قمة بريكس 2023: هل تنجح في تحدي الهيمنة الأميركية؟
موقع قناة الميادين-
ليلى نقولا:
تتمتع مجموعة بريكس بإمكانات هائلة، فمعدل نمو الصادرات بين دولها، ومستوى الاستثمار الأجنبي المباشر فيها، أعلى من المتوسط العالمي، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.
تفتتح القمة الخامسة عشرة لدول بريكس في جوهانسبرغ هذا العام، بمشاركة رؤساء الدول المؤسسة للمجموعة وحضورهم، ومنهم بالإضافة إلى رئيس الدولة المضيفة الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، الرئيس الصيني شي جينبينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، لكن بغياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بسبب التخوف من أن يقوم القضاء في جنوب أفريقيا بتنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
ويبدو في جدول أعمال القمة هذا العام، بالإضافة إلى مناقشة الأمور التقليدية السابقة، قضايا مهمة، هي مثار جدل وتباين في الآراء بين الدول المنضوية، ومنها: تأثيرات الحرب الأوكرانية، وانضمام دول جديدة إلى المجموعة، والعملة الموحَّدة. فما المتوقَّع من هذه القضايا، وما تأثيرها؟
1- تأثير الحرب الأوكرانية
يتفاوت تأثير الحرب الأوكرانية في الدول المشاركة في قمة بريكس، فبينما ازدادت تجارة روسيا مع كل من الصين والهند، تراجعت الصادرات الروسية إلى دول أخرى بسبب العقوبات الغربية الواسعة النطاق، والتي تمّ فرضها على صورة حزمات من العقوبات غير المسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية.
ويتطلع القادة الأفارقة إلى تلك القمة لاتخاذ قرارات مفيدة تساعد دول القارة الأفريقية على تحقيق التنمية وتطوير إنتاجها، زراعياً وصناعياً، كما يتطلع هؤلاء إلى الوعود التي قطعها كل من الرئيسين بوتين وشي للقادة الأفارقة، وخصوصاً الوعد الروسي بتأمين حاجات تلك الدول من الحبوب والأسمدة مجاناً.
2- انضمام دول جديدة
تتمتع مجموعة بريكس بإمكانات هائلة، فمعدل نمو الصادرات بين دولها، ومستوى الاستثمار الأجنبي المباشر فيها، أعلى من المتوسط العالمي، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة. وتجدر الاشارة إلى أن حصة دول بريكس من الناتج الاقتصادي العالمي ارتفعت من 18٪ إلى 26٪ بين عامي 2010 و2021. هذه المؤشرات الاقتصادية جعلت عدداً من الدول تطمح إلى الانضمام إلى المجموعة، بحيث أعربت 23 دولة عن رغبتها في الانضمام، منها المملكة العربية السعودية والجزائر وإندونيسيا وإيران والأرجنتين وإثيوبيا وغيرها.
يشكّل انضمام السعودية والجزائر تحوّلاً نوعياً في عمل المجموعة، بسبب الاحتياطيات النفطية الهائلة التي تتمتع بها الدولتان، بالإضافة إلى الحلف التاريخي الذي يربط المملكة العربية السعودية بالأميركيين، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الضغوط الأميركية على ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وتطمح كل من الصين وروسيا إلى توسيع المجموعة وضم دول جديدة، بسبب ما في ذلك من تحدٍّ للإدارة الأميركية، وتوسيع لنفوذهما وقدرتهما على فك العزلة التي تحاول الولايات المتحدة أن تفرضها على الدولتين، في إطار الصراع العالمي الجديد.
كما يطمح عدد من دول العالم الثالث إلى الانضمام إلى المجموعة والمساهمة في ترسيخ قدرة الجنوب العالمي على مواجهة وتغيير النظام العالمي السائد، والذي تسيطر عليه الآليات والقواعد الغربية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو الأمر الذي منع تلك الدول من تحقيق التنمية، ولم يساعد على نمو دول الجنوب التي تتهم الدول الغربية بازدواجية المعايير.
في المقابل، نجد أن عدة دول أخرى مؤسِّسة، كالهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، تبدو متحفظة بشأن دخول أعضاء جدد بامتيازات كاملة، وخصوصاً أن فتح باب الانضمام بصورة واسعة سيؤدي إلى كثير من التباين، فكرياً ومصلحياً، ضمن المجموعة الواحدة، الأمر الذي سيحدّ قدرتها على اتخاذ القرارات أو السير وفق أجندة ثابتة الأهداف. كما يخشى البعض أن يقوم الروس بالسيطرة على قرارات المجموعة بعد إدخال عدد من حلفائهم، فيكون لهم الرأي الراجح في أي عملية تصويت مقبلة.
وعليه، قد تتأخر عملية الاتفاق على دخول أعضاء جدد للمجموعة هذا العام، والاكتفاء بمناقشة المعايير الواضحة والشفافة، والتي يجب أن يتم قبول الأعضاء الجدد على أساسها، على أن يتاح لمن يشاء الانضمام إلى بريكس بلاس.
3- العملة الموحَّدة الجديدة
ستناقش قمة بريكس، هذا العام، مسألة إنشاء عملة موحدة للتداول بين أعضائها، وهي فكرة، إن نجحت، يعدّ كثيرون أنها ستساهم، إلى حدّ كبير، في زعزعة هيمنة الدولار على التحويلات العالمية.
وفي رأي مغاير، يَعُدّ بعض المحللين الاقتصاديين الغربيين أن اطلاق بريكس عملة مدعومة بالذهب لن يشكّل تهديداً كبيراً لهيمنة الدولار، إذ تمثل الديون الأميركية الهائلة لمعظم دول بريكس نحو 30 تريليون دولار على شكل سندات حكومية أميركية وأسهم وحسابات جارية. وعليه، فإن أي اضطراب في الأسواق سيعني إقبالاً على شراء الدولار الأميركي لأنه ما زال العملة العالمية الأكثر ثباتاً لغاية الآن، وما زال يتمتع بالثقة التي تجعله مرغوباً فيه كعملة احتياطية عالمية.
في كل الأحوال، حتى لو تمّ الاتفاق على مبدأ إنشاء عملة موحدة هذا العام، فإن الانتقال اليها يحتاج إلى حدوث تحوّل كبير في اقتصادات دول المجموعة، وهذا يحتاج إلى وقت. فعلى سبيل المثال، احتاج الأوروبيون إلى كثير من الإجراءات الاقتصادية داخل الدول الأوروبية، وكثير من الإجراءات على صعيد المجموعة الأوروبية ككل، من أجل التوصل إلى إنشاء عملة اليورو، وهذا الامر احتاج إلى عقد من الزمن تقريباً.