كيف يؤثر التصعيد ضد روسيا على المنطقة؟
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
السياسة لا تعرف الفراغ وبقدر ما تتخلى قوة عن دورها، فإن قوة أخرى تحل محلها، وبالتمايز بين القوى والقوى البديلة ترسم الأدوار وتتغير الخرائط والموازين.
وبعد تسليم مصر السادات سيفها لأمريكا عبر اعتراف لم تكن مجبرة عليه بأن 99% من أوراق اللعبة بيدها، انتزع الخليج القيادة معطيًا 100% من الأوراق لا لأمريكا وحدها بل وللعدو الصهيوني معها.
وبدأت رحلة إقليمية مضنية تحققت بها مقولة الأديب الروسي الكبير “أنطون تشيخوف”: “لقد اكتشفنا أن السلام بأي ثمن لا يكون سلامًا بالمرة”.
ولولا بروز الثورة الإسلامية في إيران وبروز حركات المقاومة، ولولا الصمود السوري لكانت المنطقة دخلت في حقبة إسرائيلية تحققت بها أحلام وأوهام “إسرائيل الكبرى”، وكان معها البحر المتوسط والأحمر بحيرات داخلية صهيو- أمريكية، وهو ما يفسر الآن وبعد هذه العقود استهداف إيران وسوريا ولبنان واليمن، ناهيك عن محاولة تصفية القضية المركزية الفلسطينية من الداخل.
وبحكم الجغرافيا السياسية، فإن المنطقة هي منطقة تنازع عالمي ولا يستطيع الصراع الدولي الانفصال عن الصراع عليها، بحكم المعابر والمضائق وطرق التجارة والطاقة، وبالتالي فإن الصراع على عرش العالم يحتم على المنطقة أن تكون جبهة من أهم الجبهات، طالما ارتضت بالتفسخ وانجرت للفتن ولم تصبح كتلة قطبية عالمية لو استمعت لنصائح الوحدة والتعاون والاستقلال.
المحصلة أننا في لحظة دولية بالغة الحساسية وتشهد نذرًا لحسم العديد من الملفات، وأيًا كانت الخيارات سواء بالحرب أو بالتسويات، فإن الصدام على جبهات متناثرة يبدو وأنه لا مفر منه.
وهناك شبه إجماع في مراكز الأبحاث الاستراتيجية على أن نذر الصدام مرتفعة بشكل غير مسبوق منذ الحرب العالمية، وأن أدبيات الحرب الباردة تحكم العديد من الجبهات والتي وصل بعضها للسخونة، لدرجة أن المناقشات تدور حول سيناريوهات الصدام وليس احتمال الصدام!
وبدأت التحليلات تناقش أدوار القوى الإقليمية المختلفة في الصراع المرتقب بين روسيا وأمريكا، ويمكننا رصد أبرز المناقشات والتحليلات في قضايا بدت حيوية ومؤثرة في العناوين التالية:
1- سيناريوهات الغزو الروسي لأوكرانيا وحجم التوغل ودور المحيط الأوكراني في بيلاروسيا وبولندا وسلوفينيا والمجر، وما هو رد الفعل الأمريكي الأنسب من حيث العقوبات والتسليح لأوكرانيا وتدشين حرب استنزاف للروس.
2- العقوبات الأنسب للروس والتي لا تشكل نيرانًا صديقة على أوروبا مثل عقوبات الطاقة أو العقوبات المصرفية، ومناقشة البدائل وجدواها.
3- مناقشة تمتين التحالف الأمريكي الأوروبي وتجنب الخلافات والانشقاقات ولا سيما بعد تمايز الموقفين الألماني والفرنسي عن الموقف الأمريكي من التعاطي مع الروس وأسلوب التصعيد.
بينما على الجانب الروسي تختلف طريقة التعاطي، حيث يعمل الروس بجدية شديدة على الأرض وبإجراءات عملية مؤثرة، ولا يتفرغ للجوانب النظرية والسجالات.
وتعكس التحليلات الروسية جدية شديدة وتطرح سيناريوهات لا يناقشها الغرب، بينما هي الأقرب إذا ما تم مراقبة التحركات الروسية العملية على الأرض.
وهنا يمكننا مقارنة تحليلين أحدهما أمريكي والآخر روسي، وكلاهما له علاقة بالمنطقة وتحديدًا الملف السوري، لنلحظ الفارق في التوجه والرؤية، وقد اخترنا التحليلين من جملة عشرات التحليلات لأنهما أولًا، هامين ومن مصادر لها ثقلها، وثانيُا، لأنهما يلخصان مجمل التحليلات بشكل أو بآخر:
أولًا: تحليل أمريكي في مقال بمعهد واشنطن للكاتب “سونر چاغاپتاي”، حيث يتحدث عن الدور التركي المتوقع وكيف أنه دور هام في الصراع المرتقب، ويقول الكاتب: “إذا غزت روسيا أوكرانيا، فمن غير المرجح أن تكون تركيا في طليعة أي تحالف دولي لصدها. لكن عند أخذ آراء أنقرة في الاعتبار بشأن ميزان القوى في البحر الأسود، يمكن لواشنطن أن تتوقع من أردوغان توفير مساعدة عسكرية وراء الكواليس وغيرها من أشكال الدعم إلى كييف.. ويبدو أن أكثر نقاط الضعف المباشرة لأنقرة أمام الضغط الروسي هي تدفقات اللاجئين المحتملة من إدلب. وإذا وفرت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون ضمانات حاسمة بأنهم سيقاومون أي اعتداء شامل ينفذه نظام الأسد ضد هذه المحافظة، فمن المرجح أن توسع تركيا دعمها لجهودهم لمواجهة العدوان الروسي على أوكرانيا”، حسب تعبيره.
هنا تمت مناقشة مخاوف الأتراك من الأوراق الروسية وكيف تمتد لمنطقتنا والتوصية لأمريكا بمعالجة الملف عبر فرض سيطرتها على مناطق النزاع بسوريا لسلب هذه الورقة من الروس.
ثانيًا: على الجانب الروسي يرى المحلل السياسي “ألكسندر نازاروف” أن سوريا هي الجبهة المثلى للمواجهة، ولخص تحليله كما يلي: “النقطة الأكثر ضعفًا في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الآن هي الاقتصاد. حيث يتسارع التضخّم في الغرب والعالم. وتشهد اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا توازنًا دقيقًا بين الانهيار الكارثي لبورصات الأوراق المالية وانهيار الاقتصاد والتضخّم المفرط وكذلك إغلاق الاقتصاد. فأي صدمة عالمية ستنتهي حتمًا بانهيار الاقتصاد الغربي. في واقع الأمر، لن يتمكن الغرب من شن حرب استنزاف يكون فيها أقوى من روسيا في ظل هذه الظروف. لذلك، وبشكل عام، لا يهم ما سيكون الرد العسكري الروسي، الأمر الرئيسي هو أنه سيكون كبيرًا بما يكفي لبدء تفاعل متسلسل من التفكك في الاقتصاد الغربي. لكن السؤال الذي يظل مطروحًا: كيف وأين؟ دعونا نتذكر مشكلة الطاقة في أوروبا. الطاقة تقف في صف روسيا، ولا يوجد سبب يمنعها من استخدام هذه الورقة الرابحة مرتين. هناك بلد في الشرق الأوسط، يوجد على أراضيه الجيش الأمريكي بشكل غير قانوني، وستكون الضربة حينها أولًا، قانونية، وثانيًا، ستؤدي حتمًا إلى اضطرابات عالمية. وفي حال رد الأمريكيون باستخدام بنيتهم التحتية العسكرية الإقليمية، يمكن لروسيا أن تضرب القواعد الأمريكية في المنطقة. بل ومن الممكن أن تنحرف بضعة صواريخ أمريكية أو روسية عن مسارها خلال القتال، لتدمر عن طريق “الخطأ” أكبر المنشآت النفطية في المنطقة. في هذه الحالة، وبشكل عام، فمن غير المحتمل أن يتم توفير إمدادات النفط والغاز من هذه المنطقة لعدة أشهر على الأقل، وحينها سيحلم المشترون بالحصول على برميل نفط بسعر 1000 دولار أمريكي. أعتقد أنها قد تكون الصدمة الأخيرة للنظام المالي في الغرب. بالطبع، سيكون الأمر صعبًا على العالم بأسره، لكن الاقتصاد الأمريكي سوف يدمّر مع أي تطوّر للأعمال العدائية”، على حد تعبيره أيضًا.
ويعكس هذا التحليل جدية الروس في المواجهة وفي التصعيد ورؤيتهم لموقفهم القوى ونقاط الضعف داخل المعسكر الأمريكي، والأهم أنه يرشح سوريا والمنطقة كجبهة مواجهة مباشرة.
قد يبقى هذا التحليل مجرد تحليل أو توصية، ولكن بمراقبة التحركات الروسية الأخيرة، والمناورات الروسية الإيرانية الصينية المشتركة، وبرصد الدوريات الروسية السورية وتحجيم الطيران الأمريكي الإسرائيلي فوق سوريا، فإن الأمر يعدو كونه تحليلًا، بل يرتفع لكونه سيناريو عملي اتخذ الروس فيه، إجراءات تنفيذية وبلحاظ مناورات أمريكا مع الخليج والعدو الاسرائيلي في إدخال سلاح السفن بدون طيار، قد نميز شكل المواجهات المرتقبة وأطرافها.
في حال الحرب أو تسويات الربع ساعة الأخير، فإن شكل المنطقة مقبل على تغيرات كبرى لن يكون فيها مكان للتأرجح بين المعسكرات، ولن يكون فيها أرقام وازنة إلا لمحور المقاومة بحكم الندية التي سيتعامل بها مع القوى الكبرى والفرقاء.