبلا جيش، وبلا مقاومة.
([) المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية، الرئيس المؤسس للمنتدى القومي العربي