كيف أسقط التحرير الثاني المخطط الأميركي لتفتيت المنطقة؟
موقع العهد الإخباري-
شارل ابي نادر:
ربما يرى بعض المتابعين أن المعركة التي خسرتها المجموعات الإرهابية بين جرود لبنان الشرقية والشمالية الشرقية وبين مناطق غرب القلمون السوري وامتدادًا حتى الحدود مع لبنان هي معركة عادية، لا تختلف عن أغلب المعارك التي خسرتها وتخسرها المجموعات الإرهابية في المنطقة بين لبنان وسوريا والعراق وايران وافغانستان، أو في دول شمال افريقيا أو جنوبها الشرقي (الصومال والقرن الافريقي) أو في دول الساحل الغربي، وأنه أمرٌ طبيعي ومفترض وغير مستبعد أن تخسر مجموعات إرهابية مشتتة غير موحدة وغير منظمة، بمواجهة جيوش وأحزاب منظمة ومجهزة تقاتل على أرضها وفي بيئتها وبين ناسها.
لكن من جهة أخرى، يرى الآخرون أن هذه المعركة التي كان عنوانها “التحرير الثاني” ستبقى للتاريخ مميزة في وقائعها، في مساراتها، في نتائجها وفي تأثيراتها، والتي قضت على مخطط دولي خطير ضد المنطقة، وضعه الغرب بقيادة واشنطن وما زال قائمًا ونشطًا حتى اليوم، يحاول الأميركيون جاهدين إنجاحه وتحقيقه.
فماذا حقق التحالف الثلاثي الذي فرض نفسه ضمنيًا دون أن يُعلن عنه بين حزب الله والجيشين اللبناني والعربي السوري؟ وما هو المخطط الأميركي الاستثنائي الذي استهدفه هذا التحالف اللبناني السوري وانتصر عليه؟
بداية، أضاء الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بالأمس بمناسبة الذكرى السادسة لإنجاز التحرير الثاني على أهمية هذا الإنجاز من مختلف الجوانب الوطنية والقومية والعسكرية والاستراتيجية، وتحديدًا على مسرح وميدان العمليات العسكرية التي خيضت وشكلت انجاز التحرير الثاني، وذلك بقوله من ضمن كلمته إن “الجماعات المسلّحة في تلك الفترة اعتمدت الأراضي اللبنانية قاعدة لإرسال السيارات المفخخة، وللتوسع في البقاع والوصول إلى بيروت والمزيد من العدوان باتجاه سوريا، في الوقت الذي كان فيه لبنان جزءًا من خريطة دولة الخلافة “الداعشية”، وكان حضور “داعش” في البقاع قاعدة انطلاق للامتداد الواسع”.
هذا الامتداد الواسع الذي أضاء عليه سماحته، يمكن إظهاره بوضوح من خلال الإشارة إلى مجموعة كبيرة من المعارك خيضت على مدى ست سنوات، وعلى امتداد جغرافيا حساسة وصعبة ومعقدة، كانت مسرحًا مفتوحًا لأصعب أنواع المعارك المختلفة ضد الإرهاب، فامتد مسرحها على خط (جغرافي – ميداني) متداخل بين الجرود والحدود اللبنانية الشرقية مع سوريا وبين القلمون السوري وامتدادًا إلى مداخل البادية السورية، وشهد هذا الخط أعنف المواجهات الشرسة، من القتال المتقارب إلى قتال الجبهات المتباعدة إلى قتال الآليات والمدفعية والصواريخ، وعلى مدى واسع من جولات الدفاع والهجوم والكر والفر.
هذه الجغرافيا التي خيضت فيها هذه المواجهات الاستثنائية، شكلت بالنسبة للإرهابيين ولرعاتهم هدفًا استراتيجيًا، يقوم على محاولة ربط الساحل اللبناني شمالًا بالداخل اللبناني شرقًا وشمالًا مع الداخل السوري عبر القلمون وامتدادًا حتى البادية باتجاه العراق.
هذا الخط الجغرافي الذي استهدفه الأميركيون وعملوا للسيطرة عليه من خلال المجموعات الإرهابية، هو نفسه خط الترابط الحيوي، أو تحديدًا القسم الأكثر أهمية من الخط الأبعد الذي جمع وأكمل ترابط قدرات محور المقاومة بين ايران والعراق وسوريا ولبنان، وهنا ظهر الهدف الاستراتيجي الأميركي من اختيار هذا الميدان الجغرافي الحيوي والتركيز عليه واعطائه كل أنواع الدعم والمساندة والقدرات.
وعلى هذا الخط وفي القاعدة الغربية منه، والتي تتركز بين شرق لبنان وغرب القلمون السوري، كانت نقطة ارتكاز حرب التحرير الثاني، وتحقق الإنجاز الاستثنائي الذي اكتمل بالانتصار على الإرهاب فيها، وانطلاقًا منه كانت الضربة القاضية لهذا المخطط الأميركي الذي قام بأساسه بهدف السيطرة على هذا الخط والتوسع قدر الإمكان شمالًا وجنوبًا منه، والسيطرة على منطقة داخلية واسعة، وضرب وقطع محور المقاومة من خلالها، بعد أن تتمركز فيها المجموعات الإرهابية من مختلف التسميات والاتجاهات، مستغلة صعوبته الجغرافية، ومستفيدة من دعم غربي أميركي واسع، نشاهد بعض نماذجه الناشطة اليوم في البادية السورية، حيث تشكل قاعدة الاحتلال الأميركي في التنف نقطة الدعم والإدارة والحماية الرئيسية لها.
اليوم، وبعد أن أفشل محور المقاومة هذا المخطط الأميركي من خلال انجاز التحرير الثاني، ولأهمية تثبيت سيطرتها على هذا الخط ومحيطه كونه أساسيًّا في مخططها الذي لم تنزعه من رأسها كما يبدو، ما زالت واشنطن تحاول العمل جاهدة لتحقيق أهدافها الأساسية في هذه المنطقة، من خلال إبقاء وحداتها في بعض مناطق غرب العراق وشرق سوريا، كقاعدة دعم ورعاية وإدارة لما تبقى من المجموعات الإرهابية، علها تقنص أي فرصة ممكن أن تعيدها إلى دائرة التأثير كما خططت، الأمر الذي يفرض على محور المقاومة الكثير من التحديات ومن العمل والجهد الواسع لمواجهتها.