لحظة الجيش الروسي في سوريا
صحيفة الوطن العمانية ـ
زهير ماجد:
تغير السوفيت ولم تتغير روسيا، ظلت أم الصبي عندما يتطلب الأمر واقعا استراتيجيا .. علّمت روسيا كل من أتاها خلال الأزمة السورية معنى الخطوط الحمر التي تبدأ بالرئيس بشار الأسد وتنتهي به، ليس من باب الشخص، بل كفهم عميق لمنظومة متكاملة اسمها بشار الأسد. ولهذا أخطأ كثيرون في العنوان عندما طرحوا خيارهم هذا، ووجهوا بالحقيقة التي أربكتهم، ووصل بأحدهم وهو عربي بالطبع من شدة غضبه أن أفلتت منه عبارات التهديد لروسيا العظمى.
الآن طور الروس مفهوم علاقتهم الأكثر من استراتيجيا مع سوريا، حين ذكرت أنباء نزول الجيش الروسي على الأراضي السورية .. كل الحتميات ـ إذا ما صحت الأنباء ـ كانت تؤكد في السابق أن الروس قادمون بجيشهم إلى سوريا، والمسألة تعتمد على التوقيت وعلى قراءة اللحظات التاريخية التي يعتبرها غرامشي أساسية ومن يفهم لحظتها يجب أن يقبض عليها.
في كل الأحوال، هذا الجيش الأكثر من صديق، يحمل رسائل يجب فهمها في هذا الظرف المعقد، فالبعض يتوهم أن وجود الجيش الروسي في سوريا سيزيد الأمر تعقيدا، في حين أنه مصدر فكفكة للتعقيدات التي يمكن لها أن تضاف على التعقيد القائم. بل إنه من حق سوريا بما لها من علاقات استراتيجية تتجاوز عمرها العقود الستة، ولم يشبها شائبة خلال تلك السنين الطويلة، أن يكون للجيش الصديق دوره في مواجهة الجيوش التي جلها بدفع ودعم وتمويل عربي وبلوجستية أميركية ـ أوروبية. ثم إن روسيا التي عاشت الخيانة الأميركية والأوروبية وبعض العربية بالانقضاض على ليبيا، لن تكرر حالة الانتظار إلى هذا الدور، وحساباتها السياسية لا بد أن تكون قد ملكت المعلومات الكافية عما ستتطور إليه الأمور في سوريا وماذا يخطط اللاعبون، سواء بالنسبة للإرهاب الذي يشكل جزءا منه قد يتعدى الثلاثة آلاف مقاتل شيشاني، إلى البقية الباقية منه.
لسنا اليوم في منطق الأحلام والتصورات والفرضيات، هنالك عالم يكمل بناء مصالحه على قواعد الالتحام المباشر. فإذا كانت العلاقة السورية ـ الروسية معمرة إلى هذا الحد، فلأنها لم تفقد ولو مرة بهجة الترابط المكين فيما بينها، بل إنها ظلت، وفي اللحظات الروسية التي حدثت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، على حال من الترابط المصيري، كأنما كان الروس يودون إيصال رسالة مستقبلية بأنهم قادمون من جديد، وأن سقوط العملاق السوفيتي لا يعني انهيار كل مكوناته، وكأنما كان السوريون يقولون للروس إن المكان محفوظ لهم في القلوب وفي الأمكنة وفي التاريخ وبين ظلال الجغرافيا السورية.
عندما نفهم مكانة التاريخ في العلاقات بين الدول، نعرف لماذا يأتي الروسي بجيشه إلى سوريا، وله في ذلك حساباته الخاصة التي يعرفها من أسقط في يدهم، ومن هم أصدقاء التحالف الروسي. فهنالك عالم سواء سميناه حربا باردة أو فاترة أو ساخنة أو أية تسمية أخرى، سيهز تواجده المباشر في الأزمات القلوب الضعيفة التي من عادتها أن تتوقع فإذا بها ترى بأم العين كيف يتحول التوقع إلى حقيقة.
أهلا بالروسي كيفما كان قيصريا أو شيوعيا، فكما كتب تاريخا ملهما خلال القرن العشرين، وكانت سوريا أساس سطوره، ها هي المعادلة التي تعيد الشرق إلى شرقه، وللآخرين غربهم الغارب على ما نعتقد.