قمة بايدن – بوتين: اتفاق على الخطوط الحمراء؟
موقع العهد الإخباري-
عبير بسّام:
منذ الإعلان عن القمة بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، والسياسيون الأميركيين يحاولون التقليل من النتائج التي قد يتمخض عنها الاتفاق أو عن أي تغيير في العلاقة ما بين البلدين، مع أن الدعوة لعقد القمة جاءت في شهر نيسان إلا أن بايدن اقترح لها موعداً عقب قمة السبعة. عدم ممانعة الرئيس بوتين باختيار التوقيت، يظهر الكثير من حسن النوايا من أجل وقف التناحر ما بين القوتين النوويتين في العالم، ولكن اختيار التوقيت بالنسبة لبايدن مُحمّل بالكثير من الرسائل التي أراد الأخير تضمينها.
لم يكن اختيار توقيت اللقاء اعتباطياً، والذي جاء بعد جولة أوروبية قام بها بايدن في أوروبا والزيارات الهامة ذات الرموز الكبيرة في العلاقة ما بين الولايات المتحدة وما بين “حلفائها” الأوروبيين، ألا وهي مقر الاتحاد الأوروبي، ومركز حلف شمال الأطلسي في بروكسل، ومن ثم قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في انكلترا، لينتهي بعقد القمة مع بوتين في فيينا. وقد ذكر بايدن قبل مغادرته من خلال تويتر “إثبات أننا متحدون في تصميمنا على إظهار أن الديمقراطية والقيم الديمقراطية المشتركة يقدم أفضل وسيلة للرّد على أكبر التحديات العالمية”. ورأى بايدن أن ما يفعله هو كسر سنوات العزلة التي تسبب بها ترامب.
الهدف المعلن من جولة بايدن، بالتأكيد صحيح، ولكن الهدف غير المعلن هو الأهم في تلك المرحلة وخاصة بعد اعتراض جزء هام من الكونغرس ومن بينهم ديمقراطيون على لقاء القمة بينه وبين بوتين. والجولة مثلت رسائل دعم من حلفاء أمريكا لها، ورسائل تحدٍّ لروسيا وأن أمريكا ليست وحيدة، وأنّها تثق بتحالفها العسكري القوي معها. اذ اعتبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن وصول جو بايدن إلى البيت الابيض أعطى “زخماً جديداً” لأعمال المجموعة. وأهم الرسائل كانت في توحيد الموقف والتحدي الذي وجهه السبعة للصين، اعتراضاً على تطوير برنامجها الفضائي وقوتها العسكرية وبناء حاملة طائرات “رابعة” و”ممارساتها ضد حقوق الإنسان” في كل من هونغ كونغ وشينجيانغ. بالطبع هذا الكلام لم يرق للصين، التي أشارت إلى أن “الزمن الأول قد تحول”. ولكن ما أعلنته الدول السبع في مواجهة الصين هو برنامج إنمائي منافس لتطوير البنى التحتية في الدول الفقيرة والنامية، تحت عنوان “شبكة الإستراتيجية الشاملة”، في مواجهة مشروع “حزام واحد طريق واحد” والذي ابتدأت الصين به فعلياً ووقعت العقود لإقامته في عدد من دول العالم.
تستشعر الولايات المتحدة الخطر القادم من الصين ومن التحالف الذي نشأ بينها وبين روسيا وعمق الصداقة بين الدولتين الجارتين، ولكن ما زاد الطين بلة، هو التحالف الإيراني المنضم لاثنتين من أكبر دول العالم في المجال التجاري والصناعي والتطوير العسكري. وبناء عليه لا يمكن استبعاد الفرضية أن بايدن سيحاول من خلال القمة التفريق ما بين المسار الروسي والمسار الصيني وبالتالي المسار الإيراني. ويمكن قراءة ذلك من خلال الأسئلة التي وجهها مذيع الـ NBC لبوتين، حين طرح مخاوف امريكا من بناء الصين لقوتها العسكرية البحرية، وحاول اسقاط هذه المخاوف على روسيا، أو حينما طرح أسئلته حول برنامج حرب الفضاء واذا ما كانت روسيا ستشرك إيران في هذا البرنامج، وأخيراً في محاولات توجيه الاتهامات حول حريات الإنسان.
المشكلة في الطروحات التي جاءت في المقابلة مع غيرها من الطروحات هي في ما ذكره الرئيس بوتين لمذيع المحطة الأميركية عندما قارن “قانون الوكلاء الأجانب” في روسيا والمستوحى من نفس القانون في الولايات المتحدة، بما يتعلق بالمنظمات الإنسانية التي تمول من خارج البلاد والمتعلق بقانون وكالات الأنباء الأجنبية العاملة في الولايات المتحدة، حين علق على مقاطعة المذيع المتكررة له قائلاً: “أنت لا تحب إجابتي وتقاطعني، وهذا غير لائق! القانون في أمريكا وهو يعمل بصرامة. على الدول ألا تعلق على سياسات الدول الأخرى. وأنت لا تعجبك اجابتي ولا تريد أن يسمعها جمهورك، هل هي حرية تعبير أم حرية تعبير على طريقتك؟”
وفي مكان آخر شبه بوتين الموقف السياسي الأميركي بأنه ينبع من أمثولة البطل الواحد في أفلامهم، والتي تمنهجوا بحسبها. والغريب أن هذا المقدم الذي يفترض أنه من نخبة الإعلاميين الأميركيين، بدا على درجة عالية من البلاهة والتعجرف، وبدا أن المطلوب من اللقاء والقمة أن يحاكيا المخاوف الأميركية والمتطلبات الأميركية وبخاصة ما يتعلق منها بتسلح الفضاء أو التسلح النووي أو الحرب السيبرانية. وأن خطورة الحرب السيبرانية تقع على أميركا فقط، وليست على العالم بأجمعه، وأن الهدف الأساسي منها هو بحسب الـ NBC “تخريب أسلوب الحياة الأميركية”. وفي الحقيقة هذا طرح قائم بذاته ويعد مقدمة القيادات الأميركية في تبرير أي حرب أو غزو أو عداء لأيّة دولة في العالم.
بالطبع طرحت مواضيع كثيرة قبل القمة، ولكن العديد من الخطوط الحمراء الروسية رسمت قبلها، ومنها العلاقة المميزة مع الصين وإيران، والوضع القائم في ليبيا وسوريا، والوضع في أوكرانيا وبيلا روسيا. مواضيع يرى بايدن أن من الواجب أن تسير بحسب الرياح الأميركية، ولكن يبدو أن الأميركيين يفهم موقفهم بما أجابت به الصين بعد اطلاق التهديدات لها ابتداء من قمة السبعة: أن العالم قد تغير. ولكن القلق الذي تبديه أمريكا من التعاون العسكري مع إيران وغيرها من الدول مثل سوريا، لا يتعلق بتطور إيران العسكري والصناعي والتقني، بل يتعلق بوصول هذه التقنيات إلى حزب الله والمقاومة الفلسطينية واليمن. أي أنّه في نهاية الأمر أن أحد أهداف اللقاء الخفية، هو ضمان أمن “اسرائيل”.
ما أراده بايدن من خلال القمة المشتركة هو من أجل “بناء علاقة مستقرة” تراعي المصالح الأميركية، في جميع الملفات. إلا أن بوتين قد غادر القمة وحدد الخطوط الحمراء. لن يعرف أحد ماذا حدث بالضبط خلال الساعتين اللتين قضاياهما الرجلان معاً، ولن يعرف أحد، إلا اذا ابتدأت التسريبات عما حدث في الساعتين والنصف الأخيرتين، خلال الاجتماع الذي انضم إليهما فيه وزيرا خارجيتي البلدين من أجل تنسيق العمل على الملفات المطروحة. ولكن بالتاكيد لن يطول الأمر قبل أن تبدأ الاجتماعات لتحدد قواعد اللعبة الجديدة في العالم. صحيح أن التصريح جاء من قبل بايدن في المؤتمر الصحفي أننا لم ندخل في أي نوع من الحرب الباردة مع روسيا، ولكن في الحقيقة جاءت القمة لتعلن بداية حرب باردة جديدة. والأكثر من ذلك الاتفاق على الملفات بات جاهزاً ولم يبق سوى اعلان التسويات الرسمية والتي يمكن قراءتها عبر الخطوط الحمراء التي رسمها بوتين.