لبنان بين واقع الحدود والخيارات المُحدَّدة
موقع قناة المنار-
أمين أبوراشد:
تسمية “ديكتاتورية الجغرافيا” لواقع حدود كل بلد، هي التي كتبت قدَر وتاريخ الأوطان عبر الأزمنة، وتَرَف الأوهام لم يعُد جائزاً للبعض في لبنان، بأن الغرب البعيد هو الذي يحكُم ويتحَّكم بواقعنا اللبناني. وإذا كانت حدودنا الجنوبية مع الكيان الصهيوني قد حسمناها، وكَتبنا ملاحمها بدماء الشهادة ورسَّمنا خارطة الحقوق، وإذا كانت حدودنا الغربية بحرٌ للمياه السيادية الخالصة، فهذا لا يعني أن البحر وحده أمامنا للإنعتاق من الإختناق، فيما نُدِير ظهورنا للحدود الشرقية والشمالية، وبات النظر الى الشرق – بعيون قصيري النظر – وكأنه محظورٌ علينا، فيما الغرب وفي مقدِّمته أميركا يضيِّقون علينا بشتى أنواع الحصارات الظالمة ومطلوبٌ من اللبنانيين الصبر على كل الضيم الى ما شاء الله!
“طريق الحرير” مفتوحة لكل الدول، من الصين الى أوروبا عبر الشرق الأوسط، والتبادل التجاري مفتوح للدول العربية مع الغرب والشرق بما فيها مع إيران – بصرف النظر عن تأثير العقوبات الأميركية – ولبنان وحده المُستثنى من حق التبادل التجاري، بسبب وجود جماعات داخلية حاقدة بالمجَّان على كل ما هو شرقي، علماً بأن لبنان هو الأحوج لكل أنواع السلع الحياتية والإستهلاكية، وإيران كانت السباقة إن لم نقُل شبه الوحيدة التي أبدت استعدادها لكل أنواع التبادلات التجارية والإستثمارات بأسعار تنافسية!
كل اللبنانيين تابعوا صرخة الكرامة التي أطلقها سماحة السيد حسن نصرالله منذ أيام، في كلمته بمناسبة ذكرى تأسيس قناة المنار، والتي رفض خلالها مشهدية طوابير إذلال اللبنانيين أمام محطات المحروقات، ونقلَ أوجاعهم أمام الصيدليات والمستشفيات، وواقع التجويع الناتج عن الإرتفاع المجنون في أسعار السلع الغذائية والإستهلاكية، وأعلن سماحته عدم انتظار الكثير من الوقت الاضافي لإستيراد مادتي البنزين والمازوت بحراً من إيران، علماً بأن الحكومة العراقية بادرت أيضاً الى مضاعفة حجم صادراتها النفطية إلينا شعوراً منها بمعاناة الشعب اللبناني.
وليس مطلوباً من بعض الطبقة السياسية في لبنان، التي تُخاصم سوريا دون مبرر، أن تتعلَّم كيفية احترام المُهل الدستورية والحفاظ على عجلة سير المؤسسات الحكومية وتنفيذ الإستحقاقات وتشكيل الحكومات في سوريا، رغم كل ما مرَّت به سوريا ولكن، ما تحاول هذه الطبقة حجبه عن عقول وضمائر اللبنانيين، لا تستطيع حجبه عن حاجة كثير من اللبنانيين، عبر تحريم إستيراد أي شيء من سوريا، لا بل الى تكفير مَن يحاول العمل بإخلاص وروح سيادية لعودة العلاقات الطبيعية مع الجارة الوحيدة.
وإذا كانت بعض الجهات السياسية أو الحزبية اللبنانية غير معنيَّة بقواعدها الشعبية سوى في مواقيت تتَّصل بحسابات انتخابية، فإن هناك جهات مُتَّصلة بجماهيرها وتعيش أوجاعهم، ومن حقها المبادرة لتخفيف وطأة الحاجة عن جماهيرها وكل الشعب اللبناني، وآن أوان وضع حدود لمَن يرسمون مع الجارة سوريا حدوداً مرفوضة للإستفادة الرخيصة من تجاذبات لا تبني دولة، ولا تحمي وطناً، ولا تؤمِّن الحد الأدنى من كرامة شعب…