كوشنير لـ«البيان»: أزمة المهاجرين تثبت هشاشة أوروبا
[ad_1]
أكد وزير الخارجية الفرنسي الأسبق برنار كوشنير (2007 ــ2011)، ومؤسس منظمة أطباء بلا حدود ورئيسها السابق في حوار خص به «البيان» أن ما يحدث في التعاطي مع قضية اللاجئين السوريين في أوروبا عار كبير، مشيراً إلى أن أزمة المهاجرين أثبتت هشاشة الاتحاد الأوروبي، معتبراً أن الاتحاد يعيش أزمة خانقة بين أعضائه بالنظر لتغليب المصلحة الذاتية بين الدول على المصلحة العامة.
فيما دعا إلى محاربة التطرف عبر الفكر وعدم وضع اللاجئين والإرهابيين في خانة واحدة، حيث أكد أن المسؤولين عن هجمات باريس ليسوا سوريين بل فرنسيون نشأوا في بيئة فرنسية ترفض الاندماج ما جعلهم يتوجهون إلى التطرف.
ما هو تعليقكم على تعامل أوروبا مع أزمة اللاجئين؟
أزمة اللاجئين وما تحمله للدول الأوروبية قضية متجددة النقاش بين أصحاب القرار، فمنهم من يشجع استقبالهم وتوفير احتياجاتهم، ومنهم من يرى في وجودهم إنذاراً بتفكك دول أوروبا.
إن أوروبا كلها تتحمل الذنب في ترك مئات من المهاجرين يلقون حتفهم في البحر المتوسط، هؤلاء القادمون إلى أوروبا هم لاجئون هاربون من الحرب وليسوا مهاجرين غير شرعيين، فمنهم من بنى سياجاً ومنهم من استثمر في الوضع للحصول على امتيازات.
ومنهم من يناور، أوروبا في هذه المسألة أوروبا مُذنِبة؛ لتقاعسها عن مساعدة شخص في حالة خطر، فهذا عار عليهم، لقد عملوا كل شيء في سبيل تحقيق مصالحهم واستعملوا قضية المهاجرين ورقة فقط والنتيجة استمرار محنة اللاجئين دون ادنى حل بل بالعكس زادوا الضغط عليهم خلال اجتماع بروكسل الأخير للقادة الأوروبيين بعقد صفقة مع تركيا لمنعهم من الوصول الى اوروبا.
التهلكة
إن قادة أوروبا حكموا على ملايين اللاجئين بالبقاء اسرى لحياة لا تطاق وألقوا بالآلاف منهم الى التهلكة جراء تقاعسهم عن توفير الحماية الانسانية الضرورية لهم. فقد جاءت استجابة المجتمع الدولي لهذه التحديات في شكل تقاعس مخزٍ مع الأسف، فنحن بحاجة الى اعادة رسم سياسات وممارسات من اجل التوصل الى استراتيجية عالمية متماسكة وشاملة.
لكن أوروبا حريصة على حماية حدودها من اللاجئين؟
إن بعض الدول في العالم تبدي تخوفات لا صحة لها وتخشى من غير مبرر، استقبال اللاجئين، وهو الأمر الذي أدى إلى تراجع أهمية القضايا الإنسانية، الجهود المبذولة غير كافية لمعالجة مثل هذه المشكلات الإنسانية الكبرى، وخصوصاً مع إعطاء الموضوع بعداً سياسياً.
يتعامل المجتمع الدولي مع ازمة اللجوء العالمية بطريقة مجزأة عبر سد الثغرات هنا وهناك، ونأمل باستجابة اكثر تنسيقاً، لا ينبغي ترك اي بلد يتعامل وحده مع هذه الحالة الانسانية الطارئة الضخمة دون تلقيه مساعدة من باقي البلدان لا لشيء سوى لأن قدره قد حكم عليه ان يجاور بلداً يشهد نزاعاً.
هناك قلق أوروبي من استغلال «داعش» أزمة اللاجئين لإنشاء خلايا نائمة؟
يوفر القانون الدولي الحماية للاجئين، وذلك بحسب اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئ، ومن أهم المبادئ الأساسية المنصوص عليها في القانون الدولي هو وجوب عدم طرد اللاجئ أو إعادته إلى أوضاع تهدد حياته وحريته.
فالقلق الأوروبي من تمدد تنظيم داعش الى اوروبا عبر بوابة المهاجرين، تبرير في نظري غير مقنع، فالإرهابيون موجودون أصلاً في اوروبا ويقومون بعمليات ارهابية ولا مجال لاستغلالهم اللاجئين الذين هم بالأحرى ضحية هذا التنظيم، حيث فروا من بلدانهم خوفاً من بطش هذا التنظيم الإرهابي.
تفكك أوروبي
أزمة اللاجئين كشفت للعيان ان اوروبا مفككة وتتزامن القضية أيضاً مع مشاكل تمر بها دول أوروبية من بينها أزمة الديون اليونانية وأيضاً بقاء منطقة اليورو، وإصلاح الاتحاد الأوروبي فهناك انقسام كبير بين الشرق والغرب، حيث تتقاسم أزمة منطقة اليورو وأزمة اللاجئين في سمات مشتركة مستعصية على الحل، وكل منهما تنطوي على خلافات حول تقاسم التكاليف.
وتزداد تعقيداً بفعل تصادم القيم، الاتحاد الأوروبي يواجه خطر التعرض لتمزقات، تفكك بين الشمال والجنوب ما يسمى نظام شينغن للتنقل الخالي من جوازات السفر، الذي يشارك فيه 26 بلداً أوروبياً، يمكن أن يتوقف إلى أجل غير مسمى بسبب ازمة اللاجئين إذ يركز زعماء الاتحاد الأوروبي بشكل ضيق على الحد من التكاليف المالية والسياسية قصيرة الأمد، بدلاً من التفكير استراتيجياً بالعواقب الأوسع نطاقاً والأطول أمداً.
ماذا عن امتداد التطرف إلى أورويا؟
لا يمكن إغفال قضية مهمة جداً أن أغلبية المتطرفين في اوروبا لم يأتوا من الخارج بل عاشوا في اوروبا، منفذو هجمات باريس ليسوا سوريين من تنظيم داعش بل هم فرنسيون نشأوا في فرنسا وتعلموا فيها، يعني بالأساس انهم تعلموا التطرف في فرنسا وليس في بلد اخر، وبالتالي فإن هناك ثغرة يجب التصدي لها وهي أن اساليب التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في امتداد التشدد في بلدان العالم.
كيف يمكن محاربة ظاهرة انتشار التطرف والفكر المتطرف؟
العنف والتطرف استشريا في العديد من الدول والمجتمعات ومنها المجتمع الفرنسي ويمسان الفئات الشابة، ولا يمكن الإجابة على هذا السؤال دون التوقف عند الاسباب، التي تدفع جيل الشباب نحو الفكر المتطرف، ويجدون فيه ملاذاً آمناً من كل الظواهر الصعبة التي يمرون بها.
الفقر
حين يتسارع خط الفقر المدقع في البلاد بفعل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وحين لا يجد الشاب الذي يصل الى مقتبل العمر، طريقاً واضحاً نحو حلول متوقعة لنمط حياته سواء في العيش الآمن أو تكوين الأسرة التي يحلم بها أو بالوظيفة التي تقوده حتما الى مناخات صحية، تجده يدخل في باب المتعطلين عن العمل وفي أبواب الفراغ والتشرد دون أي حلول اجتماعية.
يجب الاعتراف أولا أن سكان ضواحي باريس يعانون أوضاعاً اجتماعية صعبة. يعيش هناك أغلبية من المسلمين والمهاجرين ولهم أحوال اقتصادية مزرية، البطالة منتشرة بكثافة والشباب ليس لهم آفاق كبيرة، وهذا هو المناخ المثالي لنمو الإرهاب وتزايد التطرف، بالإضافة إلى أن انتقادات الأحزاب للإسلام غذت بشكل جزئي تطرف الشباب. هذا ما أدى إلى تنامي شعور العزلة والاضطهاد لدى مسلمي فرنسا.
فتح آفاق المستقبل
أمام كل هذه المناخات الجاذبة للفكر المتطرف، علينا التفكير جدياً ببرامج ووسائل قادرة على استقطاب هذه الفئات من الشباب في أطر فعالة قادرة على توفير ظروف العمل وفتح آفاق المستقبل الواعد لهم من خلال برامج مكثفة، تقدم الحلول المهنية والفكرية والتسهيلات المالية القادرة على توليد مصادر مدرة للدخل، وعلينا أن نستنهض كل الطاقات الفكرية وفق برامج مدروسة لمحاربة الفكر المتطرف على قاعدة فكرية برامجية وخطوات مدروسة بعيداً عن التردد.
إشادة بميركل
أشاد برنار كوشنير بالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، حيث قال إنها فتحت ذراعيها للمهاجرين وكانت أكثر إنسانية في التعامل معهم، حيث فتحت حدود بلادها بلا قيود، بما في ذلك تعليق «إجراء دبلن» الذي كانت فيه ألمانيا ترسل اللاجئين اليها إلى البلد الأوروبي الذي وصلوا منه، وهو ما يسمح لآلاف السوريين الذين دخلوا ألمانيا بطلب اللجوء إليها.
وحض كوشنير أوروبا على بذل المزيد من الجهد للتغلب على أزمة اللاجئين وقال: «إن أوروبا هي القارة التي يمكن أن يبذل فيها المزيد من الجهد وإن هذا البذل لا يقتصر على مجرد توفير المزيد من المال.. الأمر هنا يتعلق بأكثر من ذلك، الأمر يتعلق بالإنسانية واحترام حقوق الإنسان».