كوارث المناخ: المخاطر القادمة
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج:
عادت قضية الأخطار المناخية إلى الواجهة مجددًا، بعدما كشفت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في تقريرها الأخير (السادس) الصادر في 4 نيسان الحالي، عن عدم وفاء الدول والحكومات (لا سيما تلك الصناعية الغنية) والشركات، بالحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري التي كانت تعهّدت بها خلال قمم المناخ السابقة وآخرها في غلاسكو في تشرين الثاني 2021، بعدما تحولت هذه الاجتماعات الدولية، الى ما يشبه الكرنفالات الاستعراضية، دون أن تجد البشرية تنفيذًا وتقيُّدًا جديًا بكل ما يصدر عنها من اتفاقات تبقى حبرًا على ورق.
التقرير الذي تضمن تقييمًا وتحذيرًا شديدين من المستقبل القاتم والمخيف للطبيعة – بسبب النشاطات البشرية المعادية لها ــ دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الى اتهام “الحكومات والشركات، بتأجيج الاحتباس الحراري من خلال التشبث بالوقود الأحفوري الضار”. وإذ دق غوتيريش ناقوس الخطر قائلًا “إننا على طريق الاحترار العالمي بأكثر من ضعف الحد الأقصى البالغ 1.5 درجة المتفق عليه في باريس”، لفت الى أن “بعض قادة الحكومة ورجال الأعمال يقولون شيئا لكنهم يفعلون شيئا آخر”. وأضاف “ببساطة، إنهم يكذبون وستكون النتائج كارثية”.
من هي الهيئة الحكومية الدولية للمناخ؟
تعرف “الهيئة الحكومية الدولية” المعنية بتغير المناخ، بأنها هيئة تابعة للأمم المتحدة، تقوم بتقييم العلوم المتعلقة بتغير المناخ بشكل دوري. تم إنشاء الهيئة في عام 1988 من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP). ويتمثل نشاطها الرئيسي في إعداد تقارير التقييم، والتقارير الخاصة، والتقارير المنهجية التي تقدر حالة المعرفة بتغير المناخ.
لا تشارك “الهيئة” في البحث العلمي، وبدلًا من ذلك، تطلب من العلماء من جميع أنحاء العالم، الاطلاع على كافة المؤلفات العلمية ذات الصلة المتعلقة بتغير المناخ ووضع استنتاجات منطقية بهذا الصدد.
ماذا عن تقارير الهيئة؟
تعد تقارير التقييم الصادرة عن الهيئة، والتي يتم إنجازها كل بضع سنوات، أكثر التقييمات العلمية شمولًا وقبولًا على نطاق واسع لحالة مناخ الأرض. وهي تشكل الأساس للسياسات الحكومية الرامية إلى التصدي لتغير المناخ، كما توفر الأرضية العلمية للمفاوضات الدولية بشأن تغير المناخ.
حتى الآن، نشرت الهيئة ستة تقارير تقييمية. يأتي التقرير السادس والأخير (AR6) في ثلاثة أجزاء – الأول نشر في اب 2021، والثاني في شباط 2022، فيما الثالث صدر في 4 نيسان الحالي.
يتم وضع تقارير الهيئة من قبل ثلاث مجموعات عمل من العلماء. يتعامل الفريق الأول، الذي صدر تقريره في 4 نيسان الجاري، مع الأساس العلمي لتغير المناخ. بينما ينظر الفريق الثاني، في الآثار المحتملة ونقاط الضعف وقضايا التكيف، في حين يتعامل الفريق الثالث، مع الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمكافحة تغير المناخ. المثير في الأمر، أنه ساهم أكثر من 750 عالمًا في تقرير الفريق الأول، حيث قاموا بمراجعة أكثر من 14000 منشور علمي.
ما هو مضمون هذه الأجزاء الثلاثة؟
أشار الجزء الأول من التقرير، إلى أنه ستكون هناك موجات حر أكثر كثافة وتكرارًا، وزيادة حوادث هطول الأمطار الشديدة، وارتفاع خطير في مستويات سطح البحر، فضلًا عن حدوث موجات جفاف لفترات طويلة، وذوبان الأنهار الجليدية. وأورد أن الاحترار بمقدار 1.5 درجة مئوية كان أقرب بكثير مما كان يعتقد سابقا، ولا مفر منه أيضا.
فيما حذر الجزء الثاني من احتمال حدوث كوارث متعددة ناجمة عن تغير المناخ في العقدين المقبلين، حتى لو تم اتخاذ إجراءات قوية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وأنذر الجزء الثالث، أنه من دون خفض “سريع وجذري” لانبعاثات الغازات الدفيئة، المسؤولة الرئيسية عن التغير المناخي في كل القطاعات، سيكون من المستحيل حصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، ولا حتى بدرجتين مئويتين.
الأكثر أهمية أن التقرير الكامل المؤلف من آلاف الصفحات المختصرة في ملخص، لا يلقي باللوم على البلدان الفقيرة، إذ تظهر الأرقام أن الكثير من ثاني أكسيد الكربون الموجود بالفعل في الغلاف الجوي، قد تم إطلاقه من قبل الدول الغنية التي كانت أول من أحرق الفحم والنفط والغاز عندما بدأت الثورة الصناعية بالفعل في 1850.
ما هو مضمون التقارير السابقة للهيئة؟
كان تقرير التقييم الأول للهيئة الذي صدر في العام (1990) قد أوضح أن الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة البشرية تؤدي إلى زيادة كبيرة في تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. وذكر أن درجات الحرارة العالمية، ارتفعت من 0.3 إلى 0.6 درجة مئوية، خلال المائة عام الماضية. ورجح التقرير حينها، أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، مقارنة بمستويات ما قبل العصر الصناعي بحلول عام 2025، و4 درجات مئوية بحلول عام 2100. كما كان قدّر أن ترتفع مستويات سطح البحر بمقدار 65 سم بحلول عام 2100.
شكل هذا التقرير الأساس للمفاوضات حول اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) في عام 1992، المعروفة باسم قمة ريو.
أما التقرير التقييمي الثاني فقد صدر في العام (1995) حيث كان رجح الارتفاع المتوقع في درجات الحرارة العالمية إلى 3 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي بحلول عام 2100، وارتفاع مستوى سطح البحر إلى 50 سم، في ضوء المزيد من الأدلة. وأضاف أن الارتفاع العالمي في درجات الحرارة بمقدار 0.3 إلى 0.6 درجة مئوية منذ أواخر القرن التاسع عشر “من غير المرجح أن يكون طبيعيًا بالكامل في الأصل”. كان هذا التقرير بمثابة الركيزة العلمية لبروتوكول كيوتو لعام 1997.
أما التقرير التقييمي الثالث فقد نشر في العام (2001)، وقد راجع واضعوه الارتفاع المتوقع في درجات الحرارة العالمية من 1.4 إلى 5.8 درجة مئوية بحلول عام 2100 مقارنة بعام 1990. وقال التقرير إن المعدل المتوقع للاحترار كان غير مسبوق في السنوات العشرة آلاف الماضية. كما تنبأ التقرير بزيادة هطول الأمطار في المتوسط ، وبحلول عام 2100، ورأى أنه من المرجح أن ترتفع مستويات سطح البحر بمقدار 80 سم عن مستويات عام 1990.
وأكد أن الأنهار الجليدية ستتراجع خلال القرن الحادي والعشرين، وستزداد وتيرة الأحداث المناخية المتطرفة وشدتها ومدتها. كذلك قدم التقرير أدلة جديدة وأقوى لإثبات أن ظاهرة الاحتباس الحراري تُعزى في الغالب إلى الأنشطة البشرية.
وعلى المنوال ذاته، ذكر تقرير التقييم الرابع (2007) أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري زادت بنسبة 70 في المائة، بين عامي 1970 و2004. ورأى التقرير أنه في أسوأ السيناريوهات، يمكن أن ترتفع درجات الحرارة العالمية 4.5 درجة مئوية بحلول عام 2100 عن مستويات ما قبل الصناعة، ويمكن أن ترتفع مستويات سطح البحر 60 سم عن مستويات عام 1990.
حصل التقرير على جائزة نوبل للسلام لعام 2007 عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وكان هذا هو المدخل العلمي لاجتماع كوبنهاغن للمناخ لعام 2009.
وبالمثل تحدث تقرير التقييم الخامس (2014)، عن أن أكثر من نصف ارتفاع درجة الحرارة منذ عام 1950 يُعزى إلى الأنشطة البشرية، وأن تركيزات ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز في الغلاف الجوي كانت “غير مسبوقة” في 800 الف عام الماضية.
وقدّر التقرير أنه يمكن أن يصل الارتفاع في درجات الحرارة العالمية بحلول عام 2100، إلى 4.8 درجة مئوية مقارنة مع زمن ما قبل الصناعة، وشدد على أن موجات الحرارة الأكثر تواتراً والأطول “مؤكدة عملياً”.
ما ينبغي معرفته، ان التقرير الخامس، مهّد الارضية العلمية لمفاوضات اتفاقية باريس في عام 2015.
وبناء على ما تقدم، وأمام هذه المخاطر التي تحيط بكوكبنا، على الدول التحرك السريع، لإيقاف الانحدار السريع نحو الهاوية. وعليه فإن أول الحلول كما يوصي علماء المناخ، هو التخلي السريع عن الوقود الأحفوري، والتحوّل نحو الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، وكهربة النقل، والاستخدام الأكثر كفاءة للموارد، والدعم المالي الهائل للبلدان الفقيرة غير القادرة على دفع تكاليف مثل هذه التدابير دون مساعدة. أما البديل فهو الكوارث الطبيعية التي بتنا نشهدها في الآونة الأخيرة في أكثر من منطقة من العالم.