«كاسحة ألغام» تهدر على طريق بعبدا
صحيفة السفير اللبنانية ـ
إيلي الفرزلي:لم يصل الطرح الرسمي الذي ينتظره النائب سليمان فرنجية من الرئيس سعد الحريري بعد، لكن الجدية التي تحدث عنها بعد طاولة الحوار حافظت على مكانها.. لا بل ازدادت. إلا أن ذلك لا يعني أن أبواب قصر بعبدا ستفتح قريباً، فالمطبات تملأ طريق القصر الجمهوري، وإصلاحها يحتاج إلى التعاقد مع المتعهدين «التيار الوطني الحر» و«القوات» أو أحدهما.
لذلك، وإلى ذلك الحين، فإن «8 و14 آذار» يتمسكان، في العلن، بمرشحيهما. قالها فرنجية نفسه بعد «الحوار»، وهو ما تردد أيضاً أنه نقله «حزب الله» إلى الرابية. وقالها «المستقبل» اليوم، على لسان النائب عاطف مجلاني، الذي أعاد التأكيد أن «جعجع لا يزال مرشحنا».
كل ذلك لا يلغي أن الكواليس تغلي. وذلك ليس جديداً، إنما تم التحضير له بعناية ومنذ مدة. لم يكن خافياً أن السفارة السعودية فتحت خطوطاً مع بنشعي، كما سبقتها إلى ذلك السفارة الأميركية بجهد استثنائي من السفير السابق دايفيد هيل. وكذلك فعل الرئيس فؤاد السنيورة الذي اتصل بفرنجية في تموز الماضي مهنئاً إياه بموقفه الرافض لحديث عون عن الفيدرالية، أضف إلى وقوفه ضد أسلوب عون في التصدي للأزمة الحكومية.
من يريد تعزيز نظرية «تبني ترشيح فرنجية ليس مفاجئاً»، يعود أيضاً إلى شهر آب. التصفيق الحاد الذي استقبل به العونيون السفير الإيراني في مسرح «بلاتيا» في يــوم التسلم والتسليم بيــن عــون والرئيــس الجــديد لـ«التيار» جبران باسيل، بدا مقلقاً للسعودي والأميركي، على ما يؤكد مصدر مطلع.
وبالرغم من أن كثراً دعوا في حينها إلى عدم البناء على المشهد وحصره في إطار قبول الدعوة أسوة بعدد من السفراء، رآه آخرون تكريساً لحلف إيراني ـ عوني، يعلن على الملأ أن عون هو مرشح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بما يناقض أدبياتها في رفض التدخل بالاستحقاق.
ذلك استدعى استنفاراً استثنائياً وفق أصحاب نظرية «مناورة ترشيح فرنجية» شاركت فيها دول وأحزاب، محورها كيفية كسر التحالف الذي يتوطد يوماً بعد يوم بين الشيعة والحاضنة المسيحية لـ«التيار»، فكان طرح اسم فرنجية. لكن هؤلا أنفسهم، عادوا وتراجعوا عن نظريتهم، فقدموها مخففة تحت عنوان «مناورة جدية»، عندما وجدوا أن الطرح لم يتراجع بالرغم من فشل الهدف السابق، ربطاً باستيعاب عون و«حزب الله» وفرنجية الصدمة، وتعاملهم معها بهدوء.. كل من موقعه.
ثمة من يعتقد أن «المستقبل»، بعد كل التجارب السابقة، وجد نفسه أمام خيار فرنجية لأنه يصعب تمرير أي تسوية عنوانها رئيس وسطي مقابل الحريري رئيساً للحكومة، كما يصعب التسليم بعون رئيساً لأسباب سعودية وداخلية.
كل ذلك قد يكون مفهوماً، لكن ما ليس مفهوماً هو لماذا تم تغييب جعجع عن هذه المعادلة طيلة الفترة التي سبقت. ولماذا الانتظار إلى ما بعد تسريب حصول اللقاء بين الحريري وفرنجية ليتواصل الحريري مع حليفه، الذي يُفترض أنه مرشح «14 آذار» ويُفترض، لياقة وسياسياً، إدخاله على خط التنسيق سلفاً.
لا أجوبة مقنعة يطرحها «المستقبل»، باستثناء البناء على ما قاله فرنجية بأن الترشيح ليس رسمياً بعد، أضف إلى ذلك أن كتلة «المستقبل» لم تناقشه. لكن في المقابل، لا تتوقف «8 آذار» عند هذه العقبة. بالنسبة لهذا الفريق، فإن جعجع يرفع الصوت مستفيداً من الضبابية الموجودة حالياً، لكن عند الجد، فإن أحداً لا يتخيل أن يقف موقف الرافض لقرار سعودي. أضف إلى أنه كان من أشد المعارضين لمقاطعة جلسات الانتخاب، وصولاً إلى القول إن المقاطعين يخرقون الدستور. وهو بذلك، سيكون صعباً عليه السير في ركب المقاطعة، ما يعني أنه سيكون أول الحاضرين في جلسة الانتخاب، بغض النظر عن تصويته لفرنجية من عدمه.
بالنسبة لـ «حزب الله» لا يزال يصر أن ثمة طريقاً واحدة للرئاسة عنوانها ميشال عون يجب سلوكها بداية، حتى لو كان المرشح هو أبرز حلفاء الحزب المسيحيين. نظرية الالتفاف أو التذاكي لا يحبذها الحزب، فالتسوية لا يمكن أن تتم بدون عون، هذا إذا تم التسليم بإمكانية السير بتسوية مجتزأة لا تشمل قانون الانتخاب. أما إذا قرر «المستقبل» الخوض في ترشيح فرنجية بدون طلب مقابل، فإنه لن يكون على «8 آذار» سوى الترحيب، علماً أنه لا يمكن التغاضي عن دلالات قول السيد حسن نصر الله إن التسوية يجب أن تكون تحت سقف «الطائف».
مع ذلك، فإن أحداً لا يشك أن فكرة خلو الساحة الرئاسية لعون وفرنجية هو إنجاز بالمعنى الاستراتجي لـ«حزب الله». لكن تحت هذا العنوان الاستراتيجي أيضاً تندرج علاقته بعون. المطلوب إذن البحث في كيفية تحّول عون إلى شريك في التسوية، لأن الفشل سيعني تفجير لغمين معاً في الآلية التي تقّل فرنجية إلى قصر بعبدا.. لغم عون ولغم جعجع. وهما لغمان يعمل جدياً في طرفي الأزمة على تفكيكهما.