لقاء بينيت وبايدن والكابوس الأفغاني المحدق بالعدو
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
نحن أمام لحظة أمريكية مطابقة لما بعد انسحاب أمريكا من فيتنام، حيث تجرأت بعض الأنظمة الشيوعية عليها وهو ما أجبرها على التورط في مزيد من الفشل العسكري بدافع الحفاظ على سمعة أمريكا دوليًا.
فبعد الانسحاب المذل من فيتنام، تم اختطاف سفينة أمريكية في كمبوديا ترتب عليها قيام الجيش الأمريكي بعملية عسكرية وصفت بالفاشلة، إلا أنها كانت ضرورية من وجهة النظر الأمريكية، حيث يقول الرئيس فورد في مذكراته إنه كان ينبغي التدخل عسكريًا بقوة في كمبوديا مهما كانت الخسائر لإنقاذ سمعة أمريكا دوليًا.
وحاليًا، ينصح كبار الخبراء الأمريكيين الرئيس بايدن بأن يتدخل بقوة في هذه الأيام أمام أي استفزاز لأمريكا وسمعتها ويذكرونه بهذه الحادثة، ويقولون إنه أمام لحظة مشابهة وعليه أن يواجه أي استفزاز بقوة حفاظًا على سمعة أمريكا وشراكاتها مع حلفائها.
إلا أن الوضع الراهن لن يسمح بفتح معارك كبرى وقد يسمح فقط بتصريحات كبرى أو ضربات لحركات تكفيرية شكلت تمردًا بعد أن كانت صنيعة أمريكية، حيث تضمن أمريكا ألا تفتح جبهات باستهدافها!
وللتوضيح، فقد شكلت انفجارات مطار كابول والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين الأفغان، ونحو 13 عسكريا امريكيا، لحظة مشابهة للحظة اختطاف السفينة، وهي دليل مضاف لفشل امريكا في ادارة أدواتها بما فيهم “داعش”، وظهر مع الحادثة حجم الفوضى التي تركتها امريكا ومعها نذر اشتعال للأوضاع، والتي ربما تخدم أهداف امريكا في ارباك جيران افغانستان، إلا أنها لا تمحو عار الهزيمة والفشل والنظرة العالمية لأمريكا والتي يشوبها عدم الاحترام وفقدان الثقة.
وربما يشكل ذلك مدخلًا لزيارة رئيس وزراء العدو الصهيوني نفتالي بينيت لامريكا ولقائه الغريب بالرئيس بايدن!
ووصف اللقاء بـ”الغريب” يعود لوسائل اعلام العدو، ومنها موقع “ديبكا” الاستخباراتي، والذي قال ما نصه: “كانت واحدة من أكثر الزيارات غرابة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى واشنطن”.
وقال الموقع معلقا على غرابة الزيارة إن لقاء بينيت وبايدن تم تأجيله لمدة 24 ساعة بسبب هجوم “داعش” في مطار كابول، ثم يوم الجمعة 27 آب، تم تأجيل موعد وصول بينيت إلى البيت الأبيض ثلاث مرات أخرى، الى أن عقد الاجتماع الذي استمر 50 دقيقة، وكانت ملاحظات ديبكا الرئيسية على المقابلة هي: “هناك، بالطبع، فرق كبير بين كلمات بايدن “أن إيران لن تمتلك أسلحة نووية أبدًا”، وبين كلمات بينيت “أن “إسرائيل” لن تسمح لإيران بأن تصبح دولة عتبة نووية”.
وهنا يلمح موقع ديبكا الى فجوة بين ما أراده بينيت وما أعطاه بايدن! وفهمنا نحن لذلك، أن بينيت يريد من أمريكا استهداف المنشآت النووية الايرانية والتي يدعي أنها ستكون قادرة في غضون شهرين أن تنتج سلاحًا، بينما كلام بايدن هو كلام فضفاض بأن امريكا لن تسمح بصناعة سلاح نووي، وبالتالي لم تلزم امريكا نفسها بوقت او بفعل ازاء تخصيب اليورانيوم ومعدلاته وخطوات ايران التصعيدية، وهو ما لا يتسق مع رغبات الصهاينة.
الأمر الآخر الذي طرحه بينيت، يتعلق باستجداء أمريكا ألا تنسحب من العراق وسوريا، وهو يعكس حجم الخيبة الصهيونية من هزيمة امريكا وفرارها وكيف تركت حلفاءها في مهب الريح.
وقد يقول قائل إن الوضع مختلف فيما يتعلق بالعدو الاسرائيلي، وإن طبيعة العلاقة لا تقارن بأفغانستان، إلا أن مؤشرات كثيرة، كان من بينها تصريحات خطيرة للسفير الأمريكي الأسبق في الرياض “تشارلز فريمان” -كان يشغل منصب مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون الأمن الدولي- قال خلالها إن “القيم الأمريكية والإسرائيلية تباعدت منذ فترة طويلة. لا مصلحة لامريكا في حرب مع إيران”.
وقد سرب موقع اكسيوس الخطة التي نقلها بينيت معه لبايدن كي يتم الاتفاق عليها، حيث نقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين إن الاستراتيجية التي قدمها بينيت إلى بايدن تتضمن مواجهة إيران من خلال مجموعة من الإجراءات الصغيرة عبر عدة جبهات – عسكرية ودبلوماسية – بدلاً من توجيه ضربة واحدة دراماتيكية.
ومن مجمل اللقاء ومجمل الصورة في المنطقة يمكننا استخلاص ما يلي:
1- العدو الاسرائيلي في حالة احباط وارتباك كبير بعد المشهد الافغاني، والذي تتخطى أبعاده مجرد تخلي أمريكا عن حلفائها، وهذه الفضائح الأخلاقية، لتصل بشكل أعمق الى حقيقة القوة الامريكية والاولويات الضاغطة الراهنة والقرار الاستراتيجي غير المعلن بعدم خوض معارك نيابة عن احد بمن فيهم “اسرائيل”، وهو ما ذهب بينيت ليتأكد منه بنفسه، وحاول الحصول على الحد الأدنى من ضمانات المساعدة الامريكية والتي أخذها على هيئة تصريحات حتى لو كانت فضفاضة!
2- نصائح الخبراء الأمريكيين بالدفاع عن سمعة امريكا ضد أي استفزاز، نتوقع أن تكون في أفغانستان وأن تتجنب حركة “طالبان” حيث يمكن القيام بقصف تحت عنوان ملاحقة “داعش”، لحفظ ماء الوجه، ولا نتوقع التوسع في صراع أكبر أو الدخول في معركة مع محور المقاومة تزيل ما تبقى من ماء الوجه الأمريكي.
3- الوجود العسكري الأمريكي في سوريا والعراق أصبح مرهونًا بتنامي المقاومة، وهو ما سيجعل من تنفيذ الانسحاب الأمريكي وترك المنطقة لتوازناتها مع الإشراف عن بعد عبر محاولة اقناع الذيول الأمريكية العربية بعدم السماح بالتمدد الروسي – الصيني عبر أدوار خليجية ومحاولات لفتن داخلية.
الخلاصة أننا لا نتوقع بالطبع تخليًا أمريكيًا كاملًا عن العدو الإسرائيلي، ولكن لا نتوقع بالمقابل حماقة تشعل الأرض نارًا تحت أقدام أمريكا، ومن تساءل عن الرد الايراني وعن ثأر الشهيدين قاسم سليماني والمهندس واستصغر ضربة قاعدة عين الأسد، فإن عليه أن يتذكر قول الإمام الخامنئي إن “الصفعة الأقوى للأمريكيين هي طرد أمريكا من المنطقة”.
وما يستوجب الحذر والجهوزية هنا هو التصرفات الحمقاء لمن يرفضون التوازنات الجديدة واستيعابها والقبول بها، والتي قد تترتب عليها حماقات وانزلاقات تعجل بزوال الكيان ومن ربطوا مصيرهم به.