قيمة الحوار بمنع الحرب.. وتأسيس النموذج: عن فرص التسوية التاريخية من لبنان إلى المنطقة
صحيفة السفير اللبنانية ـ
ايلي الفرزلي:
القراءات تبدو متناقضة إلى حد الانفصام. كل فريق سياسي يتنبأ بمشهد إقليمي أقرب إلى تمنياته. «8 آذار» تحضّر ليوم الانتصار الإيراني الذي يكرس حقها ببرنامج نووي سلمي. و»14 آذار» تنتظر اليوم الذي تعود فيه إيران إلى داخل حدودها، معتبرة أيضاً أن هذا اليوم لم يعد بعيداً.
في سوريا الأمر مشابه. «حزب الله» يحتفل بتثبيت بشار الأسد في موقعه بعد أربع سنوات على بداية الحرب. و»المستقبل» لم يغير قيد أنملة في قناعاته وإن لم تصدق توقعاته بسقوط قريب للأسد.
ماذا بعد؟ حائط كبير يسعى الجميع لتسلقه، لكن أحداً لا ينجح. وحده الحوار بين «المستقبل» و «حزب الله» أعاد شيئاً من التوازن إلى الخطاب المستعر من المحيط إلى الخليج. وظيفة هذا الحوار بسيطة، بحسب شخصية سيادية عتيقة، ولكنها «مصيرية». الاتفاق على نزع الشعارات الحزبية ليس تفصيلاً في المشهد القائم، وحتى لو كان جدول الأعمال محدوداً، فإن اللقاء هو الإنجاز بعينه.
العودة إلى نموذج العام 1975 مقلق. يتذكر المصدر حين كان الجميع يسمي الأحداث الأمنية والعسكرية التي كانت تجري بالجولات. لم يكن أحد مقتنعاً أن ما يجري هو حرب حقيقية، إلا بعد أن وصل الدم إلى الركب. يجد القيادي ما يبرر قلقه عندما يتذكر ما جرى، محذراً من أن النفخ بالفتنة قد يأخذنا إليها، حتى لو كنا بنينا قناعات أساسها توقعات بأن الغرب لا مصلحة له بانهيار الاستقرار في لبنان. تلك مصيبة، بحسب المصدر، فـ «بناء المصلحة اللبنانية انطلاقاً من المصلحة الدولية يعني ببساطة أن أي تعديل في الأجندة الدولية سيكون اللبنانيون جاهزون لاستقباله بحرب أهلية، كل مقوماتها تبدو جاهزة، إن نظرياً وإيديولوجياً من خلال التعبئة المذهبية أو عملياً من خلال السلاح المنتشر بكثرة بين اللبنانيين، والذي أصبح منظماً وموجهاً أكثر من أي وقت مضى.
بالرغم من كل التوتر الذي يحيط بلبنان، فإن الهدوء النسبي الذي يعيشه، يبدو أكبر من أن يُصدَّق، لكنه يعطي أيضاً أملاً، ليس لأبنائه فقط إنما للدول التي يسودها التوتر. باختصار، ثمة من يؤكد أن المطلوب أن يتحول لبنان إلى نموذح لتخطي الحرب في المنطقة، والأهم أن ثمة من يثق بقدرته على القيام بهذا الدور.
يعطي الشخصية السيادية دوراً معاكساً للبنان، أو هكذا يأمل. يعتبر أنه بدل أن نستمر بالتأثر بما يجري في المنطقة، لدينا فرصة نادرة للتأثير بما يجري حولنا. ويوضح أن لبنان يستطيع أن يقوم بدور ريادي في وقف الحرب السنية الشيعية في لبنان والمنطقة، من خلال تفاهم تاريخي يقوم به الفريقان داخلياً، حيث سيكون تحصينه سبباً لامتداده إلى المنطقة لاحقاً.
يقرّ المصدر أن إنهاء التوتر السني ـــ الشيعي ليس أولوية عند جميع مكونات «14 آذار»، لكنه مطمئن إلى كون أكثر فصيل معني، أي «المستقبل»، صار على قناعة بأن علة وجوده تنتفي مع أي حرب مذهبية. لهذا، فهو يرى أن أهمية الحوار الذي يعقد بين «المستقبل» و «حزب الله» تكمن في أنه في حال حدوث أي أمر خطير، فإن خطوط التواصل ستكون قائمة، بعكس ما كانت عليه في السنوات السابقة.
عناصر القوة لهذا النموذج كثيرة، بحسب المصدر السيادي. أبرزها أن السنة والشيعة في البلد يحكمون سوية، بعكس كل بلدان المنطقة، وبالتالي فإن إنجاح تجربتهم ستعني حكماً التأسيس لمرحلة جديدة في المنطقة. فمسألة العيش المشترك التي يتغنى بها اللبنانيون في أدبياتهم، لم تعد تفصيلاَ في المشهد العالمي. صارت جزءاً من قاموس المصطلحات السياسية الأوروبية أيضاً.
كل ما هو مطلوب أن يقتنع اللبنانيون أنهم محكومون بالعيش معاً، خاصة أنهم يتشاركون بالتاريخ نفسه والمستقبل نفسه والثقافة نفسها، ولن يكون ناقصاً سوى أن يخضعوا سوية لقانون واحد، يؤسس لتسوية تاريخية يمكن أن تتخطى لبنان، وصولاً ربما إلى إنهاء الصراع بين السعودية وإيران.