لا تخيّرونا بين إسرائيل وإيران
صحيفة القدس العربي من لندن ـ
عبد الباري عطوان:
بكل غرور وعجرفة وقف بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، يلقي دروسا في الاخلاق وقيم العدالة واحترام حقوق الانسان، ويطالب المجتمع الدولي بإنقاذ اليهود من ايران وقنابلها النووية المفترضة.
لم يصفق احد لهذا الاستاذ المحاضر الكاذب، ولم ينبهر احد برسمه التوضيحي الساذج الذي عرضه امام الملأ، ويصوّر القنبلة النووية الايرانية، ويرسم عليها خطوطه الحمراء.
التطرف عند نتنياهو هو التطرف الاسلامي، والتحضر في رأيه هو اليهودي الاسرائيلي فقط، الذي يجب الاعتراف به كعنصر وحيد قادر على الابداع التكنولوجي والتصدي للتطرف الاسلامي وإنقاذ العالم من شروره.
نتنياهو الذي يدعي الحرص على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة تجاهل كليا القضية الفلسطينية، والمرة الوحيدة التي ذكرها عندما ادان خطاب الرئيس محمود عباس، واعتبره افتراء، وهو خطاب الضعيف الذي يستجدي التعاطف من الرأي العام العالمي، ويشرح بطريقة مملة معاناة شعبه.
‘ ‘ ‘
خطاب نتنياهو، وما تضمنه من خطوط شديدة الاحمرار، هو دعوة للحرب، او تمهيد لها في افضل الأحوال، فقد اعلن فشل الدبلوماسية، وعدم جدوى العقوبات الاقتصادية، وقارن بطريقة مباشرة بين الخطر النووي الإيراني على اسرائيل واوروبا والعالم والخطر النازي، وهي مقارنة ابتزازية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
لا نحتاج الى نتنياهو او غيره لكي يحاضر علينا، والعالم بأسره حول خطر ايران وتطورات برنامجها النووي، لأن الخطر الحقيقي وليس الافتراضي الذي يهددنا هو المتمثل في الرؤوس النووية الاسرائيلية الموجهة الى رؤوسنا.
الارهاب الذي عانينا ونعاني منه هو الارهاب الاسرائيلي الممتد على مدى 64 عاما، والاسلحة الكيماوية وغير التقليدية التي كوت اجساد اطفالنا في قطاع غزة هي الاسلحة الاسرائيلية.
بضاعة نتنياهو مغشوشة، وحججه اكاذيب مفبركة، ومبادئ الحرية والحداثة وقيم حقوق الانسان التي يقول ان الشعب اليهودي قدمها للإنسانية لم نر اي تطبيق لها في الشرق الاوسط، بل رأينا حروبا ومجازر واحتلالات، وحصارات وتشريدا للملايين من الأبرياء.
اسرائيل نتنياهو هي التي شطبت شعبا كاملا من الخريطة الاقليمية، وبأسلحة تقليدية، وبمساعدة الغرب المتحضر الذي يستخدم نتنياهو كل ألاعيبه وبلاغته اللغوية الانكليزية لتحريضه ضد ايران، مثلما حرّضه اسلافه ضد العراق.
ايران، وحتى هذه اللحظة، تصرّ على ان برنامجها النووي تأسس لأهداف سلمية، وما المانع من ان يتحوّل الى اغراض عسكرية طالما ان اسرائيل تملك اسلحة نووية، وهناك دول اخرى مثل الهند وباكستان وروسيا والصين تملك مثل هذه الاسلحة؟
نتنياهو يدعي ان امتلاك ايران لهذه الاسلحة يطلق سباقا نوويا في المنطقة، وتردد الادارة الامريكية اقواله ومخاوفه هذه مثل الببغاء، وما الخطأ في انطلاق سباق التسلح النووي هذا؟ ولماذا لم ينطلق عندما امتلكت اسرائيل سلاحها النووي، او حتى قبل ان تملكه؟
السباق النووي في المنطقة تأخر كثيرا، وكان يجب ان ينطلق منذ سنوات كسلاح ردع في مواجهة اسرائيل.
من اكثر الأقوال سخفا في تبرير منع العرب من امتلاك اسلحة نووية هو الخوف من إقدامهم على استخدامها، تحت ذريعة ان الانظمة الديكتاتورية وليست الديمقراطية،هي التي يمكن ان تستخدم هذه الاسلحة ضد اعدائها.
لقد سمعت هذه الحجة الواهية في اكثر من جامعة، وفي اكثر من برنامج تلفزيوني، ونسي هؤلاء ان امريكا عندما استخدمت قنابلها النووية ضد هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين كانت ديمقراطية، وبعد انتهاء الحرب واعتراف اليابان بالهزيمة.
‘ ‘ ‘
مصر اصبحت ديمقراطية، وديكتاتورها يحتضر في مستشفى سجن طرة، ورئيسها المنتخب الدكتور محمد مرسي كان اول رئيس مصري يخاطب العالم عبر منبر الجمعية العامة، فلماذا لا تمتلك اسلحة نووية مثل الدول الديمقراطية الاخرى حسب المواصفات الامريكية والاسرائيلية!
هذه التهديدات الاسرائيلية لن تخيف ايران، واي عدوان اسرائيلي عليها سيجد من يتصدى له بقوة وحزم ورجولة، وهذا حق مشروع كفلته كل الأديان، وقد جربت امريكا العدوان على بلد محاصر مجوّع مثل العراق، وعدوان آخر على افغانستان التي لا يملك حكامها الطالبانيون طائرة واحدة صالحة للطيران، ومع ذلك كانت الهزيمة مدوّية.
فلتجرب اسرائيل حظها، وتهاجم ايران، مثلما جربت حظها عندما هاجمت جنوب لبنان، فحتى لو انتصرت في الحرب بسبب الدعم الامريكي، فإنها لن تنجح في منع تحول هذا الانتصار الى هزيمة، واسألوا الامريكان وكل الدول المعتدية الاخرى.
نتنياهو يلعب بالنار، وهي قطعا لن تحرق اصابعه فقط، وانما كل جسمه، فالحرب على ايران لن تكون نزهة.
عندما يكون خيارنا بين اسرائيل نتنياهو المعتدية، وايران المدافعة عن نفسها وارضها وعرضــــها فإننا سنقف مع الأخيرة.