لابيد يشرب “حليب السّباع” ويُطلق التهديدات يميناً ويساراً
صحيفة الوفاق الإيرانية-
عبدالباري عطوان:
ادّعى لابيد قبل أيّام بأنّه ووزير دفاعه الجنرال بيني غانتس نجَحا في الضّغط على الولايات المتحدة ومنعها من التوصّل إلى الاتّفاق النووي مع إيران، ويوم الأحد، وفي تناقضٍ واضِح، يُؤكّد في مُقابلةٍ مع الموقع المذكور بأنّه يجب تشديد الضّغوط العسكريّة على إيران للتوصّل إلى اتّفاقٍ نوويٍّ أفضل من المطروح حاليًّا، ويضرب مثلًا بالرئيس باراك أوباما الذي هدّد إيران باستخدام قنابل خارقة للتّحصينات ممّا جعلها تذعن وتُوقّع الاتّفاق عام 2015.
تلويح الرئيس أوباما بالقنابل العملاقة لاختِراق التّحصينات، والوصول إلى المعامل النوويّة الإيرانيّة المُقامة في عُمُق الجبال، لم يكن السّبب الذي دعا إيران إلى توقيع اتّفاق عام 2015 الذي ألغاهُ دونالد ترامب بعد ثلاثة أعوام، وإنّما رغبة قائد الثورة سماحة الإمام السيّد علي خامنئي إعطاء الإصلاحيين برئاسة حسن روحاني في حينها الفُرصة لرفع العُقوبات، وتحسين الاقتصاد الإيراني، والحُصول على أكبر قدر مُمكن من التّنازلات الأمريكيّة، ولو لم يكن هذا الاتّفاق يخدم الطّموحات العسكريّة والاقتصاديّة الإيرانيّة، لما ضغط نِتنياهو على ترامب عبر صِهره جاريد كوشنر لإلغاء هذا الاتّفاق، واستِبداله بعُقوباتٍ اقتصاديّةٍ شرسة أعطت نتائج عكسيّة.
إيران، وليست “إسرائيل” هي التي “نسفت” الصّيغة الأوروبيّة النهائيّة للاتّفاق النووي الجديد، لأنّها لا تُريد توقيع هذا الاتّفاق رغم قُبول أمريكا بمُعظم الشّروط “التعجيزيّة” التي تقدّمت بها، فالوضع الرّاهن في كونها “دولة حافّة نوويّة” يُناسبها بعد تخصيبها كميّات من اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة، وربّما أكثر (هُناك تقارير تقول إنّ هذه الكميّة تزيد عن 50 كيلوغرامًا) تُمكّنها من تصنيع قنبلة نوويّة في غُضون أسابيع معدودة إذا صدرت “فتوى” بذلك من سماحة قائد الثورة.
لابيد ليس جِنرالًا، ومعلوماته في الشّؤون العسكريّة الاستراتيجيّة محدودة للغاية، ولكنّنا في الوقت نفسه لا نُنكر خِبراته الدعائيّة التي اكتسبها من عمله كصحافي وإعلامي، وتهديداته التي بات يُكرّرها كُل يوم، ويُؤكّد فيها أنه سيمنع إيران من امتِلاكِ أسلحةٍ نوويّة، قالها نِتنياهو وكرّرها عدّة مرّات، ولكنّه لم يجرؤ مُطلقًا على تنفيذها خوفًا ورُعبًا، وهذا الحال لم يتغيّر.
لابيد ارتعد خوفًا من أربع مسيّرات غير مُلغّمة واستطلاعيّة أرسلها السيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله إلى حقل “كاريش”، وأُخرى صَوّرت جميع منصّات الغاز والسّفن الحامية لها على طُول السّاحل الفِلسطيني المُحتل، دُون أن ترصدها الرّادارات الإسرائيليّة، ورضخ لجميع الشّروط اللبنانيّة، وأجّل استخراج النفط والغاز، وباتَ يستجدي الوسيط الأمريكي للتّسريع بالتوصّل إلى اتّفاقٍ، ومع ذلك يتصرّف كالضّفدع الذي لبس جبّة الأسد.
فإذا كان لابيد لا يستطيع مُواجهة “الشّبل” اللبناني ويستجيب لكُل شروطه خوفًا من صواريخه ومُسيّراته، فكيف يُمكن أن يُواجه “الأسد” الإيراني الذي يملك مئات الآلاف من الصّواريخ والمُسيّرات والغوّاصات، والأكثر من ذلك بات يُصَدّرها إلى مَن؟ إلى روسيا القُوّة العالميّة العُظمى، وتنجح، وخاصَّةً المُسيّرات، في تَغييرِ بعض مُعادلات الحرب الأوكرانيّة؟
كان لافتًا في تصريحات لابيد قوله إن حُكومته تستخدم جهاز “الموساد” في إطار ضُغوطها على أمريكا للوصول إلى اتّفاقٍ نوويٍّ أفضل، وأعاد تِكرار هذه العبارة في الحديث عن الاتّفاق اللبناني عندما قال “إذا أصبح تهديد “حزب الله” جديًّا ولا يُمكن احتواؤه، فسيتعيّن علينا الرّد واللّجوء إلى العمليّات السريّة”.
لا نعرف ما هو الدّور الذي سيلعبه “الموساد” للضّغط على إيران، فهل يقصد لابيد، وباعترافٍ غير مُباشر، العودة إلى عمليّات الاغتِيال للعُلماء النوويين الإيرانيين داخل إيران وخارجها، أم الوقوف خلف الاضطرابات الحاليّة التي تستهدف تأليب الرّأي العام الإيراني ضدّ دولته، وزعزعة استِقرارها.
الشّيء نفسه يُمكن أن ينطبق أيضًا على تهديداته بالتّلويح بالعمليّات السريّة ضدّ “حزب الله” وقِيادته في لبنان، وأبرزها عمليّات الاغتيال، وربّما يُفيد التّذكير بأنهم يُحاولون مُنذ أكثر من عشرين عامًا للوصول إلى السيّد نصر الله لاغتِياله دُون تحقيق أيّ ذرّة من النّجاح.