كفّوا شرَّكم عنَّا، فقط
صحيفة النهار اللبنانية ـ
امين قمورية:
أياً تكن الاسباب والموجبات والخلفيات التي أدت الى انجلاء الضباب الرئاسي، فان جمهورية برأس أفضل من جمهورية بلا رأس في اقليم صار فيه قطع رؤوس الدول كقطع رقاب البشر أمراً سهلاً، يمر كقراءة فصل في كتاب مغامرات. ويكون الامر أفضل بكثير لو صدقت الروايات عن أن هذا الانجلاء جاء بقرار لبناني وتفاهمات محلية وان الرئيس “صنع في لبنان”، على عكس ما درجت العادة في العهود اللبنانية السابقة.
قد نسأل لماذا جاءت هذه الارادة متأخرة سنتين ونصف سنة عن موعدها المفترض؟ وما الذي كان يحول دون فك الانحباس اذا كانت فعلاً لدى زعماء الشعوب اللبنانية القدرة على تخطي حواجز الجبهات الاقليمية وأخذ قرارهم بأيديهم؟ ومن كان يملك القدرة على التسلل بين نيران القوى العالمية المشتبكة في طول ساحات الاقليم وعرضها لاقتناص فرصة لا تتكرر لانقاذ لبنان قبل الانهيار الوشيك والمرئي، لماذا لا يبادر أيضاً في هذه اللحظة المواتية الى استكمال المهمة بالاتفاق على قانون عصري للانتخاب، وهو الأساس المطلوب لبناء دولة المواطنة فوق انقاض مزارع الطوائف والقبائل والميليشيات التي اطاحت كل شيء حتى الاوطان المجاورة لنا ؟
يرى عرابو الحدث اللبناني الجديد ان التفاهمات المعقودة حالياً أو تلك تعقد تمهد الطريق لاقامة حكم الاقوياء. حتماً حكم الاقوياء الذين يمثلون أفضل من حكم الضعفاء الذين لا يمثلون حتى أنفسهم. لكن الاقوياء بالمفهوم الطائفي اللبناني، يعني تثبيت المحاصصة، واذا ما تحالفوا جعلوا البلد حصصاً يتقاسمون مغانمها كما تقسم قطعة الجبن، واذا ما اختلفوا أحرقوا الوطن. المطلوب ليس حكم أقوياء الطوائف الذي يقوي النظام الطائفي الذي يحل محل الدولة ويلغيها، بل المطلوب الدولة القوية والعادلة التي يصونها الدستور ويسودها القانون على الجميع. المطلوب اعادة إرساء الحياة السياسية وضبطها وفق قواعد واضحة وقابلة للحياة.
لا نريد اعتذاراً عن التأخير الذي ساهم في جعل البلد سلة عملاقة للنفايات وكاد يطيح الجبل والبحر، فأفضل ان يأتي الحل متأخراً من أن لا يأتي أبداً. ولن نطالب من “صنع الرئيس لبنانيا” بمزيد من السيادة لاننا ندرك ان ذلك أمر مستحيل، وان هذا البلد الصغير ليس جزيرة ولا يمكن عزله عن سوريا والاقليم. وفي نهاية المطاف ستنشأ صيغة إقليمية ـ دولية جديدة من شأنها مقاربة “الملف” اللبناني بشكل يتصل بملف إدارة التوازنات السورية في ما بعد الحرب. ونعود الى ما كنا بعد فاصل قصير. ولا نريد ان نحلم، ولن ننتظر الفرج أو التغيير من طبقة سياسية خبرناها طويلاً ولم تقدم لنا سوى المهاترات وفنون العهر السياسي. لا نريد سوى ان يكفّوا شرّهم عنّا.