قمة “لم الشمل” العربي وتصفير الأزمات
صحيفة البعث السورية-
سمر سامي السمارة:
ستتجه الأنظار إلى القمة العربية الثانية والثلاثين، والتي ستُعقد يوم غدٍ الجمعة (19 أيار الجاري) في جدة، حيث ستجري في ظلّ ظروف سياسية متجدّدة ومتغيّرة، وأمامها عدد من القضايا المهمّة والحساسة بالنسبة إلى الوطن العربي، وستكون مشاركة سورية، هي الملف الأبرز، الذي يُعنون التوجّه الحالي نحو “تصفير الأزمات” في المنطقة، بالتوازي مع الاتفاق السعودي الإيراني وما يرافقه من عمليات تهدئة في المنطقة، بالإضافة إلى الجانبين الاقتصادي والأمني اللذين سيكونان في مقدمة الملفات التي باتت تحتاج لمعالجة، حيث يمثل الجانب الأمني، ومكافحة الإرهاب في المنطقة أولوية كبيرة، في ظلّ تداعيات الأزمة العالمية، ومواقف الدول العربية من الأزمة في أوكرانيا، بالإضافة إلى جوانب إيجابية أخرى يشير لها الخبراء، والتي تتمثل في الرغبة الجادة هذه المرة، نحو “لم الشمل” العربي، والعمل على “تصفير الأزمات”، وصياغة رؤية جماعية تستفيد من أخطاء السنوات الماضية، وتعيد بلورة آليات العمل العربي المشترك في ظلّ تحديات إقليمية وعالمية.
وبالنسبة لكيفية ترجمة عودة سورية إلى الساحة العربية من الناحية السياسية، قال أيمن عبد الوهاب، نائـــب مـديـر مـركـز الأهــــرام لـلـدراسـات السياسية والإستراتيجية، إنّ عودة سورية ستنعكس في اتجاهٍ إيجابي لبعض القوى العربية الداعمة لمفهوم الدولة الوطنية والمعزّزة للاستقرار في المنطقة، موضحاً أنّ عدداً من الأطراف العربية سيعود تدريجياً إلى سورية، ولاسيما مع عودة الاستقرار والتفاعل السوري مع القضايا العربية، مشدداً على ثقل سورية الاستراتيجي الذي يوازي العراق ومصر، وهذا سيساعد بشكلٍ كبير في طرح بعض القضايا من منظورٍ مختلف، وسينعكس في العديد من ملفات المنطقة.
لقد برز هذا الانفراج بشكل أكبر بعد الزلزال الذي ضرب سورية في شباط الماضي، إذ أوجد المبرّر الإنساني لعودة العلاقات السياسية والاقتصادية. أما جوهرياً فتأتي هذه التطورات نتيجة للصمود السوري طوال سنوات الحرب التي دخلت عامها الـ12، فقد كان المخطط اجتياح الدولة السورية، وتفكيكها على غرار العراق 2003، إلا أن صمود سورية بدعم من الدول الصديقة كـ روسيا وإيران، وبقاء مناطق تحت سيادة الدولة السورية، ودخول الفصائل الإرهابية في صراعات، وتفاقم ضغط اللاجئين على تركيا وأوروبا، كلّ هذه الأمور دفعت إلى التسليم بضرورة استعادة العلاقات مع سورية، وأن لا جدوى من القطيعة معها، فضلاً عن فشل المخطط الاستعماري الصهيوني. وبالتالي، كان الصمود السوري هو الأساس في الانفراجة، لتأتي الاتفاقية الإيرانية السعودية كدفعة جديدة لتعمق هذا المسار، فبعد 8 أيام فقط من اتفاقية طهران والرياض، أعلنت سورية والسعودية عن العمل لعودة العلاقات الرسمية بينهما.
في الحقيقة، يرى خبراء أن دخول سورية مرحلة جديدة، لا يعني نهاية الأزمة إنما بداية الطريق الطويل نحو استعادة السيادة الوطنية الكاملة، واللحمة الاجتماعية، وإعادة الإعمار والتنمية، وهي تحديات صعبة مع الحصار الاقتصادي المفروض والمتمثل بفرض ما يُسمّى بـ”قانون قيصر”.
تتعارض هذه التطورات مع المصالح الأمريكية الصهيونية، وتعدّ على المستوى الدولي انتصاراً للمحور الروسي الصيني الإيراني ومحور المقاومة، ومما لا شكّ فيه أن الكيان الصهيوني سيضاعف من الاعتداءات، وستبذل الولايات المتحدة المزيد من الضغط على الدول العربية لحرفها عن هذا المسار، وربما مزيد من العقوبات الاقتصادية على دمشق.
وحول القمة العربية، يقول المحلل السياسي د. صدام الحجاحجة، إن انعقاد القمة بحضور الرئيس بشار الأسد، يمثل حدثاً يستدعي الوقوف عنده، وقراءة ما يمكن أن تحمله مخرجاتها، وخاصة في ظل تسارع الأحداث على كلّ المستويات، وهو تسارع قد يحمل معه تغيّرات مهمة لن تكون الدول العربية بمنأى عنها.
وأضاف: يأتي انعقاد القمة هذا العام في ظل استمرار التحديات القديمة، وبروز تحديات جديدة عربية وإقليمية ودولية، أقلّ ما يقال عنها، إنها تحديات مصيرية تواجه الدول العربية ومظلتها الرسمية، أي جامعة الدول العربية.
وفي تفاصيل الأولويات التي ستعرض أمام القادة العرب في قمة جدة، يقول الحجاحجة: تبرز القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، والأوضاع في سورية ولبنان وليبيا واليمن والصومال، والأمن الغذائي العربي، وملف أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، والتطورات الدولية والإقليمية الراهنة، وإصلاح جامعة الدول العربية وتطويرها، بالإضافة إلى مشاريع القرارات المرفوعة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
إن للقمة العربية أهمية خاصة، فإذا أنجزت الملفات المطروحة فستغذي البوادر الإيجابية والثقة العربية، وهي فرصة لبدء إرساء ممارسة عربية متجدّدة أكثر فاعلية واتزاناً بعد أن تمّ صدّ بعض الطموحات الأميركية، بما في ذلك زيادة إنتاج النفط لخفض سعره، وشراء كميات كبيرة من الديزل الروسي، في وقت وفرت دعماً مالياً إنسانياً إلى أوكرانيا، وتمّ استيراد القمح والمواد الغذائية من الأطراف المتصارعة.