كيف سيكون المشهد الإقتصادي العالمي هذا العام؟
صحيفة البعث السورية-
عناية ناصر:
يواجه التعافي الاقتصادي العالمي في عام 2022 العديد من التحديات، لأسباب ليس أقلها استمرار جائحة كوفيد -19، وظهور متغيرات جديدة من فيروس كورونا الجديد، وعدم المساواة في توزيع اللقاحات. أي أن الوباء سيغير طريقة تفكير الاقتصادات والمجتمعات، فكيف سيكون المشهد الاقتصادي العالمي في هذا العام؟. في الوقت الحالي، تعد المعلومات المتعلقة بالآثار الصحية لمتغير” أوميكرون” نادرة ، مما يجعل التداعيات الاقتصادية غير متوقعة إلى حد كبير. لقد أبلغ حوالي 30 اقتصاداً عن حالات من أوميكرون، ولكن من المرجح أن يكون عدد البلدان التي يوجد فيها أعلى بكثير. في جنوب إفريقيا، على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن “أوميكرون” استحوذ على حوالي 70 بالمائة من إجمالي حالات كوفيد -19 خلال الأسابيع الماضية. بناءً على ذلك، يبدو من الممكن أن يصبح ” أوميكرون” من متغير دلتا السلالة المهيمنة على مستوى العالم. ومع ذلك، حذرت منظمة الصحة العالمية من عدم وجود دليل كاف حتى الآن على أن “أوميكرون” أكثر قابلية للانتقال.
عدم اليقين الرئيسي الآخر، هو الدرجة التي يقلل بها من فعالية اللقاحات الموجودة، فبينما ورد أن بعض المصابين قد تم تطعيمهم بالكامل، إلا أنه من السابق لأوانه الحكم على ما إذا كان هذا يشير إلى انخفاض فعالية اللقاح. بالإضافة إلى ذلك، حتى إذا تم تقليل فعالية اللقاح، فمن غير الواضح ما إذا كانت بعض اللقاحات ستوفر حماية أفضل من غيرها. لذلك التداعيات الرئيسية الواضحة في هذه المرحلة هي أن الحكومات قد تفاعلت بالفعل مع أخبار” أوميكرون” من خلال إعادة فرض القيود، لا سيما على السفر إلى الخارج.
بشكل عام، يؤكد التطور الأخير أن الطريق إلى الحياة الطبيعية سيظل وعراً وغير مؤكد. فما هو أفضل سيناريو معقول؟. في أفضل السيناريوهات، قد يتحول “أوميكرون” ليكون نعمة مقنعة إذا ظلت فعالية اللقاحات ضد النتائج الصحية الخطيرة مرتفعة، وأعراض المصابين بشكل عام أقل خطورة. وفي مثل هذا السيناريو، يمكن أن يساعد انتشار” أوميكرون” في تسريع الانتقال إلى الوضع الطبيعي، وأي ضعف على المدى القريب في النشاط الاقتصادي بسبب القيود المتجددة قد يتم تعويضه بسرعة في هذا العام.
إن ظهور سلالة فيروسية أقل خطورة والانتشار السريع للقاحات المعدلة- ذكرت شركة صناعة الأدوية موديرنا بالفعل أنه بحلول أوائل عام 2022 يمكن أن يتوفر لقاح معاد صياغته للتعامل مع أوميكرون بكميات كبيرة- قد يطمئن الناس والشركات ، على الرغم من أن كوفيد-19 من المقرر أن يستمر، وسيقل تأثيره الاقتصادي بمرور الوقت ، لكن وعلى الرغم من أنه بعيد كل البعد عن الحتمية، لا يمكن استبعاد احتمال أن يكون لدى” أوميكرون” قابلية أكبر للانتقال، وأعراض مشابهة أو أسوأ، ومقاومة أكبر للقاحات.
في سيناريو الجانب السلبي الحالي لـ كوفيد-19 الذي تؤدي فيه المتغيرات الجديدة لفيروس كورونا إلى فترة طويلة من القيود وتطيل من تعطل سلاسل التوريد العالمية ، سيتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 2.3٪ في عام 2022 ، وتضعف الأسواق المالية. وفي هذا السيناريو، ستتضرر الاقتصادات المتقدمة بشدة بشكل خاص حيث كان نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ومنطقة اليورو في عام 2021 أقل بنحو نقطتين مئويتين من التوقعات الأساسية الحالية البالغة 4.5 في المائة و 4.2 في المائة على التوالي. وهذا من شأنه أن يخفض النمو العالمي في هذه السنة من 4.5 في المائة الحالية إلى 4.2-4.3 في المائة.
وعلى المدى القريب، من المحتمل أن تقوم الحكومات بتشديد الإجراءات التي تقيد السفر الدولي، مما قد يساعد في خفض أسعار النفط، ومن شأن ذلك أن يدعم وجهة النظر القائلة بأن تضخم مؤشر أسعار المستهلك العالمي سيتراجع بشكل حاد على مدار عام 2022 . لكن القيود الأكبر، لا سيما في الصين واقتصادات آسيا والمحيط الهادئ الأخرى التي من المرجح أن تستمر في اتباع سياسات صفر كوفيد-19، قد تضيف إلى ضغوط سلسلة التوريد على المدى القصير وتبطئ السرعة التي يتم بها إزالة الاختناقات. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تؤدي القيود الأكثر صرامة إلى انتقال تدريجي أكثر للإنفاق من السلع والعودة إلى الخدمات. ومن المحتمل أن يؤدي هذان العاملان إلى بقاء تضخم أسعار السلع في عام 2022 أعلى مما هو متصور، حيث سيعتمد التأثير على التضخم الأساسي أيضاً على مدى تأثير موجة” أوميكرون” على الطلب. و في حين أن تأثيرات الطلب فاقت الآثار الجانبية للعرض أثناء الإغلاق العالمي، فقد هيمنت تأثيرات العرض عادةً على تأثيرات الطلب في عمليات الإغلاق اللاحقة.
ومن المرجح أن يكون التأثير على التضخم بعد عام 2022 محكوماً بعاملين: الأول هو إلى أي مدى يعزز” أوميكرون” أو يقلل من قوة المساومة العمالية، خاصةً أنه في الوقت الحالي، نرى أن مخاطر استمرار نمو الأجور المرتفعة محدودة. والثاني هو مدى تدخل صانعي السياسات لحماية الطلب، لأن متغير “أوميكرون” سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد، ومن المحتمل أن تركز الحكومات والبنوك المركزية استجابتها على تأثيرات الطلب بدلاً من تأثير التضخم الأكثر غموضاً.