كم من جرائم ترتكب باسم الإسلام
صحيفة الخليج الإماراتية ـ
علي محمد فخرو:
إبَّان الثورة الفرنسية انتشرت أصداء مقولة “أيتها الحرية، أيتها الحرية، كم من الجرائم ترتكب باسمك” . اليوم، في بلاد العرب والمسلمين، نحتاج إلى صرخة مماثلة “أيها الإسلام، أيها الإسلام كم من الجرائم ترتكب باسمك” .
ماعاد يحقُ لأمَّتي العروبة والإسلام غضُّ الطرف عن الجرائم، وليس الأخطاء والحماقات والبلادات فقط كما يحلو للبعض أن يصنّفها، التي تجتاح الكرة الأرضية تقريباً يومياً باسم الإسلام، تحت راية تدَّعي زوراً بأنها راية الجهادية الإسلامية . إنها جرائم مجنونة عبثية، فيها الغدر واللؤم، ومن المؤكد ترتكب تحت وقع رقصات الشيطان، عدو الله وعدوِّ الإنسانية . إنها أحداث مرعبة تجرُّ في أذيالها تشويهاً لسمعة الإسلام والمسلمين ومكانتهما، وتزويراً فاضحاً لمعاني ومقاصد كلمات قرآنية، من مثل كلمة الجهاد، تستلُّ من بين الآيات القرآنية الكريمة بتعسف لتستعمل في صراعات السياسة .
فهل من المقبول بأي مقياس، وعلى الأخص بمقاييس دين الإسلام الذي ساوى بين قتل نفس واحدة من دون حق وقتل الناس جميعاً، أن يفجر إنسان نفسه أو يفجر سيارة مفخَّخة، باسم دين الحق والقسط والميزان، في مسجد يركع فيه المصلون، أو كنيسة يقوم فيها من آخاهم الإسلام كأهل كتاب، أو في مدرسة ينتظم فيها أطفال أبرياء، أو في صف يقف فيه أناس يطلبون الرِّزق لإعالة أولادهم وأزواجهم، أو في حشد رياضي لا دخل لمريديه بصراعات السياسة والسياسيين؟ القائمة تطول عن موبقات إزهاق أرواح بريئة غافلة عن مخطَّطات شيطانية تدور في عقول مريضة، وينتهي إزهاقها إلى ملء كون الله بالدموع والحسرات والتيتُّم والترمل وتدمير مشاعر القيم والأخلاق في نفوس البشر .
لا، لايمكن السكوت عن هذا الاستعمال الظالم الجاهل لدين ربِّ السماوات والأرض، ربِّ الرحمة والمحبّة والعدل والغفران . إنه سكوت عن من يقولون على الله الكذب، سواء بقصد أو من دون قصد، فيدفعون بشباب العرب والمسلمين ليخالفوا مقاصد دينهم الكبرى، ليمارسوا انتحاراً همجياً لا يقره الله ولا يمكن أن تقبله أية شريعة سماوية وأرضية، ليهيِّئوا العالم لا حتقار المسلمين ونبذهم، ليشجعوا ارتفاع الضجيج المستهزئ بقرآن المسلمين ونبيهم وتاريخهم، بل أكثر من ذلك، لتهميش العرب والمسلمين على قارعة طريق الحضارة الإنسانية .
ليس هذا مقالاً لتفصيل مايمكن فعله . إنه إدانة لطريقة تعامل الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني، وبالأخص الأحزاب الإسلامية السياسية، وعلماء الدين ومؤسسات القمم العربية والإسلامية، إدانة لطرق تعامل الكل مع كل مايجري باسم الإسلام . ولقد شدًّدنا على موضوع “الجهاد” الانتحاري لأنه الأكثر مأساة ووجعاً لنا، نحن العرب والمسلمين . لكن البلاء لم يقتصر على ذلك، بل طال الحياة المجتمعية في بلاد العرب والمسلمين إلى حدود الفتن المذهبية الطائفية وتشكيك الناس في روعة دينهم الإسلامي وطهارته، وترك البعض لهذا الدين المبهر انزعاجاً من بعض ما يرتكب باسمه ظلماً وعدواناً .
ماعادت القضية قضية صغيرة أو فرعية، لقد أصبحت قضية القضايا . ماعاد هناك حاجة لطرح أسئلة لماذا وكيف وإلى أين، فعندما تشتعل النار، وهي مشتعلة في كثير من بلدان العرب والمسلمين وغير المسلمين، فإن الواجب ليس طرح الأسئلة وإنما العمل السريع لإطفائها .
ماعاد من حق بضعة ألوف من شباب الاسلام التائهين المغرًّر بهم وبعقولهم وببراءة ونقاء نيًّاتهم أن يخسفوا الأرض من تحت أقدام مليار ونصف المليار من المسلمين الذين يتساءلون يومياً، وهم يسمعون أخبار الفظائع التي ترتكب، عن النًّبأ العظيم الذي ستأتي به الأيام المقبلة، إذا استمرًّ الوضع الذي نحن فيه، والذي هم فيه مع الأسف يختلفون .
نحن نعلم أن بعض علماء الفقه الجامد المتزمِّت المتخلف متورطون في هذه المسرحية السوداء، لكننا نعوِّل على أخيار علماء الدين الإسلامي وعقلائهم أن يكونوا تياراً واحداً، بصوت واحد، بمقارعة يومية في المساجد وفوق كل منابر الإعلام، لمحاربة هذا الوباء “الجهادي” الذي يحصد أرواح الأبرياء المسالمين في حين يغضُّ الطرف في كثير من الأحيان عن مواجهة الأعداء الحقيقيين . من هنا تنعم الجبهة المقارعة للعدو الصهيوني وللإمبريالية بسلام الاطمئنان والصًّبر، بينما تحترق مجتمعات كثيرة، وعلى الأخص العراقية والسورية والأفغانية واليمنية والسودانية والباكستانية منها .
علماء الدين الإسلامي، الذين لا يملُّ بعضهم الحديث عن توافه وقشور وهوامش الحياة، مطالبون بأن يقودوا حراكاً شاملاً، دعوياً وثقافياً وسياسياً وتجييشاً جماهيرياً، ولا نقول أمنياً باطشاً عشوائياً، لنصرة دين الإسلام الذي يواجه الآن محنة تاريخية تحمل أخطاراً هائلة . لكأنه لايكفي هذا الدين الموحًّد حرفه نحو الفتنة الحقيرة، فتنة التضادّ العبثي السني _ الشيعي، ليضاف إلى محنه وإحنه تدمير مجتمعات أتباعه ومواجهة العالم كله بصورة تراجيدية عبثية .
لنذكر الجميع بعذاب يوم ليس ببعيد، يوم ينظرون ماقدًّمت أيديهم منذ كوارث أفغانستان “ الجهادية” وإلى أمد يجب ألا يطول .