كيف يقيِّم قادة الغرب العسكريون حزب الله؟
موقع العهد الإخباري-
عمر معربوني:
عندما نكون في قلب الصراع تبدو الحاجة مُلِحّة لفهم كيف يفكّر قادة العدو، والعدّو بالنسبة لنا ليس فقط الكيان المؤقت، إنما كل من يدعم هذا الكيان ويتماهى معه في النظرة والأهداف، انطلاقًا من هذا الفهم الذي يسود لدى محور المقاومة كثابتٍ أساسي من ثوابت ادارة الصراع ولا ينفصل عن ثوابت فهم تركيبة ومخططات الكيان المؤقت للمواجهة مع قوى محور المقاومة وعلى رأسها حزب الله.
في 25 تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2017، ألقى العقيد ريتشارد كيمب، واللواء اللورد ريتشارد دانات، والجنرال كلاوس نومان كلمة في منتدى سياسي في معهد واشنطن، كجزء من سلسلة محاضرات “ستاين لمكافحة الإرهاب” التي تُجرى منذ فترة طويلة. وكيمب هو القائد السابق للقوات البريطانية في أفغانستان وقاد فريق مكافحة الإرهاب الدولي في “لجنة المخابرات المشتركة” في بريطانيا. أما دانات فهو رئيس الأركان السابق للجيش البريطاني، ونومان شغل منصب رئيس أركان “القوات المسلحة الألمانية” ورئيس “اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي”. وشارك الثلاثة جميعاً في مشروع يضم “مجموعة عسكرية رفيعة المستوى” أسفر عن نشر التقرير الأخير بعنوان “جيش الإرهاب” التابع لـ حزب الله تحت عنوان: “كيفية منع اندلاع حرب ثالثة في لبنان”، حسب تعبيره.
سأحاول في هذه المقالة أن أوجز ما طرحه الضباط الثلاثة والذي لا يزال برأيي يشكّل أساس فهمهم في كيفية مواجهة حزب الله على الرغم من مرور 6 سنوات على أطروحاتهم في المنتدى الذي نظّمه معهد واشنطن.
العقيد ريتشارد كيمب قال “أمام الغرب اليوم فرصة فريدة لمنع اندلاع المزيد من الحروب بين حزب الله و”إسرائيل”، ولتحقيق ذلك، يتطلب من الحكومات الغربية تغيير ردود فعلها “الغريزية” على “العمليات العسكرية الإسرائيلية”. وفي الوقت الراهن، ثمة احتمال كبير بأن يشن حزب الله حرباً أخرى، لا سيما بالنظر إلى مركزه بوصفه “الوكيل الرئيسي لإيران” ضد “إسرائيل” والولايات المتحدة وحلفائهما، على حد زعمه. وتابع “لا شك أنّ “المجموعة العسكرية رفيعة المستوى” (HLMG) شبه متأكّدة من أنّه عندما تبدأ الحرب، ستشعر “إسرائيل” بأنها مجبرة على الرد بعدوانية وقوة وسرعة كبيرة، وفي حين أن عملياتها ستتّبع بالتأكيد قوانين الصراع المسلح، إلّا أنّها ستؤدي بالضرورة إلى وقوع خسائر بشرية مدنية واسعة النطاق، ولا سيما في جنوب لبنان”. وهنا لا بدّ من الإشارة الى كلام يمهّد بشكل واضح لتبرير ما يمكن أن يفعله الجيش الصهيوني، ودعوة الحكومات ووسائل الإعلام الغربية لعدم تنظيم حملات تنديد بالهمجية الإسرائيلية تحت عناوين إنسانية، حيث يتابع كيمب كلامه بالقول انّ أي ردّة فعل همجية من الكيان المؤقت ستكون في صالح حزب الله “الذي يريد ان تقع خسائر كبيرة في الأرواح لاستخدام النتيجة في الإعلام والسياسة” – على حد ادعائه – كمادّة ادانة للكيان المؤقت، وهو أمر يخالف بشكل جذري عقيدة وفهم ومنطلقات الحزب كمقاومة هدفها الأساسي حماية الناس وليس استغلال قتلهم من قبل العدو. وكلام كيمب المتوافق مع كلام قادة الكيان يعني ان القتل والتدمير سيكون على رأس أهداف العدو لكن بشكل مضاعف عمّا فعله في جولات المواجهة السابقة.
بدوره قال ريتشارد دانات “حقق حزب الله تطورات مهمة في مفاهيمه وقدراته الاستراتيجية منذ حرب لبنان في تموز/ يوليو 2006، ومن الضروري فَهم المخاطر الناجمة لتقييم احتمال وقوع هجوم وطبيعة الرد الإسرائيلي الحتمي المضاد. وفيما يتعلق بالقدرات القتالية البرية، تَطوّر حزب الله إلى ما هو أبعد من فئة “الإرهابيين أو العصابات”، فهو الآن أقرب إلى قوة عسكرية موحّدة، مع هيكلية وتسلسل واضح للقيادة. وقد ازداد عدد عناصره بشكل هائل، وأصبح يبلغ نحو 25 ألف مقاتل ناشط و20 ألف مقاتل احتياطي. وقد خضع حوالي 5 آلاف جندي ناشط لتدريب متقدم في إيران” على حد زعمه.
وفي هذا الجانب أسهب ريتشارد دانات بشرح قدرات حزب الله العسكرية وتسليحه، إلا أن معلوماته حول عديد المجاهدين ونوعية وكمية الأسلحة باتت قديمة، لكن ما يهمنا هو ان ريتشارد دانات يفهم بشكل جدي المخاطر التي ستلحق بالكيان المؤقت بسبب تنامي قدرات المقاومة لكنه في الوقت نفسه يستغل معلوماته لمناشدة الرأي العام العالمي ضرورة فهم أن حزب الله لا يشكل خطراً على “إسرائيل” فقط بل يحاول تأكيد أن الحزب بات يشكل أخطاراً على الأمن العالمي وعلى لبنان ايضًا وهو ما يتم العمل عليه من خلال ترويجه كسياسات وأفكار.
في جانب آخر قال كلاوس نومان: “نظراً إلى القدرات العسكرية المحسّنة لـحزب الله، ورغبته في استهداف المدنيين الإسرائيليين، واستراتيجيته في استخدام المدنيين اللبنانيين كدروع بشرية، فإن الحرب المقبلة ستكون أسوأ بكثير من الحرب السابقة. وإذا اندلعت، فستترتب عليها عواقب إنسانية وخيمة، وقد تضع المصالح الاستراتيجية الغربية في خطر” حسب قوله.
وادعى نومان أنه “لا يزال بإمكان الغرب نزع فتيل هذه الحرب التي تلوح في الأفق أو تخفيف العواقب الناجمة عنها. ولتحقيق ذلك، تحتاج الولايات المتحدة وأوروبا إلى إعادة تقييم علاقاتهما مع لبنان وتحديث سياساتهما وفقاً لذلك. ففي المرحلة الراهنة، تمكّن حزب الله من السيطرة على معظم أنحاء البلاد، وجعل الحكومة تعتمد على وجوده، كما وتلاعب بالمسؤولين ليهملوا مصالح الشعب بغية مواصلة جدول أعمال إيران الإقليمي، وإذا فشل الغرب في الاعتراف بأن لبنان لم يعد منفصلاً عن حزب الله، فإن الخطر سيزداد سوءاً” على حد تعبيره.
من هنا نفهم ما يحدث في الداخل اللبناني منذ العام 2019 حيث بدأت عملية تدمير ممنهجة للبنان في السياق المرتبط بتحويل لبنان الى دولة فاشلة بالتعاون مع الطبقة السياسية المرتبطة بأميركا والتي تنفذ أجندة مرسومة بدقة هدفها الأساسي كسر حزب الله وازاحة خطره عن الكيان المؤقت، لهذا يبدو ضرورياً لفهم طبائع الصراع الإطلالة بشكل دائم على كل ما يصدر عن مراكز الأبحاث والدراسات المعادية كونها الشريك الأساسي للحكومات في التخطيط والمتابعة حيث ان فهم ما يدور برؤوس هؤلاء القادة هو ضرورة لوضع ما يلزم من تدابير لمواجهة خططهم ومؤامراتهم.