لبنان بين المستقطع والتقاطع والقطيعة…
جريدة البناء اللبنانية-
حيّان سليم حيدر:
ونقرأ في وسائل نقل الخبر، أو نسمع على لسان «ذوي الشأن» ممّن نصّب نفسه هناك، هناك في الشأن، وعبر المحلّلين الضاربين في الرمل والباحثين في تفل الفناجين، العبارة: «لبنان في الوقت المستقطع…»
لنسأل: ومتى كان لبنان إلّا في وقت مستقطع؟ أيّ بين حرب وحرب، هدنة وهدنة، تسوية وتسوية، دستور ودستور، صيغة وصيغة، وصاية ووصاية، وساطة ووساطة…؟
هل بين 1830 و 1840 كان ذلك؟ أم بين 1840 و 1860؟ هل بين لبنان الكبير، 1920، ودستوره الأول 1926، أو مع أزمة التعداد السكاني لعام 1932؟
هل بين الاستقلال 1943 والثورة 1958، أم بين ضجيج «لا غالب ولا مغلوب» وحجيج «لبنان واحد لا لبنانان» وبين عجيج حرب السنتين 1975-1976؟
هل في ما بين المدن التي استقبلت فأرّخت للاستقطاع، بين كَنَفيْ الطائف 1989 والدوحة 2008 فكرّسته، المستقطع، والتي لم تُرْسِ قواعد سليمة لبديل له؟
هل مع «المشكلة لكلّ حلّ»، تلك المتجدّدة أبداً، المتجسّدة بالمادة 95 من الدستور، وقد جُمع فيها المؤقّت والصيغة والميثاق والميثاقية والتوافقية، فإلى؟
أم هو في الكيِّ الأخير، ذاك الغائب الحاضر الأكبر والمستحضر دائماً تحت مسمّيات لا تشفي ولا تغني من نوع حياد، لا مركزية بِبُيوت كثيرة، فيديرالية، كُنْ فيديرالية (فَتَكون)، ومشتقاتها التي تعيدنا إلى نزعات الإنسان البدائية: قبائل، عشائر، جماعات، عصبيات، عنصريات، عنتريات، عصابات، والتي تعبّر جميعها عن ذاتها بنبرة واحدة من نوع فرّق تَسُدْ… وربما تسدّ حاجة غريزية عندك؟
يا وقت مستقطع… يا أيّها المتجدّد في لبنان…
أما لهذا المستقطع السرمدي من أجلٍ… فينجلي؟
وننتقل، من المستقطع إلى التقاطع، يا لها من كلمة اكتشاف.
إلى مرشّح التقاطع. وأسأل ببراءتي المعتادة: تقاطع ماذا؟ فأبسط الأمثال وأقربها إلى الفهم يبقى تقاطع الطرق، وهو يدلّ إلى طريقين متباعدين متواجهين، يقتربان من بعيد إلى أن يلتقيا في نقطة ظرفية مؤقتة واحدة، ثمّ ما يلبثان أن يفترقا، بسرعة، إلى أوسع، إلى أبعد. هذا كان في مجلس لبنان.
والمجلس، إلى ذلك، ولّاد ثنائيات عفوية، فورية، تماماً مثل المشروبات الفوّارة. والثنائيات، ونحن في صدد الخطوط والطرقات وتلاقيها وتباعدها، الثنائيات تذكّرنا بالخطوط المتوازية وقد وصف مسارها أستاذ الرياضيات في شرحه الفذّ لتلاميذه: «الخطّان المتوازيان هما خطّان يسيران دائماً جنباً إلى جنب، ولا يلتقيان إلى ما لا نهاية،» ليضيف: «… أمّا إذا التقيا… فلا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم!»
والثنائيات تخلّف ثلاثيات ورباعيات في المجلس، وأركان المجلس وأرباب أركانه يلوّحون بعصا وفي آخرها جزرة، أم هي جزرة ممسوكة بعصا، فلا يعلم الحاضر هل هي عصا أم هي جزرة؟ ذاك الغموض البنّاء اللبناني بامتياز، في الأفاهيم العامة وفي الدستور وفي كلّ قواعد العيش في الوطن.
والآن، وقد دخلنا مرحلة جديدة في جذور الكلمة، مرحلة تقطيع الوقت، أيّ تمريره قطعةً قطعةً، مبعثرات في زمن البشر الضائع أبدا…
والناس يصرخون: وقطيعة!… قطعولنا ها الوقت!
بين المستقطع والتقاطع والتقطيع، مفاخرات لفظية ومباهرات صوتية، وبين دمج المؤقت بالانتقالي بـ «لمرة واحدة وبصورة استثنائية» من المواقف، سلام عليك يا لبنان، قطعة من المستحيل.