كيف كسرت إيران معادلات العرب وأنقذت فلسطين؟
موقع العهد الإخباري-
د. زكريا حمودان:
التاريخ الحديث وتحديدًا حقبة الصراع العربي مع العدو الاسرائيلي هو أوضح من أي تاريخ تمت كتابته في القرنين العشرين والواحد والعشرين. فمنذ بداية الصراع حتى يومنا هذا سقط العرب مخذولين في مختلف صراعاتهم، لكن لم تسقط فلسطين وبقيَت صامدة صمود الأشجار الشامخات في مهب الريح التي لم تتوقف ابدًا.
لا شك أن البعد الإلهي تجسد في سنوات الصراع هذه، لكن الساحة الفلسطينية كانت دائمًا تروي هذا الصمود من دماء الشهداء، لتنبت العزة في نفوس الأجيال المحافظة على هذه الأرض المباركة وقدسها الشريف.
لقد كان لدخول مصر والأردن في نفق التطبيع المظلم، وإلقاء البندقية الأثر الكبير في صميم القضية الفلسطينية، لكن الحدث الأبرز في تلك الحقبة كان التحول التاريخي في مكانٍ ما هناك، حيث أُسقِطت سفارة العدو الاسرائيلي وخرجت من معادلة العلاقات إلى معادلة العداء الكُلي مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ودخول الجمهورية الإسلامية في إيران إلى معادلة الصراع. هذه الروح الحسينية المجاهدة حملت معها من قُم إلى القدس رسائل البشرة، يا قدس إنا قادمون.
لم يبخل الدم الفلسطيني يومًا تجاه القضية وفي سبيل تحرير الأرض، ولم تبخل الفصائل الفلسطينية يومًا بأي جهد في سبيل تحرير الأرض، لكن الدور العربي كان مبهمًا دائمًا، بل حتى في بعض الأماكن كان العرب يتآمرون على الفلسطينيِّن بسبب شعورهم بأنَّ القضية باتت تشكل عبئًا عليهم. جميع هذه التفاصيل سجلها التاريخ منذ بدايتها حتى يومنا هذا، حيث ارتمى العديد من الدول العربية في أحضان الإسرائيلي معتقدين أنهم سينالون شيء مما فقدوه، متناسين أن الكرامة التي حملوها يوم كانوا في صف القضية الفلسطينية قد سقطت عنهم، ومع سقوط الكرامات تسقط المقامات.
خلال سنوات التآمر والتعاون السري والشبه علني من بعض الدول العربية والخليجية، كانت هناك قوة تصعد بالقضية الفلسطينية بكل الإمكانيات المتاحة لديها، وبدأت تُقدم الغالي والنفيس في خدمة فلسطين. لم تبخل إيران يومًا بشيء تجاه فلسطين، والتاريخ الذي كُتب بدم الشهداء الفلسطينيين كان لإيران شرف كبير في جعله دم الشهادة والإنتصار، فأتى نصر تموز مُدخلًا الثقة في نفوس كل مؤمن بأن الكيان الصهيوني إلى زوال، وأتت سيف القدس لتقول للجميع بأنَّ للقدس سيفُ يضرب أعماق الكيان فيطعنه طعنةً يُسمع صداها في طهران، حيث تنشرح صدور الواقفين دون كلل أو ملل يعملون لتبقى القدس وتبقى فلسطين.
منذ إنتصار الثورة الاسلامية في إيران حتى يومنا هذا كانت المعادلة العكسية تنشأ تدريجيًا، فعند كل تنازل يقدمونه العرب تجاه فلسطين، تأتي إيران سندًا للقضية، وعند كل طعنة يُقدم عليها العرب، تداوي إيران ودعمها الجراح بانتصار جديد، وما مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي حملته كونداليزا رايس بعد احتلال العراق الا خير دليل على أن العرب كانوا أدوات حادة لطعن القضية الفلسطينية وأسقطتهم إيران رافضةً بأن يُقسم العراق، كما اسقطه حزب الله في نصر تموز من العام عينه.
وعندما صافح الخليج الصهاينة في القدس، خرج سيف القدس مسلولًا حول رقابهم، معلنًا انه لو سكتت كل الدنيا، للقدس فيلق سخره الله ليحميه. وهنا لا بد أن نذكر دور إيران الرئيسي في توحيد فصائل المقاومة الفلسطينية ودعمها الذي وبحسب أحد المصادر كان دعمًا لا يمكن وصفه، وكانت قدرات الرحمن مُسَخرةً لايصال السلاح والعتاد إلى العمق الفلسطيني وتحديدًا قطاع غزة.
اليوم نحن نعيش زمن دعم إيران للقضية الفلسطينية، وزمن وحدة الفصائل الفلسطينية وزمن حركتي حماس والجهاد وباقي قوى المقاومة.
أما الكيان الصهيوني المحتل فهو يعيش أسوء أيامه، أيام الحصار الأصعب منذ تم إنشاء الكيان، ولكن ليس بفضل المطبعين العرب تُحاصر اسرائيل. اليوم من يحاصر إسرائيل هو الروح الفلسطينية المقاومة وفصائلها الباسلة، والدعم العسكري الإيراني لجميع قوى المقاومة، والردع الذي جسده حزب الله على الحدود اللبنانية، ومُسيرات يمنية وصواريخ أرض أرض يمنية وعراقية لدى قوى مُقاوِمة باتت جاهزة لقصف العمق الاسرائيلي.
لقد غيرت إيران مشهدية الصراع مع العدو الاسرائيلي، وحولت الزمن الذي كان العرب يُهددون فيرتعبون، إلى الزمن الحديث، حيث الصهاينة مهددون ويرتعبون من جبهات ستُفتح في نهاية المطاف، وستُقتلع “إسرائيل” وتنتصر إيران منقذةً فلسطين.