لافروف البوتيني إذ يُدافع عَن إيران
موقع إنباء الإخباري ـ
الأَكاديمي مَروان سُوداح*:
من المؤكد أن تصريحات وزير الخارجية الروسي، السيد سيرغي لافروف، التي نفي فيها توافر أية علاقات أو أدلّة مزعومة ما بين طهران والارهاب الدولي، قد سقطت كصاعقة حارقة على رؤوس عددٍ من قادة دول الغرب السياسي وبضمنهم الرئيس الامريكي الجديد ترامب.
سأتوقف هنا سريعاً عند معنى هذه التصريحات وبعض أبعادها. لقد استخدم الوزير الروسي الشهير وهو دبلوماسي مخضرم، لغة حازمة ومدوّية سياسياً في تصريحه الجهوري للدفاع عن إيران ونفي صِلتها بالارهاب. فطبقاً لموقع “سبوتنيك” الإعلامي الروسي، قال لافروف بالحرف: “لم يتم أبداً مُلاحظة أية إتّصالات لإيران مع تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة”، (المَحظورين في روسيا وعددٍ من الدول)، ولا مع أية هيكليات أخرى تابعة لهذه التنظيمات الإرهابية وواردة عناوينها في قائمة مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة ذات الصِّلة”.
بالطبع، لم يكن لافروف ليُطلق تصريحاته الداعمة لإيران دون موافقة الرئيس فلاديمير بوتين ودون ان تعبر هذه التصريحات عن النهج السياسي البوتيني. ويفهم منها، بأنها أيضاً تعبـيرات عن موقف روسي رسمي داعم لإيران “على الأرض” وفي المحافل الدولية، وفي مجلس الأمن تحديداً، فلن تُبقي موسكو حليفها الايراني، وهو حليف مُجرّب، وحده يقاتل في ميدان أية معركة أو حرب وساحة صراع مادية أو معنوية تهدف للنيل من الارض الايرانية وشعبها وتحالفها مع روسيا التي تقع على الطرف الآخر، الشمالي، من بحر قزوين.
لافروف الذي ينفي عن ايران الفبركة الصهيونية والامريكية، يذهب بعيداً عن مجرد الدفاع عن حليفه الايراني بالكلمات، ليدعو على رؤوس الاشهاد الى أنه (“يجب” على إيران أن تكون جزءاً من الجهود الشاملة لمكافحة الارهاب”، و.. نقطة على السطر!.
تصريحات لافروف تشي بأن العلاقات الروسية الايرانية هي أكثر من مجرد تصريحات، ولأنها ارتقت كما العلاقات الروسية الصينية، الى الفضاء الاستراتيجي الثابت، الذي سيدوم سنيناً طوال، وفي جبلته هذه، هو لم ولا ولن يلتفت الى صِغار الأعلام وصَغائر الصّحافة المُباعة في محاولتها التشكيك به والعمل على تفتيته.
فصفعة لافروف للحِلف المُضاد مُدوّية، وهي تأتي في خضم التسخين الإعلامي العالمي الذي تجريه الإدارة الامريكية ورئيس الوزراء في تل أبيب نتنياهو، لجهة تأليب الرأي العام الدولي على روسيا الحليفة لإيران قبل النيل من إيران، وتشويه بنود الاتفاق النووي الايرني – العالمي. ويجري ذلك كله، بالطبع، من خلال ذلك تأليب البشرية ودولها على روسيا، وهذا هو بالذات “بيت القصيد” الامريكي و “النتـنياهوي”، الراغب بفسخ التحالف الروسي الايراني، واستحداث شرخ فيه، يمكّن تل أبيب وأمريكا خلخلة الاوضاع في سوريا، التي تتحالف مع إيران، فلبُّ التصريحات التي انطلقت من واشنطن والتي تناغمت بها مع مثيلاتها الصادرة في “تل الزهور”، دليل على أن المخطط الشرير القادم هو الدعوة الى حرب مقدّسة على القيادة والشعب الايرانيين وعلى روسيا التي يهدفون الى إشغالها بهذه الحرب ومحاولة إنهاك القيادة الروسية، وحرفها عن مهام تطوير روسيا لمزيد من رغادة شعبها وحماية جبهتها الداخلية الأمنية والاقتصادية والإعلامية.
من الطبيعي ان تكون الحكومة الصهيونية مُستهدِفةً (بكسر الدال) إيران في هذه الظروف بالذات، حين تنجح روسيا بوتين العظيم في تقليم أظافر الارهاب الدولي وتكنيس سوريا والعراق منه، ولكونها تتسارع بتوسّعها في حِراكاتها التحريرية لتعقيم عددٍ أخر من الدول العربية من داء الارهاب الفالت مِن عقاله، كليبـيا على سبيل المِثال، وتتأهب أيضاً للعب دور فاعل في سلام اليمن، وتبريد التوتر في منطقة باب المندب ومضيق هرمز، وتتقارب مع مصر بصورة حثيثة، وتجذّر علاقاتها مع القاهرة، ناهيك على صِلات موسكو القوّية تاريخياً مع عواصم دول شمال أفريقيا.
يجهد نتنياهو، وهو رأس الشر والمؤامرات الأخبث، وقُبيل تفشّي إجراءات محاكمته بتهم الفساد والإفساد، لنقل المعركة من حلبته الإسرائيلية الى حَلبات خارجية أخرى، ويَلعب هنا بدهاء على وتر “الارهاب الاسلامي”، في الوقت نفسه الذي تمارس فيه حكومته إرهاباً من أنواع وأشكال متعددة، ليس أخرها سرقة ما تبقى من بيوتات وأراضي وأطيان الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وشرعنة هذه السرقة، ضارباً القانون الدولي بعرض الحائط وطوله.
المعركة الجديدة التي استحدثها نتنياهو ضد إيران للتغطية على مختلف جرائمه حين دنت نهاية الارهاب الدولي على يد التحالف الثلاثي الروسي السوري الايراني، ليست موجهة ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية بحد ذاتها أو حصراً بها، إنما هي أولاً معركة رئاسية أمريكية واضحة وضوح شمس النهار ضد الإسلام والمسلمين أنفسهم، ولتشديد الرّهاب من الإسلام في أمريكا والعالم، ومحاولةً لرد تهمة الارهاب عن الايديولوجية “اليهودية الصهيونية” ودولة نتنياهو الدينية الصهيونية التي من شعاراتها التاريخية: “الضفة الغربية لنا.. والشرقية أيضاً”/ و “حدودنا هي للمكان الذي يَصل إليه بُسطار الجندي الإسرائيلي/ و “إن أنجع طريقة للدفاع هي الهجوم”، فكان له صولة لتجريم كل مسلم وعربي بالارهاب، ورغبة بالصاق جريمة الارهاب بالعالمين العربي والاسلامي، في حين أن عمليات سرقة الأراضي الفلسطينية، وقذف أصحابها وأطفالهم الى الشوارع، وتجريدهم من مآويهم، وهي ممارسات تجري منذ ما قبل1948 وليس الان فقط، وهي في حدِّ ذاتها جريمة كبرى لا تُغتفر ضد الانسانية وجميع الأديان والقانون الدولي، لم يلتفت نحوها العالم المتحضر للآن!
إن سرقة الأرض هي الارهاب الدولي بعينه، وهو مايوازي إرهاب الفاشية والنازية والعسكريتارية اليابانية في الحرب العالمية الثانية لشعوب دول “الحلفاء”، بخاصة روسيا والصين (خسر البلدان في الحرب الثانية أكثر من 62مليون قتيل، وشرّدت قومياتهم وشعوبهم).
ناهيك عن الارهاب الآخر الذي تمارسه تل أبيب وتصمت عنه صمت القبور، لكنه يتوافر بفضائحه التي تزكم الأُنوف في صفحات “يوتيوب” ووسائل الإعلام الدولي، وهو بإيوائها الارهابيين الجرحى المُستقدمين من سوريا الى مستشفيات الكيان الاسرائيلي، ومنها المستشفيات العسكرية، فإعادتهم بعد علاجهم للقتال مرة اخرى في سورية ضد حكومتها الشرعية، التي لها كل الحق – كأية حكومة شرعية أخرى – لاستقدام أية قوات لمساعدتها في التصدي للعدوان الدولي المفروض عليها، ومنها القوات الجوية – الفضائية الروسية، والقطاعات البرية الايرانية، وقد تحدث لافروف عن ذلك صراحةً.
خلاصة القول، أن ايران وروسيا تبقيان شوكتين في حلق نتنياهو والصهيونية الدولية الممتدة من “الكيان” الى واشنطن، وها هي معركة الادارة الجديدة في واشنطن ضد ايران وروسيا تبدأ، فلم تكتف تلأبيب بتقويض التواجد السوفييتي والرسوي في دول الشرق الاوسط العربية سابقاً، لكنها قوضت أيضاً مؤتمر موسكو للسلام، وألغته، واستبدلته باحتكار أمريكي للمنطقة العربية، وهو الاحتكار الذي بدأ يتآكل ويذوب، وتحل محله قوى جديدة وقوية ولديها مصداقية ويرنو إليها العالم العربي هي روسيا وإيران، فإهلا وسهلاً بهاتين الدولتين وشعبهما، وسنجد على يديهما الحل العادل لقضايا منطقتنا العربية بخاصة القضيتين الفلسطينية والسورية والقضاء على الارهاب بكل أنواعه وأشكاله وسِحنه ولتجفيف منابعه ذات الألوان الكثيرة..
* متخصص أردني بالشأن الروسي ورئيس رَاَبِطَة الَقَلَمِيِّين الاَلِكْتْروُنِيّةِ مُحِبِّيِ بُوُتِيِن وَرُوسيِّهَ فِيِ الأُردُن وًالعَالَم العَرَبِيِ