كمن يبني بحجارة قديمة
صحيفة البعث السورية-
علي اليوسف:
لا شك أن المشهد الدولي المأزوم الذي تحكمه العداوات والاصطفافات بدأ بالظهور علانية مع بدء العملية الخاصة في أوكرانيا. وعلى الرغم من العداء الظاهر لمن تعتبره الولايات المتحدة في صف الأعداء كـ روسيا والصين وإيران، إلا أن هناك مجموعة أخرى من الدول لم تظهر لها العداوة صراحة، كدول “البريكس” وغيرها من المنظمات والمجموعات الدولية.
صحيح أن العداء في ظاهره سياسي، إلا أن المقصود في جوهره اقتصادي بامتياز. وعلى الرغم من الهدوء المدروس الذي يتسم به الخطاب الأمريكي، إلا أن وتيرته قد ارتفعت عندما تمّ الحديث عن عجز الاقتصاد الأميركي بما يزيد عن 800 مليار دولار أميركي، وإقفال أكثر من 60,000 مصنع، وغياب مئات الآلاف من فرص العمل في الولايات المتحدة. ولعلّ الإشارة إلى دور الصين تحديداً في هذا العجز بسبب دخولها في منظمة التجارة العالمية، ولا يخفى أن الولايات المتحدة تعاني من مشكلات اقتصادية ومالية كبيرة وكثيرة.
وإذا تمّ تجاوز الجانب الاقتصادي إلى الجانب السياسي الدولي في سلوك الولايات المتحدة الأميركية، فإن الخطاب لا يزال يركز على مسألة قديمة جديدة، وهي إقامة حلف دولي جديد بعد بدء كل دولة البحث عن سيادتها المستقلة سياسياً بعيداً عن الولايات المتحدة.
في السابق، كان من أهم نتائج الحرب العالمية الثانية هو اكتفاء الغرب الاستعماري “بالمفعول الإعلاني” لما تقوم به الولايات المتحدة، حيث إن رعاية هذا “المفعول” تقع في ما بعد على عاتق الولايات المتحدة الأميركية، كممثلة للاستعمار الجديد. وبالفعل غداة الحرب العالمية الثانية نشأ على المسرح الدولي حلف “الناتو” لمواجهة ما يُسمّى بـ”الخطر الشيوعي” على المستوى الدولي المتمثل بحلف “وارسو” الذي يرعاه الاتحاد السوفييتي السابق.
ولاحقاً بدأ التصدع يهزّ أركان الناتو، واختلف قادته على التمويل وعلى التبعية، حتى خرجت أصوات تنادي بالاستقلال مثل القوة الأوروبية المشتركة. وبعد كل هذا، جاء الإعلان عن حلف جديد بحجة مكافحة الإرهاب. وبهذا الإعلان الجديد كانت الولايات المتحدة كمن يبني بناءً جديداً بحجارة قديمة، كون هذا الإعلان جاء من طرف واحد، لم يستشر أركانه فيه، وبالتالي كان الهدف هو الضغط على الدول من أجل إحراجها في عملية ابتزاز مكشوفة.
اليوم، في معركة روسيا، على الرغم من العقوبات الاقتصادية، فإن قواها العسكرية تعبر بأرقى حالات التعبير عن توازن دولي جديد سياسي وعسكري واقتصادي، كان للسياسة الأميركية المستعدية لحقوق الدول وشعوبها، دور في إنضاجه وبلورته.