كيري والكيان والعرب
صحيفة الخليج الإماراتية ـ
أمجد عرار:
بنيامين نتنياهو يتحدّث، وعندما يتحدّث على كل العالم، وليس فقط المفاوض الفلسطيني الضعيف، أن يصغي جيداً بلا نقاش ويبصم بالعشرين، أي أصابع القدمين واليدين .
نتنياهو يقول إن حكومته تريد التوصل لاتفاق مع الجانب الفلسطيني، لكنه يعطي هذه “الإرادة” مضموناً صهيونياً متوارثاً مفاده أن اليهود ليسوا غرباء عن “بيت إيل” والخليل، علماً بأن بيت إيل” تجلس في حضن رام الله والبيرة، ولم يذكر القدس باعتبار أنها تحصيل حاصل وغير مطروحة للكلام حولها بأي معنى واتجاه . أي أن ما تريده حكومة هذا الكيان الغاصب ليس اتفاقاً على حل يعيد للفلسطينيين بعضاً من حقوقهم المغتصبة بموافقة مجتمع دولي كذّاب، إنما المراد موافقة الفلسطينيين على مخطط يؤبّد الاحتلال فوق أرضهم وصدورهم .
مثل هذا الكلام وغيره الكثير ورد على لسان نتنياهو وأفيغدور ليبرمان وبقية الجوقة، والصحافة والقنوات التلفزيونية والمحلّلين، بالتزامن مع وجود وزير الخارجية المشترك جون كيري الذي قدّم رؤية تتفق بنسبة تسعة وتسعين في المئة مع مواقف “إسرائيل” . رغم ذلك لم يشعر نتنياهو بالحرج من أن يقول بصوت عال “لا” في وجه كيري وخطته التي “تجرأت” على اقتراح وضع تقنيات رادارية مع وجود أمريكي في الأغوار لتبديد مزاعم “إسرائيل” الأمنية .
الرد جاء حاسماً وقاطعاً من نتنياهو و”ربعه” أن جيشهم هو وحده من يضمن الأمن وليس أي طرف أو شيء آخر . ليبرمان أكمل ما نقص من مواقف رئيسه، وعرّج على موضوع حق العودة باعتباره أمراً مشطوباً من حسابات الصهاينة في المفاوضات، وفيما تسمى حلولاً سياسية . هذا معناه أن الحل المخطط له يضمن بقاء جيش الاحتلال ومستوطناته وأجهزته الأمنية في كل الضفة الفلسطينية، لكنه يضمن للفلسطينيين استقلالهم على الأقل ظاهرياً في غرف نومهم وحمّاماتهم، أما في السر فزرع العملاء لم يعف حتى هذه الأماكن، في حين أن شرفات المنازل غير آمنة إذا علمنا عدد الشهداء الفلسطينيين الذين وصلهم رصاص الاحتلال فيها، وكم من شهيدة قضت وهي تنشر الغسيل على سطح منزلها .
بالنسبة ل “إسرائيل” يعني رفض أي مسؤول فلسطيني لهذه التصفية المسماة تسوية، رفضاً لبقاء اليهود في أي مكان، وربما في جربا التونسية . لا غرابة إذاً أن تشن جوقة نتنياهو ووسائل إعلامها حملة ابتزازية شرسة على القيادة الفلسطينية المتنفّذة وفريقها المفاوض، ومن المؤكد أن هذه الحملة ستتصاعد وصولاً لوصف هذه القيادة بالإرهاب والانقلاب على الوهم المسمى “اتفاق أوسلو”، وأن يصبح السيد محمود عباس “غير ذي صلة”، ويحاصره “الإسرائيليون” ويستجيب العالم المنافق ويقاطعه في “المقاطعة”، وصولاً إلى نهاية شبيهة بنهاية الراحل ياسر عرفات، إذا لم يستجب لإملاءات نتنياهو-كيري .
ماذا يعني هذا الصلف الصهيوني؟ . في الخلفية يظهر دافعان، الأول أن تجربة “إسرائيل” مع الجانب العربي برهنت لها أن العرب يتنازلون كلّما تعنّتت “إسرائيل” التي حققت موافقتهم على اغتصاب خمسة وسبعين في المئة من فلسطين، من دون مفاوضات وبلا أي ثمن . الدافع الثاني ستكون غبية لو لم تأخذه بالاعتبار، حيث إنها تنظر لعرب مقتتلين يعملون سكاكينهم في رقاب بعضهم بعضاً، ويستحضرون من أعماق التاريخ كل سموم الفتنة ويتجرّعونها، فهل تجد نفسها مضطرة لتقديم شيء لأناس يستكملون معارك ما قبل ألف وثلاثمئة عام؟