كلمة حق في وجه سلاطين جائرين
تكلمنا مراراً وتكراراً عن مخطط دولي يجري التحضير له للاستثمار في غضب الناس ووجعهم، الهدف منه نزول الميليشيات السلطوية لسرقة الحراك وتحوير هدفه لمصلحتهم ولمصلحة الدول التي ترعاهم.
بعد خطاب جيفري فيلتمان في الكونغرس الأميركي، الذي قدّم فيه تشريحاً دقيقاً جداً للساحة اللبنانية في 21/11/2019، أيّ بعد مرور شهر على حراك 17 تشرين الأول، والذي أوصى
وألحّ عليها وفي مقدّمها تشديد الحصار الاقتصادي والمالي على لبنان وصولاً إلى انهياره، وتنفيذ ذلك بواسطة الفاسد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومن يحميه من السلطات الروحية والسياسية والقضائية والأمنية، ووضع المواطن اللبناني أمام حلّ من اثنين:
“إما حكومة فيها حزب الله مع انهيار وإفلاس لبنان، وإما حكومة من دونه مع إمكانية الازدهارpotential prosperity وبالتالي تحميل الحزب كامل المسؤولية واختراق بيئته الحاضنة وإضعاف حلفائه وفكّ ارتباطه معهم.
هذا حرفياً ما قاله فيلتمان، غير أنّ ما خطط له لم ينجح، بل أنتج مفعولاً، عكسياً، لأنّ «البيئة الشيعية” المستهدفة، استفادت من فرق سعر الصرف، وأصبحت للرواتب قيمة كبيرة في ظلّ الفارق في سعر صرف الدولار…
وحليف الحزب، رئيس الجمهورية وتياره السياسي صمدا في مواجهة مخطط فيلتمان آنذاك، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لم يبلع الإغراءات الأميركية، وصعّد بوجه التهديدات الأميركية، و”فجر قنبلة” سياسية وديبلوماسية، بعد قرار معاقبته أميركياً.
الأميركي ومن يدور في فلكه يعلمون جيداً انّ التحالف بين التيار والحزب يعطي الأخير مشروعية لبنانية ويخرجه من قوقعة التصنيف المذهبي المناطقي محلياً ودولياً، فكان لا بدّ من إسقاط حكومة الرئيس حسان دياب، وتكليف الرئيس سعد الحريري وفرض شروط على تأليف الحكومة من أبرزها استبعاد الحزب حكومياً وسياسياً، وبأن تتعهّد الحكومة المقبلة، القبول بترسيم خط “هوف” المشبوه، وعدم إعادة النازحين السوريين، وأنّ الرئيس المكلف لن يحظى بالدعم السعودي الأميركي، ويصبح بالتالي غير ذي صفة في المعادلة السياسية.
حاول الرئيس الحريري توسيط كلّ من يعرفه لتخفيف الشروط المفروضة عليه، من خلال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد وغيرهم للوصول إلى صورة تذكارية مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من دون طائل.
المخطط واضح، هو إنهاء ما تبقى من سيادة لبنان واستقلاله عبر وضعه تحت الوصاية الدولية، وإنفاذ الفصل السابع بحقه، والتنفيذ يتمّ عبر خطاب غبطة البطريرك الراعي، الذي أعطى مشروعية لمن يطالب بالتدويل تحت شعارات تطبيق القرارات الدولية 1559 – 1680 – 1701، والقوات اللبنانية تنفذ الشق الدبلوماسي للمشروع عبر تقديم عريضة دولية، بينما تولّى الإعلام المأجور، التركيز على العهد وجبران باسيل، ولمحاولة إعطاء براءة ذمة للطغمة السياسية الحاكمة الفاسدة المرتهنة، قام رياض سلامة ومنظومته برفع سعر صرف الدولار من دون سقف في ظلّ سكوت، بل تواطؤ مشبوه من مفاصل القرار في القضاء الغارق في وحول الطائفية والمذهبية والاستزلام، وطالب سمير جعجع النواب بالاستقالة مركزاً سهامه على الرئيس ميشال عون من دون غيره.
والآن يتمّ التحضير لنزول أحزاب السلطة الميليشياوية ومصادرة وإجهاض الحراك ووجع الناس تحت شعار “إسقاط ميشال عون والعهد”، الأمر الذي يمهّد لإعلان لبنان “دولة فاشلة” أمام المجتمع الدولي وتفريغه من مؤسساته، وبالتالي عدم الاعتراف بسيادة لبنان دولياً فيتحوّل من فخامة الرئيس إلى شاغل قصر بعبدا…
ويصبح بالإمكان وضع لبنان تحت الوصاية الدولية والدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة، وعزل الحزب وإعلان سلاحه غير شرعي دولياً ومحلياً…
أن تحريك السلطة ميليشياتها في الشارع، الهدف منه أن تسرق المعارضة شكلاً ومضموناً وترفع شعار “إسقاط العهد”، فهي قمة الوقاحة، بل الخيانة.
المطلوب ليس إسقاط العهد، أيّ عهد، سواء الرئيس عون او غيره، بل المطلوب اليوم إسقاط نهج الفساد والاستزلام والمحاصصة المستمرّ منذ واحد وثلاثين عاماً، الذي أنهى مؤسّسات الدولة وحوّلها إلى مزارع ميليشياوية طائفية مذهبية يحكمها أمير أو اثنين بشراً وحجراً ومقدرات.
انّ تحميل ميشال عون المسؤولية وتحويله إلى رمز للفساد، فهذا أمر لا يمكن أن يتصوّره عقل، او القبول به. وإذا تمّ إسقاط عهده وجاء غيره كائناً من كان، وبقيت المنظومة الفاسدة رموزاً وأحزاباً، فهل يعود لبنان الذي يريده اللبنانيون؟
السلطة الميليشياوية تحاول الآن، إعادة إنتاج نفسها عبر تنفيذ المخطط والأوامر الأميركية كي تحجز مكاناً لها في أيّ معادلة مستقبلية على أنقاض ما بقي من لبنان.
لا يمكن أن يصبح لبنان وطناً إلا بعد إقرار قوانين إصلاحية حقيقية، ومنها الإثراء غير المشروع ورفع الحصانات واستعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة.
أما أن ينزل الفاسدون الى الشارع ويطالبوا بمحاسبة غيرهم فهذه قمة في التزوير والتضليل.
ليس دفاعاً عن ميشال عون أو تياره، فلا علاقة ولا مصلحة لنا معهما، وشعار كلهم فاسدون، هو ظالم ومقتل لأيّ ثورة، الشعار يجب أن يكون كلهم يعني كلهم تحت المحاسبة، والمتورّط تجب مساءلته ومحاسبته وإعدامه وليس فقط سجنه “مين ما كان يكون”.
اللصّ لا دين له ولا مذهب، وحتى “الله ما بيعرفو”.
نداء لكلّ مواطن مقهور ثائر منتفض ينزل إلى الشارع: إذا وقف قربك أحد المنتسبين المؤيدين للميليشيات السلطوية وصرخ بأعلى صوته فليسقط العهد وميشال عون وجبران باسيل لصوص فاسدون، اسأله بكلّ هدوء: وما رأيك بمسؤولك؟
ولأحزاب السلطة الميليشياوية نقول: لن نسمح لكم أن تسرقوا وجعنا… ببساطة نريد وطناً اسمه لبنان، لا مكان فيه للصوص الخونة…
سواء بقي ميشال عون أو فلّ…
أقول قولي هذا، وأختم بأنّ أعظم الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر…
*أمين عام التيار الأسعدي