«قوارب الموت» وسيلة اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين للهجرة من جحيم الوطن
جريدة البناء اللبنانية-
عبد معروف:
اتسعت خلال الأشهر الماضية وبشكل غير مسبوق، موجات الهجرة غير الشرعية من السواحل اللبنانية إلى الشواطئ الأوروبية. ولا تخلو وسائل الإعلام اللبنانية بشكل يومي من خبر أو أكثر عن القوارب التي كشفتها الأجهزة الأمنية اللبنانية في عرض البحر، أو عن قوارب أخرى خرجت من لبنان وغرق من فيها عرض البحر أو قرب السواحل الأوروبية. وتحوّلت الهجرة غير الشرعية عبر القوارب البحرية إلى ظاهرة خطيرة تهدّد مستقبل وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بعد أن تحدثت معلومات أنّ عائلات فلسطينية عرضت منزلها في المخيم، وعرضت أثاثه وكلّ ما تملك للبيع لتأمين تكاليف الهجرة لسماسرة من مختلف الجنسيات. ويقول منعم عوض أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية إنّ ارتفاع موجات الهجرة وعدد المهاجرين عبر قوارب البحر أو ما يطلق عليها «قوارب الموت» كان نتيجة طبيعية لحجم المعاناة وحالة الانهيار النفسي والمعيشي وحالة اليأس والإحباط التي يتعرّض لها اللاجئ الفلسطيني في لبنان. ويضيف عوض، لقد تفاقمت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان خلال السنوات الأخيرة، بعد الانهيار المالي والمعيشي الذي يتعرّض له البلد، إلى جانب معاناة اللجوء وارتفاع نسبة البطالة والقهر والحصار. وطالب عوض من الصحافة ووسائل الإعلام تسليط الضوء على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان واتساع موجات الهجرة غير الشرعية خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتشريح أسبابها ومن يقف خلفها.
بدورها، أشارت الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين إلى تزايد عمليات الهجرة وبشكل ملحوظ خلال الأيام الأخيرة لعائلات اللاجئين الفلسطينيين من لبنان إلى دول أوروبا، لا سيما من فئة الشباب ومن كافة المخيمات والتجمعات الفلسطينية وتحديداً مخيميْ البداوي ونهر البارد شمال لبنان، وذلك عبر القوارب البحرية، ومنها من نجح ومنها من فشل. ورأت الهيئة أنّ الهجرة غير الشرعية عدا أنها تهدّد حياة من يخوض غمارها من اللاجئين والغرق في البحر، أو الوقوع فريسة بين أيدي السماسرة وعصابات تجار البشر التي تتقاسم الأموال وتفاوض على من يريد الهجرة وكأنه سلعة، فإنه يهدّد الوجود الديموغرافي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويمهّد لتفريغ المخيمات من الثقل الكمّي والنوعي للاجئين، ولما له من تأثير على تفكك للعائلات الفلسطينية وبعثرة للمجتمع الفلسطيني في دول العالم، والابتعاد جغرافياً عن الحدود مع فلسطين، ما استدعى تسليط الضوء على فرصتين بتقديرنا هامتين لإنقاذ ما تبقى من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الأولى مرتبطة بتشكيل الحكومة اللبنانية، والثانية مرتبطة بالتحضيرات لبدء الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
حسب تقديرات أشارت إليها «الأونروا» فإن 86 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، وبأن أكثر من 80 في المئة من أطفال اللاجئين الفلسطينيين الرضّع في لبنان لا يحصلون على ما يكفي من المتطلبات الغذائية للنمو الصحي، وبأنّ نسبة معدلات الفقر في أوساط اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سورية إلى لبنان قد وصلت إلى 87 في المئة، هذا وقد وصلت نسبة البطالة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى حوالي الـ 80 في المئة. معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان سبقت الأزمة الاقتصادية المدمّرة التي تمرّ بها البلاد منذ سنة 2019 بعقود، وجاء انهيار قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار وارتفاع أسعار سلع غذائية ومواد استهلاكية وأدوية. إلى أكثر من 1000 في المئة (ألف في المئة) وتراجعت خدمات «الأونروا» نتيجة العجز المالي، ليزيد الطين بلّة وليفاقم الأوضاع الصعبة للاجئين في المخيمات والتجمعات والمناطق.
وتعبيراً عن طبيعة الظروف التي يتعرّض لها وأجبرته على الهجرة بقوارب الموت، كتب أحد المهاجرين غير الشرعيين في القارب الذي تعرّض للغرق قبل يومين مقابل بلدة طرطوس السورية: “أخبروهم بأن لا أحد يضع أطفاله في قارب موت… إلا إذا كان البحر أكثر أمناً من الوطن”. ويقول أبو محمد وهو والد أحد اللاجئين الفلسطينيين الذين تمكنوا خلال الأشهر الماضية من الوصول إلى إيطاليا وهو من مخيم البداوي، باتت الهجرة المجال الوحيد المفتوح أمام الشباب الفلسطيني. فمع انسداد الآفاق الاقتصادية عموماً في البلاد، والمعاناة الخاصة التي كان يعيشها اللاجئون الفلسطينيون قبل الأزمة أيّ قبل العام 2019 (الحرمان من حق العمل والتملك والحقوق المدنية) جعلت كلّ مشاريع هؤلاء الشباب في لبنان محكوم عليها بالفشل. ما الحلّ إذا؟
أما الحاج أبو ناصر (75 سنة) فيقول: «كيف سأعيش إذا كان ثمن كيلوغرام السكر دولاراً واحداً وسلة البيض 4 دولارات؟ نحن 9 أشخاص ولا يعمل أحد سواي. صدقني، بكيت في المنزل أمس لأنني لا أستطيع شراء ما تحتاجه أسرتي، وأعرف الكثير من العائلات في المخيم يطعمون أطفالهم الخبز المغمّس بالشاي». وبرأي الهيئة 302 الحقوقية أن ما يدفع هؤلاء اللاجئين إلى الهجرة، الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردّي وغياب الأفق لأيّ حلول يمكن من خلالها رسم معالم مستقبل جيد، فهؤلاء اللاجئون منهم من استدان المال، ومنهم من باع ممتلكاته أو بيته أو حليّ زوجته، ليدفع للسمسار بحثاً عن الأمن والأمان والاستقرار، الذي حيناً يصدق وأكثر الأحيان عكس ذلك. ولكن وفقاً للمتابعين فإنّ معظم عمليات الهجرة تتمّ دون اللجوء إلى مهرّبين وبسرية تامة. المهاجرون أنفسهم يجمعون الأموال من بعضهم ليتمكّنوا في النهاية من شراء قارب وتجهيزه بكافة المعدات المطلوبة للرحلة…