لا تدَعوا «الحاكم» يستفيد من الأزمات…!
جريدة البناء اللبنانية-
أحمد بهجة:
لا شيء يُريح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هذه الأيام بقدر ما يريحه تكاثر الأزمات في البلد وتفاقمها إلى الحدّ الأقصى، وذلك لكي تطغى إعلامياً وسياسياً وشعبياً على ملفه المليء بالارتكابات التي تصل إلى مستوى الجرائم كون الأمر يتعلق بأموال دولتنا ومصير اقتصادنا ومستقبل شعبنا.
هذا ما حصل بالفعل خلال الأيام الماضية حيث استأثر موضوع الترسيم البحري ومحاولات العدو «الإسرائيلي» الاعتداء على حقوق لبنان وثرواته الطبيعية في النفط والغاز والمياه، استأثر بالاهتمام الإعلامي والسياسي، وهذا أمر طبيعي لأنّ الأمر يتعلق بملف استراتيجي له أكبر الأثر على أوضاعنا الراهنة والمستقبلية، ومن الضروري أن تكون له الأولوية لإنقاذ ثرواتنا ولحفظ سيادتنا الوطنية ومنع العدو من المسّ بها بأيّ شكل من الأشكال، خاصة أنّ لبنان يمتلك معادلة القوة المتمثلة بثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» والتي أثبتت أكثر من مرة أنها المعادلة الماسية التي تجعل لبنان قادراً على التصدّي والمواجهة وتحقيق الأهداف المنشودة.
وهذا ما يبعث نوعاً ما على الاطمئنان إلى أنّ مقدّرات لبنان هي اليوم في أيدٍ أمينة، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، وخاصة على مستوى المقاومة التي قدّمت الغالي والنفيس في سبيل تحرير الأرض من الاحتلال والإرهاب، ولا تزال متأهّبة لحماية لبنان وحقوقه في مواجهة كلّ الأخطار الماثلة أو الآتية.
أما على مستوى السلطة النقدية فإنّ الثقة معدومة بشكل مطلق ومنذ زمن بعيد، وها هي النتائج السلبية بل الكارثية للسياسات النقدية ماثلة أمامنا، ولا يجوز أبداً القول إنها سياسات خاطئة، لأنها لو كانت كذلك لكان يمكن إصلاحها وتغييرها قبل أكثر من ربع قرن حين ظهرت أمام الجميع مساوئها وسلبياتها على العملة الوطنية وعلى الاقتصاد اللبناني بشكل عام، ولذلك فإنّ الأصحّ القول إنها سياسات متآمرة على لبنان واللبنانيين ومدّخراتهم وودائعهم المجمّعة بالجهد والتعب لعشرات السنوات في لبنان وبلدان الاغتراب…
اليوم يثبت أكثر وأكثر أنّ المسؤول الأول عن السياسة النقدية هو شخص متآمر، ويجب التعامل معه على هذا الأساس، وهناك بدايات لا بأس بها حتى لو كانت متأخرة، ولكن من الجيد أنها بدأت وبدأنا نرى ونسمع أنّ القضاء اللبناني يدّعي ويلاحق «الحاكم» وشقيقه ومديرة مكتبه، وبذلك يلاقي الأجهزة القضائية في أكثر من ست دول أوروبية…
لكن ما لا يطمئن على هذا الصعيد هو أنّ بعض المرجعيات السياسية والروحية لا تزال تضع الخطوط الحمر أمام التحرك القضائي ضدّ الشخص الذي يعتبره الأعمّ الأغلب من اللبنانيين مسؤولاً عن ضياع أموالهم وودائعهم وجنى أعمارهم.
وهذا يستوجب في البداية اتخاذ قرار سياسي يقطع الطريق على أيّ تدخل في شؤون القضاء، وذلك ممكن جداً إذا اتخذ القرار بإزاحة رياض سلامة من موقعه وبذلك لا يعود قادراً على خدمة أولئك المتمسكين به والمدافعين عنه الذين سوف يتخلون عنه بلا شك نتيجة الخوف على مصالحهم.
خلاصة الأمر أنّ الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية في لبنان هي نتيجة قرار سياسي خارجي وداخلي، ولا شكّ أنّ إنهاءها يحتاج إلى قرار سياسي معاكس يضع الحلول المناسبة والمتوافرة على سكة التنفيذ، لإنقاذ لبنان وشعبه وأجياله الآتية…