لا سلاح إلا سلاح الدولة في درعا: نهاية التسوية والمشروع الاسرائيلي
موقع الخنادق-
عبير بسّام:
يقول مصدر مطلع إن”تسوية درعا بوقتها كانت إبرة بنج وتخدير لتنويم المشروع الصهيوني في الجنوب، الذي كان ينوي إقامة منطقة عازلة فيه”. وهذا هو السبب الحقيقي الكامن وراء موافقة الدولة السورية على اتفاق التسوية، الذي بات بحكم المنتهي. وما تحاول المفاوضات الروسية واللجنة الأمنية من جهة، والمسلحين من جهة أخرى إيجاد طريقة لتسليم المنشقين والمسلحين والذين خطفوا ضباط الجيش العربي السوري، وإنهاء حالة السلاح المتفلت وحتى الفردي إلى ما لا عودة.
كان اتفاق التسوية ضمن سياسة النفس الطويل التي اتبعها سوريا، والتي قد تؤخر تحرير مناطق وتسرع في تحرير أخرى، ولكن ما حدث في تموز/ يوليو كان القشة التي قصمت ظهر البعير. وهو ما كانت تتوقعه القيادة السورية لتبدأ عملية الحسم بعد ثبات فشل التسويات. وأي تأخير في الحسم العسكري يقع في إطار تجنب اقتحام الأماكن السكنية في القرى والبلدات وحفاظاً على حياة الأهالي، وهنا تكمن الصعوبات، ولكن باتت جميع الفصائل المسلحة تدرك بأن القيادة اتخذت القرار، وقد استطاع الأمن السوري من خلال العمليات النوعية تحييد قيادات الإرهابيين وعزلها عن مجموعاتها.
وحتى الساعة، تستمر روسيا مع اللجنة الأمنية المخولة بالتفاوض لإقناع قيادات المسلحين بتسليم سلاحهم، ويعلق مصدر من الأهالي: “حتى أن الأخبار المتسربة شعبياً [ويقصد هنا المقربين من أهالي المسلحين]، أن الروس باتوا واثقين من نجاح عملية عزل القيادات الإرهابية عن مجموعاتها ، فالمرتزقة بالنهاية تخاف على جلدها”. وأن “ما فعله الإرهابيون يحمل روسيا المسؤولية الفشل في تطبيق اتفاق وقف التصعيد بحسب اتفاق أستانة”.
أما تفاصيل الأزمة الجديدة والتي دفعت هذه المرة القيادة السورية إلى اتخاذ قرار الحسم، وإنهاء اتفاق التسوية، والدخول إلى جميع القرى الحدودية وبشكل نهائي، هو الإنقلاب الذي حدث في اللواء الثامن. وقالت مصادر متعددة: ” قام عناصر من اللواء الثامن الخاضع للسيطرة الروسية، وهم بقيادة إرهابي سابق قام بتسوية أوضاعه يدعى أحمد العودة، بخطف قيادات وعناصر نظامية من اللواء للمساومة على خروج الجيش من درعا بشكل نهائي وخاصة من الحدود مع الأردن”، فاللواء يتشكل من قيادات مختلطة من الإرهابيين السابقين المسوى أوضاعهم، وقيادات وعناصر نظامية من الجيش السوري.
وبحسب المصادر أيضاً، في تفاصيل الأزمة أن عناصر اللواء الثامن لم تتقاضى رواتبها منذ عدة أشهر، اذ قطع عنها التمويل الخارجي من قبل السعودي والتركي وحتى الأميركي. وهو قطع لا بد أنه مدروس، وقد يكون أحد أهم أسباب قطع التمويل أنّ بعض الدول عربية تتجه نحو المصالحة مع الدولة السورية وحتى مع إيران، ولم يعد لهذه المجموعات دوراً يخدم مصالحها. وطمعاً بالمزيد من المال، قام أحمد العودة بانقلاب داخلي ضمن اللواء الثامن، وأراد العودة قطع الطريق الدولية مع الأردن، للسيطرة على معبر نصيب والحدود الأردنية التي تسيطر عليها القوات السورية منذ العام 2018، خاصة بعد أن تقرر نهائياً فتح الحدود ما بين سوريا والأردن مما سيتسبب بخسارته أموالاً طائلة كان يجنيها من خلال التهريب.
المعضلة الباقية في عملية التحرير هي التهديدات “الإسرائيلية” بالهجوم على الجنوب السوري في حال دخل الجيش لتحريره من الإرهابيين. وفي الحقيقة من يعرف طريقة تفكير القيادة السورية يعرف جيداً أنها لا تكترث كثيراً لهذه التهديدات، ولا حتى بقدر ما يهتم لها الضامن الروسي. واليوم وحسب المصادر، فان مرحلة إقامة المنطقة العازلة صارت وراءنا. ويتابع: “أن ما ستقوم به سوريا هو عمليات عسكرية سريعة وحاسمة وهي قادرة على ذلك”. وفي الحقيقة كلنا يذكر معركة سراقب الثانية في آذار العام 2020، التي حررها خلال الليل الجيش السوري للمرة الثانية، بعد أن أعاد التركي إحتلالها بعد تحريرها من الإرهاب والتي شكلت صدمة كبيرة للاسرائيلي.
وتضيف المصادر، ليس هناك مهلة محددة قبل الهجوم لتحرير درعا نهائياً، ولكن سوريا تلعب على عامل الوقت، وأي موضوع يمكن أن تطيل أمده حتى يشعر الخصم بالملل. واليوم، بعد تحرير درعا عادت قيادات العشائر إلى كنف الدولة، والدولة تقوم بدورها بدعمهم ودعم الموالين لها، وبدأت قيادات العشائر تعود إلى المرجعية الأساسية الضامنه للأمن، ألا وهي الدولة. وقد تسبب عامل الوقت بشعور الخصم بالملل، من حالة السكون التي لا يستطيع التحرك ضمنها، وخاصة بعد قطع الرواتب.
والأمر الآخر الذي يجب الإنتباه إليه هنا، هو العامل الإقتصادي. صحيح أن بعض من أهالي درعا المدينة ومن القرى سافر إلى الخليج، وعادوا إرهابيين، إلّا أن الأغلبية في المدينة هم مواطنون، وهم أصحاب أعمال وتجارة وفلاحون وموظفون وحتى صنائعيين. وهؤلاء جميعاً يتوقون إلى عودة الحياة الطبيعية التي كانوا يعيشونها وحرموا منها لعشرة سنين. وملّوا وهم ينتظرون عودة الماء والكهرباء وخدمات المرافق الصحية والإجتماعية إليهم ولعائلاتهم وعودة أولادهم إلى المدارس بأمان. وهذا ما لا يمكن أن يحدث في ظل سيطرة العودة، الذي بنى خلال السنوات الماضية ثروة خاصة به يشاركه بها بعض خاصاته. وبناء عليه، فبحسب المصدر من الأهالي فإن الإرهابيين تدور مفاوضاتهم حول حماية مكاسبهم التي جنوها خلال سنوات الحرب، وحول كيفية تقاسمها.
وقالت مصادر مطلعة، إن استطالة المفاوضات والذي سيشعر الملل بالخصم، فسيتسبب بصراع داخلي ما بين المجموعات نفسها، والتي ستبحث عن مرجعية لها وسيكون خيارها إما تسليم السلاح نهائياً والعودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم، وبالطبع ستتم معاقبة من قتل أو من خطف عناصر من الجيش أو اغتال، أو أنها سترحل إلى إدلب. وكذلك فإن الشعور بالملل بدأ بالتنامي ما بين العشائر أو العائلات نفسها، التي ترغب بإنتهاء حالة التوتر وعودة الدولة، والتي سيكون بيدها الحل النهائي بتسليم المطلوبين وعودة من ليس مطلوباً لكنف الدولة، التي ستتفرد بلغة العقل، قبل وبعد تسليم السلاح الفردي. وعندها سيتعالى الصراخ أن من يريد القتال خارج نطاق الدولة فلينقلع إلى إدلب، وهذا ما تكرر في مناطق متعددة في سوريا.
تحاول “اسرائيل” افتعال أزمة كبيرة باتهام فرقة الإقتحام الرابعة بأنها فرقة إيرانية، وقد قامت الفرقة الرابعة التابعة للحرس الجمهوري بتنفيذ جميع عمليات الإقتحام في المدن والقرى عبر سنوات الحرب على سوريا. والفرقة الرابعة تحت قيادة العميد ماهر الأسد بشكل مباشر. وبحسب المصدر المطلع هي الفرقة ذاتها التي رافقها حزب الله في اقتحام سراقب الليلي، الإقتحام الثاني، و شارك بفعالية عالية بالعمليات العسكرية إلى جانبها، وهذا ما يرعب “الإسرائيلي”.
وأما الأمر النهائي الذي أكده المصدر المطلع، فهو يتعلق بوصول الجيش العربي السوري ليشرف ويحمي الحدود السورية حتى آخر نقطة علام فيها في الجنوب، وسيجلس في مرصد تلة الحارة الهام، الذي يستطيع كشف العمق الفلسطيني. وستخرج جميع القوى من درعا ولن يبقى سوى الجيش السوري حام للحدود. ومشروع الحزام الاسرائيلي ذهب دون رجعة. وأهم ما في الأمر وبتعبير المصدر المطلع ” درعا الحسم العسكري بس عمليه خاطفة سريعة قبل ما حدا يفيق”.