كتاب: هل ما جرى ويجري في سورية (ثورة) أم (مؤامرة)؟ (الحلقة السادسة)
كتاب: هل ما جرى ويجري في سورية (ثورة) أم (مؤامرة)؟
(صباح الخير يا عاصمة الأمويين.. صباح الخير يا عاصمة الحمدانيين.. صباح الخير يا بلاد الشام.. صباح الخير يا وطني العربي الكبير).
من تأليف سعادة سفير الجمهورية العربية السورية في العاصمة الأردنية عمان اللواء الدكتور بهجت سليمان…
الحلقة السادسة
-1-
الأمن السوري يفجّر مقرّاته، الجيش السوري يدمّر ثكناته، النظام السوري يذبح شعبه، “الشبيحة” يقتلون ويغتصبون النساء والأطفال!!!. أليست هذه هي (اللازمة) التي يرددها أعداء الشعب السوري وزبانيتهم وبيادقهم، منذ أكثر من عام؟!!.
لم يحدث في التاريخ دجل ورياء، كما يحدث مع أعداء سورية (الذين يسمون أنفسهم أصدقاء سورية).. يريدون بالقوة وبالعمالة وبالخيانة وبالإرهاب وباستدعاء المستعمِر، إحداث انقلاب في سورية، يصابون بالسُعار والغليان والهيجان والهذيان، ويبدأ النواح واللطم على (الشعب السوري) وحرصهم على دماء الشعب السوري، بدءاً من المحافظين الجدد في أميركا، مروراً بأحفاد سايكس بيكو في أوربا، وعتاة القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين والأمنيين (الذين لا ينامون الليل من فرط حبهم للشعب السوري، وحرصهم على دمائه!!!) وصولاً إلى الأذناب الأعراب الذين لا يسمحون لمجتمعاتهم أن تخرج من غياهب الجاهلية، والذين يبدّدون مقدّرات رعاياهم، عبر وضعها في خدمة المشروع الصهيو-أمريكي، الذي انضووا فيه منذ قيام مشيخاتهم ومحميّاتهم.
وهم يكرّرون ما كانوا يقومون به بعد اغتيالهم لـ(رفيق الحريري) في لبنان عام (2005) حيث أنهم كانوا يقومون بعملية اغتيال، كلما اقترب موعد انعقاد مجلس الأمن، من أجل توجيه التهمة باتّجاه سورية، وكانوا يختارون الضحيّة، ممن ليسوا على وفاق مع سورية، من أجل إلصاق التهمة بسورية.. وقد كرّروا ذلك العمل، مرّات عديدة.
أمّا خلال الأزمة السورية، فقد ارتكبوا حتى الآن جرائم عديدة، وعملوا بكل ما لديهم – ولدى أسيادهم ومُشغّليهم وأسيادهم – من قوة، لإلصاق التهمة بسورية، بدءاً من مجزرة (جسر الشغور) الفظيعة، وصولاً إلى (مجزرة الحولة) الأخيرة التي لا تقلّ فظاعة.. وقد جعلت (مجزرة الحولة) – كالعادة – من (أصدقاء سورية) (الذين هم أعداؤها الحقيقيون) أمماً حَوْلاء، لأنهم يرفضون رؤية الحقيقة، إلاّ بعيون معادية كيدية ضغائنية مرتهنة مأجورة، بحيث تنقلب الحقائق والوقائع، فيصبح المجرم الإرهابي بريئاً، ويصبح الجيش العربي السوري مجرماً، وتضيع دماء الضحايا في حمأة مهرجان النفاق الدولي –الأعرابي –الوهّابي –الانكشاري – الأخونجي، وهدفهم من ذلك هو:
(1) إجهاض مهمة كوفي عنان، والتشكيك بجدوى وجود المراقبين، وهذا ما لم يخفوه منذ اللحظات الأولى.
(2) توجيه التهمة، كالعادة، للدولة السورية وللجيش السوري، وللأمن السوري.
(3) التفنن في فظاعة الجريمة-المجزرة، بغرض تسعيّر النعرات الطائفية والمذهبية، واستسقاء الدم، وقد تلاحقت المجازر-المذابح، في كل مكان تواجد فيه هؤلاء المجرمون.
(4) اختيار الأهداف – هذه المرّة – بالطريقة التي كان يجري فيها اختيار الهدف المطلوب لديهم اغتياله في لبنان، بعد اغتيالهم الحريري، من أجل توفير بعض العوامل التي تحقق لهم الغرض المنشود في توجيه التهمة صوب سورية.
(5) إظهار الدولة السورية بالعجز عن حماية مواطنيها (حتى ولو ظهرت الحقيقة لاحقاً بأنهم هم من قام بذلك) من أجل دفع الأمور باتّجاه تدخل عسكري دولي، سواء بذريعة إنسانية أو سياسية.
(6) ترهيب الشعب السوري، بمختلف أطيافه وألوانه، من اليد الطولى لهؤلاء المجرمين القتلة، دون أن يدركوا أن يد الإجرام قد تطول إلى ما لا نهاية، في أيّ بلد في العالم، ولكنّها تُقطع وستُقطع حتماً من جذورها.
(7) تأليب أطياف المجتمع على بعضها بعض، من خلال تسويقهم روايات متعددة متباينة، (لا علاقة لها بالحقيقة) بحيث تعطي كل جهة ما يدغدغ غرائزها، ويُثير كوامنها، ويستجرّها للانخراط في حمأة الصدامات الدموية المنشودة من قبل أولئك المجرمين وأسيادهم.
(8) التصعيد الدموي لأعلى درجة، بغرض تعويض سلسلة فشلهم وفشل أسيادهم السياسي والعسكري والدبلوماسي، على الصعيد الدولي والإقليمي، طناً منهم أنهم بذلك يخلقون واقعاً جديداً، يستدعي معطيات جديدة وقرارات جديدة لصالحهم.
(9) (مجزرة الحولة) جاءت في هذا السياق، استباقاً لمجيء كوفي عنان إلى سورية من أجل خلق حالة، تؤثّر على الحد الأدنى من موضوعيته، وتعطي ذخيرة (ولو كانت فاسدة) لتسهيل أدائه جوهر المهمة المسكوت عنه، الذي هو (الضغط على سورية) وليس بنود المهمة المعلنة والتي هي (حلّ الأزمة السورية).
(10) (مجزرة الحولة) جاءت استباقاً لتقديم تقرير أنان إلى مجلس الأمن الدولي، من أجل تشكيل عنصر ضغط على كلٍ من روسيا والصين، متجاهلين أنّ هؤلاء يعرفون الحقيقة، ولا يمكن استدراجهم أو خداعهم.
ولكنهم بجرائمهم الشائنة تلك، يدفعون الدولة إلى المسارعة في استئصال كل البؤر السرطانية في جسم الوطن مهما كان الثمن، وهذا ما تقوله خطة كوفي عنان، من حيث حقّ الدولة الحصري في الدفاع عن أمن وطنها ومواطنيها.. وكذلك سيؤدّي كشف حقائق هذه المجزرة وغيرها، من منفذيّن ومحرّضين ومموّلين ومسلِّحين، وخاصة بعض الأعراب والأذناب إلى مساءلة هؤلاء بمختلف السبل الضرورية.
-2-
(الهشيم) موجود في جميع الربوع العربية، ولو بدرجات متباينة، من حيث الكمّ أكثر مما هو من حيث النوع..ولكن الهشيم، في بعض البلدان، جرى صبّ وسكب آلاف الصهاريج من الماء، عليه، لإطفائه.. أمّا في بعض البلدان (وحصراً في سورية) فقد جرى صبّ وسكب آلاف صهاريج البنزين على هذا الهشيم، لتأجيجه وتوسيع مساحة انتشاره. والقائمون بهذه المهمة (أطلسياً ومشيخياً) يعملون (إطفائيين) في غير سورية، و(مُشعلي حرائق) في سورية.. ولم يكتفوا بذلك، بل امتطوا ما نتج عن حرائق هذا الهشيم، ووظفوه لمصلحتهم (أي لمصلحة المحور الصهيو-أمريكي-الأطلسي) ودفعوا ببلدانه، عشرات السنين إلى الخلف، بذريعة أنهم يدفعونها إلى الأمام، لكي تواكب عصر (الحرية والديمقراطية والكرامة)!!! والحقيقة هي أنها ساقت هذه البلدان، إلى عصر الفوضى الاجتماعية والسياسية، والإفلاس الاقتصادي والمالي، والفلتان الأمني والإداري، وإلى ازدياد التبعية، وتعميق التباينات والتراكمات التاريخية، إثنياً وطائفياً ومذهبياً، وجعل هذه التباينات، هي موضوع الصراع الأساسي، بدلاً من الصراع الوجودي التاريخي، بين العرب من جهة، وبين الصهيونية وحلفائها من جهة أخرى.. وليس غريباً هذه النتيجة، طالما أنّ (فرسان) هذا الحراك، هم أحفاد سايكس بيكو وبلفور، وطالما أنّ من يموّل ويسلّح ويحتضن هذا الحراك، هم مشيخات ومحميات العصور الجاهلية المتخمة بثروات النفط المنهوبة من الأرض العربية، والموضوعة بمعظمها، في خدمة أعداء العرب والعروبة، وطالما أنّ أدوات هذا الحراك (الأساسية) هي القوى الظلامية التكفيرية التدميرية الإقصائية الإلغائية، ومعها حثالات من الفارّين والمتوارين وأصحاب السوابق والمهرّبين وتجاّر ومتعاطي المخدّرات، مدعومين بقطعان (القاعدة) الإرهابية من مختلف بقاع الدنيا، استجابةً لفتاوى مشايخ (الناتو) الذي يدعون هؤلاء لـ(الجهاد) في سورية… وبحيث صارت (المعارضة الوطنية الداخلية الشريفة) كـ(الأيتام على مائدة اللئام)… ولأنّ (المؤامرة) على سورية، فشلت، على الصعيد الشعبي، والصعيد العسكري، وصعيد المناطق العازلة، وصعيد التدخل العسكري الخارجي.. لذلك جرى التعويض والاستعاضة عن هذا الفشل، بتصعيد (الإرهاب الداخلي) والاستماتة لتحويله قتالاً مذهبياً وطائفياً.. وهناك إصرار لا محدود، غبيّ ومأفون (وهّابي – قطري) لإشعال تلك الحرب في سورية، دون أن يدرك هؤلاء الحمقى، أنّهم سوف يكونون أوّل ضحايا هذه النار، وليس آخرها.. وأنّ سورية الراسخة سوف تقضي عليها في المهد، مهما كانت التضحيات ومهما كان الثمن، بل ومهما طال الزمن.
-3-
رسّام الكاريكاتير السوري العالمي المعارض، الذي تتقاطر عليه الجوائز، مكافأةً له ليس على كفاءته، بل على غدره بوطنه. المذكور كان (مهرّجاً) للمسؤولين و(كراكوزاً) للمتنفّذين، وكان يبذل كل جهوده وطاقاته، لإضحاكهم وتسليتهم.
أمّا (المفكر العربي) “غيفارا” المحور الأعرابي النفطي والغازي، فقد كان (لقلوقاً) لضباّط الأمن السوريين وللمتنفّذين السوريين.
وأمّا طربوش (كلنا شركاء) فلم يكن يوماً أكثر من (مخبر) صغير للأمن السوري، يقدّم تقاريره و حصيلة مشاهداته وزياراته للسفارات والمنظمات الدولية، ولم يدخل في حياته، مكتب رئيس الجمهورية، ومع ذلك كان يقدّم نفسه، أنه مستشار الرئيس، الأمر الذي أدى إلى توبيخه وتقريعه.
وأمّا مفتي (مجلس اسطنبول) الشيخ الفار، وابنه (عقلة الأصبع) والذي قدّم نفسه، أيضاً، مستشاراً للرئيس، وهو لم يكن في حياته كلها، مستشاراً، لأكثر من جاره (السمّان) أو (الحلاّق) وكان شيخاً لأحد الجوامع في حي المهاجرين الذي يقع فيه منزل رئيس الجمهورية، الذي كان يقوم بالصلاة في ذلك الجامع، بين حين وآخر.. هذه هي كل المسألة.
فإذا كان هؤلاء وأمثالهم، هم (ثوّار) سورية، فـ(الله يبارك لأردوغان ولحمد الصغير وحمد الأجير، ولسعود الهزّاز عبد الناتو، ولبندر بوش عبد الإيباك) بهؤلاء (الثّوار).
ذلك أنّ ما جرى في سورية بدأ (حراكاً) وانتقل بسرعة فائقة إلى مرحلة (التمرد المسلّح) و (الجرائم الجنائية( ولم يمّر بمرحلة (انتفاضة) ولا (ثورة) لأنّ عوامل الانتفاضة أو الثورة، غير قائمة في سورية، رغم وجود تراكمات سلبية كثيرة، ولكنها استُخْدمت ذريعة، لاختلاق وضع شبيه بما جرى في تونس ومصر، وعندما فشل أصحاب المحور الصهيو – أمريكي وأذنابهم، في ذلك، كشّروا عن أنيابهم، وانتقلوا إلى مرحلة (العمل المسلّح) و (الإجرام الجنائي) و (القطيعة الدبلوماسية) و (الضغوط الاقتصادية)، ولم يكتفوا بـ(الحرب الإعلامية الدولية) بل أضافوا إليها الآن (حرب الشائعات) فتحوّل الأمر في سورية إلى (ثورة مضادة) يديرها ويموّلها هؤلاء، ولذلك واجهها السوريون (شعباً وجيشاً وقيادةً وقائداً) بحكمة وحنكة واقتدار وتصميم على النصر مهم كانت الأثمان.
-4-
عندما يفشل المحور الصهيو – أطلسي وأذنابه المشيخيّة، في تحويل الصراعات القائمة في المنطقة، إلى صراعات طائفية ومذهبية، بغرض حرف الصراع عن مجراه الأساسي والحقيقي، وتحويله من صراع عربي – صهيوني، إلى صراع عربي – عربي، بذريعة وجود طوائف ومذاهب متباينة (وكأنّ وجود الطوائف أمر جديد، أو ليس قائماً منذ أكثر من ألف سنة).. أقول عندما يفشلون في ذلك، فإنهم لا يستسلمون، بل ينتقلون إلى استخدام مختلف الجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلّحة، وإشعال النار فيما بينها، بغرض محاولة تكريس الصراع على أساس طائفي ومذهبي.
وعندما تتعاضد الرموز المتأسلمة الظلامية التكفيرية في المشيخات المحميات، لتقويض سورية، ويتآلف (السعودي سفر الحوالي) و (الكويتي وليد الطبا طبائي) و (القَطَري عبد الرحمن النعيمي) في جوقة واحدة، ضد سورية… فهل يمكن لعاقل أن يخطئ حينئذ، في تحديد السمت السليم والاتجاه الصحيح؟ أو أن يجهل أنّ كل من يقف في الخندق الذي يقف فيه هؤلاء، لا يمكن أن يحمل ذرّة واحدة من الحقيقة، ولا من العدالة، ولا من الحرية، ولا من الإنسانية.
وعندما يدغدغ (المثقف) العواطف الطائفية، ويتملّق الغرائز المذهبية، ويمالئ النزعات الدونية الجمعية.. من أجل إيجاد موطئ قدم له، واكتساب حيثيّة خاصة به.. حينئذ يمكن أنّ يُطلق عليه أيّة تسمية، ماعدا تسمية (مثقف).
-5-
يحلو للبعض أن يتحدث عن وقوف مَن يسميّهم (الأقليّات الدينية والمذهبية في سورية) مع (النظام) [وهنا لا بد من التوقّف عند هذا الإصرار العجيب على تسمية القيادة السورية، أو الدولة السورية باسم (نظام) خلافاً لكل ما يُذكر عن الدول الأخرى؟.. والسؤال هل (سورية)(نظام) والآخرون (فوضى)؟.. أم أن ما يصوغه ويسوّقه القابعون في دهاليز المخابرات الصهيو-أمريكية، بحقّ من يقف بوجههم، يجري استيراده واستهلاكه، وكأنه بديهيات؟.. إنها عملية إلغاء للعقل العربي، وغَسِل دماغ، بحيث يسلّمون بما يُراد لهم الأخذ به].
(ما علينا).. يحلو لهم الحديث عن وقوف (الأقليّات الدينية والمذهبية) في سورية وراء نظامهم السياسي.. من منطلق ديني أو مذهبي.. والحقيقة هي العكس تماماً، فهؤلاء يقفون مع نظامهم السياسي، من منطلق سياسي حصراً، وبالضبط لأنه غير طائفي، ولأنه وطني، ولأنهم يجدون في النظام السياسي السوري، نظاماً علمانياً، لا يضطهدهم، ولا يسمح باضطهادهم، ويقطع الطريق على احتمال سيطرة الطائفيين على السلطة، والمقصود بالطائفيين (الوهّابيون والإخونجيون) الذين يتنفسون الطائفية والمذهبية التي تشكّل قلب وعقل إيديولوجيتهم السياسية.
وكذلك (الأكثرية الطائفية أو المذهبية) في سورية [علماً أنّ هؤلاء، ليسوا مذهباً ولا طائفة، بل هم “امّة” الإسلام] وخاصةً في المدن الكبرى، وقفت مع نظامها السياسي ووراءه، لاعتبارات عديدة، يأتي في مقدمتها: أنّ معظم رجال الدين الإسلامي – وخاصةً في دمشق وحلب – هم متنوّرون، ومن الصعب جداً، تضليلهم واستدراجهم عبر (الوهّابية) أو (الإخونجية).. وكذلك التّجار والصناعيون ورجال الأعمال والفعاليات الكبرى والمتوسطة، تُدرك بعمق، أنّ القوى الظلامية التكفيرية التدميرية الإلغائية الإقصائية، تريد أن تقود الوطن السوري إلى حالة دموية تقسيمية، وأنّ سلوك هذه القوى المذهبي والعنصري، لا يخفيه تلطّيها وراء (الطائفة) وادّعاؤها (تمثيلها) و (النطق باسمها) بغرض ممارسة سياسة طائفية (داخلياً) وسياسة تبعيّة (خارجياً).. الأمر الذي يؤدّي إلى إنهاء الدور السوري، وإلى خراب البلد. و(الأكثرية) (بالمفهوم الطائفي أو المذهبي) ترفض بإصرار، هذا المصير البائس لبلدها.
بقي كلمة أخيرة: الأكثرية الحقيقية هي الأكثرية السياسية أو الاجتماعية.. وليس في سورية أقليات دينية أو طائفية أو مذهبية، بالمفهوم السياسي، بل بمفهوم محدّد متعلق بها.. ولكن الاستشراق وأهله وأتباعه، يعممّون في البلدان الأوربية، لغة (الأكثريات والأقليات السياسية والاجتماعية) فقط، ويعمّمون في بلداننا لغة (الأكثريات والأقليات الدينية والمذهبية) لأغراض استعمارية بحّتة.
-6-
عندما يقول غبطة البطريرك الماروني (بشارة الراعي): (إنّ رحيل النظام في سورية، لا يقلقنا، بل نخاف من ثلاثة أمور، أن تحدث هناك: (حرب أهلية، أو تقسيم الدولة، أو وصول نظام أكثر تشدداً).
فإنّ هذا القول لا يجافي الصواب، ولا يعني – كما توهّم البعض – أنه قلب ظهر المجنّ للنظام السوري، لأنه بالأصل لم يوجّه صدر المجنّ صوب النظام السياسي في سورية، من قبل، لكي يقلبه من بَعد… ومن يقرأ هذا القول بمنظار منطقي وموضوعي – لا بمنظار رغبوي أو كيدي – يُدرك فوراً أنّ قلق غبطة البطريرك (الراعي) ليس نابعاً عن رغبته في الدفاع عن النظام السياسي في سورية، ولا عن الرئيس بشّار الأسد، لأنّ الأمر ليس شخصياً، بل هو أمر عامّ ووطني وأخلاقي، وأنّ مبعث هذا القلق، كما قال غبطته، هو الخوف من الاحتمالات التي تحدّث عنها.. وهذه المخاوف مشروعة تماماً.. ولذلك فإنّ البطريرك الراعي، رفض الانجراف والانجرار فيما انجرف وراءه وانجرّ معه، بعضهم في لبنان، لحسابات مصلحية ذاتية، واستجابةً لإملاءات إقليمية ودولية.. بينما البطريرك الراعي، وضع مصلحة لبنان بمختلف طوائفه، ومصلحة الطائفة المارونية، فوق كل اعتبار، ورفض مجاملة أيّ قوة دولية أو إقليمية، في هذا الموضوع.. بل ورفض الاستجابة لمختلف الضغوطات الأمريكية والفرنسية، لأنّ مصلحة لبنان، ومسيحي لبنان، عنده فوق جميع الاعتبارات الأخرى.
وهذا يعني رفض مشاركة الآخرين (المرتهنين) أو (الكيديين) بالمناداة أو العمل، لرحيل النظام السياسي في سورية.. وهذا ليس (كُرْمى) للرئيس الأسد، بل كُرْمى للّبنانيين والسوريين بالدرجة الأولى، لأنّ بقاء ورسوخ هذا النظام السياسي، كفيل بمنع الحرب الأهلية ومنع التقسيم ومنع مجيء نظام متشدّد متعصّب عنصري.
-7-
كم هي المجتمعات العربية، بحاجة للانتقال من المرحلة القبَليّة إلى المرحلة المدنيّة…. وكم هي الدول العربية، بحاجة للتخفّف من تملّق التياّرات الغيبيّة، واقتحام دنيا العلمانية… وكم هي المجتمعات العربية والدول العربية، معاً، بحاجة إلى نفض غبار التبعية للمحّور الصهيو-أطلسي، عن كاهلها، والقول (لا) بقوّة وثبات وثقة بالنفس، والاستعداد لدفع ثمن هذه الـ(لا) من أجل الوصول إلى فضاء الحرية والديمقراطية والكرامة والسيادة… ولكيلا يقوم العرب بذلك، تحرّك الاستعماريون الجدد وأذنابهم، لمصادرة كلّ البراعم التي كانت على وشك التفتّح في دنيا العرب، وحوّلوها إلى أشواك مسمومة في صدور وعيون أبناء شعوبها، وإدمائهم والنيل منهم…. وما يؤلم الروح ويُدمي القلب، هو أنّ بعض الأعراب والأذناب والمتأسلمين الظلاميين، جعلوا من أنفسهم، الأدوات التي استخدمها الاستعمار الجديد، لتحقيق ذلك.
-8-
من يقول: (هل يجوز من أجل شخص واحد، أن يضحي بالبلد ؟) يكون إمّا مخلوق جاهل.. أو كائن مأجور!!!، لأن الحقيقة هو أنّ المطلوب التضحية بالبلد (سورية) على مذبح المشروع الصهيو-أمريكي: وأنّ المطلوب هو إزاحة هذا الشخص الذي يقصدونه، كمدخل إلى ذبح البلد، عبر دفعه وتزليقه إلى حرب أهليه تؤدي إلى تفكيك الدولة، وتفكيك المجتمع، تمهيدا” لاستتباع كامل المنطقة، استتباعاً كاملاً، والدوران الأبدي في فلك المشروع الصهيو-أمريكي… ويشكل بقاء هذا الشخص الذي يتحدثون عنه (وهو الرئيس بشار الأسد) الضمانة الأولى الكفيلة بإجهاض هذا المخطط وذلك المشروع ….
ثم هل يمكن اعتبار تبديل رئيس بأخر بواسطة القوة أو الابتزاز الإقليمي والدولي (ثورة)؟
إنه عمل لا يمت للثورة بصله، بل هو محاولة انقلاب واضحة فاضحة.. ومن ذا الذي يسمح أو سيسمح بانقلاب؟ وعبر من؟ ولمن؟ وبواسطة من؟ بواسطة أدوات وأذناب وبيادق وعملاء ومرتزقة وظلاميين و إرهابيين المحور الصهيو-أمريكي؟!
-9-
المطلوب، أطلسيا ومشيخياً، أن تكون سورية، جزءا تابعاً، كباقي الأعراب، من المنظومة الصهيو- أميركية، وأن تكون القيادة السورية عدوة لشعبها، وأن تعمل على تسخير شعبها ومقدراته، لصالح المحور الصهيو- أميركي، وأن تتخلى عن انتمائها القومي وعن هويتها الوطنية، وتستعيض عن ذلك، بهويات عرقية وجهوية وطائفية ومذهبية، وأن ترفع عقيرتها، بالتحدث عن الاستقلال ( بينما هي ترسف في أغلال التبعية)…. حينئذ، فقط، يصبح كل أعداء الشعب السوري الحقيقيون( أصدقاء) له، بما يشبه مؤتمرات (أصدقاء سورية) الذين اجتمع فيهم، كل أعداء الشعب السوري وأعداء الأمة العربية، لا بل يضاف إليهم ، منظمة (القاعدة) الإرهابية، التي تصبح (نصيرة) للشعب السوري، تحت اسم (نصرة بلاد الشام)!!!!!!. كما (نصروا) بلاد الشام، بست عشرة سيارة مفخخة (حتى الآن) حصدت أرواح المئات من شهداء بلاد الشام، وشوهت الآلاف منهم، منذ عدة أشهر حتى الآن،….وهل هناك (صداقة) أو (نصرة) أفضل من ذلك ؟!؟!؟!؟!؟. لقد تلاقى المحور الصهيو- أميركي، مع حكام المشيخات المحميات، على هدف مشترك، هو إبقاء مجتمعات هذه المشيخات المحميات، في غياهب العصور الوسطى (رغم ثرائها الأسطوري) وترسيخ العصبيات الخلدونية، بدلا من تنمية وترسيخ الانتماءات الوطنية والقومية والإنسانية، وعلى إشعال النار بين جنبات الشعوب العربية، التي بلغت درجة متقدمة من التطور الاجتماعي والوطني والقومي، من أجل إعادتها إلى غياهب العصور الوسطى… وهم الآن مستنفرون، بكل ما لديهم من إمكانيات لتحقيق ذلك (وخاصة في سورية: قلعة العروبة، وبوابة الشرق، ومركز الكون)… ولكن هؤلاء، نسوا أو لم يدركوا، أن التاريخ سيجرفهم، رغما عنهم وعن أسيادهم، لأنهم يسيرون عكس منطق التاريخ، الذي سيفرض نفسه على الجميع.
-10-
ماذا كانت حصيلة (ثورات الناتو) و(انتفاضات ريالات البترول والغاز) و(ربيعات الـ cia والمحافظين الجدد) ؟!.
(1) إقامة نظام آخَر في (تونس)، جديد من حيث الشكل، وليس فيه أيّ جديد من حيث المضمون، لأنّ التبعية للمحور الصهيو-أطلسي، بقيت، إن لم تكن ازدادت رسوخاً، وأصبح لدولة تونس (مرشدها الروحي) الذي يوزّع الغنائم والأسلاب، حسبما يراه مناسباً، وأصبح لدولة تونس، رئيس جمهورية، أقلّ ما يقال عنه (أنه يحتاج إلى مصحّ عقلي) يقيم فيه لسنوات عديدة، لعلّه يستعيد بعض توازنه النفسي، أي أنّ ما حصل في تونس، هو (انقلاب) صْرف، استبدل أشخاصاً، بأشخاص.. ولم يطرأ أيّ تحسّن، لا على الوضع الاجتماعي، ولا على الوضع الاقتصادي، بل ازداد الوضْعان سوءاً.. والذي اختلف فقط، هو (حرية الزعيق).
(2) التحضير لإقامة نظام آخر في (مصر: أمّ الدنيا) يشكّل (الإخوان المسلمون) الثقل الأكبر فيه.. ورئاسة الجمهورية سوف تكون لواحدٍ من اثنين (إمّا للابن الروحي، لحسني مبارك) أي (حسني مبارك) منقّح وأقلّ عمراً، هو (أحمد شفيق) أو رئيس حزب (الإخوان المسلمين).. فتصوّروا (ثورة مصرية) تؤدّي إمّا إلى بقاء (المباركية) بدون مبارَك – أو بالأدقّ بمبارَك آخر – أو إلى استلام (الإخوان المسلمين) سدّة الحكم؟… هل هذه ثورة أم انقلاب، وعودة إلى الوراء؟!.
(3) ليبيا: (معمّر القذافي) لا يُدَافَع عنه.. ولكن السؤال: هل البديل المناسب هو: تلفيقة أطلسية-وهّابية (قاعديّة)؟ و(150) ألف ضحيّة؟ ونصف مليون جريح ومشوّه؟ ووضع ليبيا على طريق التقسيم والحرب الأهلية؟.. هل هذه ثورة أم مصيبة أو كارثة، أعادت ليبيا إلى عصر بدايات الاستعمار القديم؟.
(4) اليمن: وهل علاج الواقع اليمني المعقّد، هو إعطاء (نقاهة) سياسية طويلة لعلي عبد الله صالح، والمجيء بنائبه بنسبه (99%) [بالمناسبة، لم نسمع صوتاً واحدا ًمن دعاة الديمقراطية الأطلسية، ولا من رُعَاتِها الجدد، يحتج على هذه الـ 99%] ؟.. وهل بقاء اليمن في حالة غليان، ومجهول المصير، خوفاً من أن يمتدّ اللهب واللهيب، إلى مملكة الظلام الوهّابية، هو الحلّ؟! وهل استبدال طربوش مهترئ، بآخر أكثر اهتراءً، ثورة، أم انقلاب؟!.
ذلك أنّ الانقلابات في الماضي كانت تأخذ طابع (انقلاب عسكري)… أمّا الانقلابات الراهنة، فهي تحاول جاهدةً، أن تأخذ طابع (الربيع) و(الثورة) و(الانتفاضة) ولكنّها لا تملك من مقومّات الربيع والثورة والانتفاضة، إلاّ أقلّ القليل، الذي امتطاه الانقلابيون، وجعلوا من بعضه ذريعة وتُكأة، ومن بعض رموزه، ديكوراً تجميلياً (رغم عدم قدرة هؤلاء على تجميل شيء) يخفي حقيقة انقلاباتهم المشبوهة والمأجورة والمتخلفة والتابعة؟!.
(5) سورية: هل عرفتم الآن، سرّ استماتة الصهاينة والأطالسة والأعراب الأذناب، لتنفيذ انقلاب في سورية، بأيّ طريقة وبأيّ ثمن؟.. وهل عرفتم سرّ الصمود السوري –الشامي –الأموي –الآسادي؟ ذلك أنّ أحفاد الأمويين، ورجالات الوطن السوري وشرفاء الوطن العربي، لا يقبلون الدَّنِيّة ولا التبعيّة، ولذلك دفعوا ويدفعون ثمن صمودهم وكبريائهم وإصرارهم، على أن يبقوا أُبَاةً مرفوعي الهامات والقامات، مهما كان الثمن ومهما بلغت التضحيات.
أمّا أدوات هذا المخطط الاستعماري الجديد، داخل الوطن، فالأمر ليس جديداً، ذلك أنّ قسماً ليس بالقليل من الفرنسيين، يتقدّمهم (الماريشال بيان: بطل الحرب العالمية الأولى) تحوّلوا إلى خونة لوطنهم وعملاء للمحتلّ، في الحرب العالمية الثانية، وهؤلاء لفظهم التاريخ ورمى بهم في غياهب الظلمات.
عميل إسرائيل هو اللذي لم يطلوق رصاصة واحدة باتجاه العدو الصهيوني منذ اربعين وحت الآن رغم كل الإهانات والضربات المستمرة من هذا العدو ، وبالمقابل فتح النار على حشعبحمن أيام الث
عميل إسرائيل هو اللذي لم يطلوق رصاصة واحدة باتجاه العدو الصهيوني منذ اربعين وحت الآن رغم كل الإهانات والضربات المستمرة من هذا العدو ، وبالمقابل فتح النارعلى شعبه منذأيام الثورة الأولى وحتى الآن
السيد فاروق قنديل المحترم
كلامك يا عزيزي انفعالي ولا يدل إلا على أمية سياسية، لا يشك أحد أن سوريا لم تكن قادرة على مواجهة إسرائيل وجهاً لوجه، وقد حاولت ذلك مراراً ولم تفلح، ولعل آخر المواجهات كان في حربها الأخيرة في لبنان والتي خسرت فيها عشرات الطائرات والجنود الشهداء!!
فماذا فعلت سوريا؟ هل استسلمت واستكانت أمام عدو مسلح بأقوى سلاح متطور؟ هل استجابت لضغوط عرب الجزيرة في الرضا بالخضوع لإرادة العدو؟
سوريا التي لا تعرف الاستكانة لجأت إلى مواجهة جديدة.. بدأت تخوض مع العدو حرباً من نوع آخر.. إنها المقاومة في لبنان وغزة.. المقاومة التي جعلت العدو يتشكك بقدرته على البقاء.. إن كل انتصارات المقاومة في لبنان وغزة كان لسوريا وإيران سهم كبير جداً فيها إضافة إلى جهود المقاومين وتضحياتهم، فيما كان عرب الخيانة أنصاف الرجال يرقصون بالسيوف مع بوش..
ولذلك أيضاً لجأ العدو إلى أسلوب مواجهة جديد ممول من أنصاف الرجال عرب الخليج ودجال تركيا.. فكانت ثورة لا شأن للشعب السوري فيها.. قياداتها وجنودها من خارج سوريا.. وتحقق لهم جزء مما أرادوا من تدمير سوريا وإنهاكها.. ولكن خاب أملهم عندما وجدوا أن الإنهاك والتدمير لم ينهك إرادة المقاومة لدى سوريا قيادة وشعباً.. وأعدك أنه مهما دمروا ومكروا ستجد في النهاية انتصار المقاومة وخيبة الخونة