قطر.. مقاول ثانوي لـ “المهام القذرة”!!
صحيفة المنار الصادرة في فلسطين المحتلة عام 1948:
شهدت العاصمة البريطانية في النصف الاول من الشهر الماضي لقاء استمر خمسة ايام، ضم اثنى عشر باحثا وخبيرا ودبلوماسيا من دول غربية، لمناقشة الاحداث في الساحة العربية، هذا اللقاء “البحثي” تم في أحد مراكز البحث الاستراتيجية ، الذي ستصدر عنه قريبا دراسة وافية، هي حصيلة ما ذهب اليه المشاركون وتحديدا فيما يتعلق بالدور القطري في الساحة العربية.
(المنــار) حصلت على محاضر لمواقف واراء بعض المشاركين في اللقاء، وجاء فيها:
ـ حكام قطر وعقدة النقص ـ
قطر تعمل منذ سنوات وبشكل مريب وملفت على معاكسة الدول العربية ذات التأثير، وعلاقتها مع أنظمة هذه الدول لم تكن صافية أو ودية، ولجأت الدوحة الى استخدام كل الطرق للتدخل في القضايا والازمات في الساحات الكبرى بالعالم العربي، ودعم أحد الأطراف في هذه الساحة أو تلك، بهدف أن تسلط الاضواء عليها اقليميا ودوليا.
ولأن حكام قطر يدركون حقيقة مرة ومؤلمة لهم، وهي محدودية السكان والمساحة الجغرافية عمدوا الى استبدال هذا الواقع بأمور كثيرة افتراضية، فقرروا انشاء جمهورية على أرض قطر، ولكن، من نوع آخر وهي جمهورية “الجزيرة” الاعلامية ، وبنت قطر ترسانة اعلامية وراء هذه الواجهة، واستخدمت مئات المراسلين وبنت عشرات الاستديوهات الرئيسية في مراكز العمل السياسي في العالم العربي، واستخدمت قطر هذه القناة الاعلامية في اطلاق الاخبار ضد هذه الساحة ، ونشر الشائعات في ساحات اخرى. واثارت هذا الطرف ضد ذاك، وبرعت في اعداد التقارير ذات الاهداف غير الاعلامية بعيدا عن البحث عن الحقيقة. وهذه الجمهورية الاعلامية ليست الوحيدة التي قررت قطر اعتمادها في عالمها الافتراضي للتخلص من عقدة النقص التي تحكمت في حكام قطر وسيطرت عليهم، وقامت الدوحة باستخدام ما تمتلكه من ثروات وقدرات مالية من أجل تمويل “المعارضة” في بلدان نظر اليها حكام قطر بعين الحسد.
ـ احتضان المجموعات المعارضةـ
وعمدت قطر في أكثر من مرة معاكسة القرار العربي الرسمي، متبعة في أكثر الاحيان اسلوب المقاتل من اجل الحرية وضد الامبريالية، وهي الاكثر دكتاتورية في المنطقة، وتعتبر الوكر الجاسوسي الاكبر في الشرق الاوسط، ودعمت المجموعات المعارضة في الساحة الشرق اوسطية واحتضنتها وقامت بتمويلها وتسترت تحت مظلة القيام بمشاريع أو المشاركة في دعمها، فقطر كما جاء في وصف المشاركين في لقاء لندن كالفتى المعقد الذي يحاول دوما لفت الانتباه اليه وتحركاته، وفي كثير من الاخيان هي بهلوانية ، لكنها تؤثر سلبا على “العائلة الكبيرة”.
ـ الخلاف بين السعودية وقطر ـ
وأبرز الخلافات بين قطر والعالم العربي كانت بين الدوحة والرياض، لذلك، نشهد سباقا في عالم الاعلام بينهما، بعد مشاكسات قطرية طويلة للنظام السعودي، مشاكسات لم تسلم منها أيضا دول عربية مؤثرة ذات وزن عسكري وسباسي واقليمي كبير كمصر التي عانت كثيرا من اشاعات وأعمال تحريض من قبل حكام قطر عبر أدواته المختلفة.
ـ العلاقة القطرية الاسرائيلية ـ
ان العلاقة القوية الملفتة بين تل ابيب والدوحة اثارت كثيرا من استغراب الدول العربية، وحتى تلك التي تتشارك مع اسرائيل حدوديا وتربطها معها اتفاقيات سلام، فالعلاقات بين قطر واسرائيل عضوية وعلى مستويات عالية وفي كل المجالات والميادين.
ونقطة التحول في مشاكسات قطر “الفتى المعقد” جاءت مع انتشار وباء الربيع العربي، فبدأت تغطية غير مسبوقة في تاريخ الاعلام للاحداث التي تشهدها الساحة العربية، فكانت تغطيتها للاحداث في تونس منذ بدايتها، ملفتة جدا، وصفها البعض بأنها تغطية المستميت الراغب في حماية انجازاته واستثماراته لتحقيق الهدف الاكبر وهو اسقاط النظام التونسي، حتى أن التردد الذي شاهدناه في وسائل الاعلام الاخرى التي التحقت فيما بعد بمركب التغطية الاعلامية حسب مفهوم “الجزيرة” كان ملفتا الى درجة التجاهل في بعض الاحيان كان تجاهلا يستحق أن يوجه له الانتقاد، وطريقة التعاطي مع الاحداث التي توالت على العالم العربي كانت غريبة، وكأنها تسير ضمن استراتيجية معدة سلفا.
والجزيرة منذ بداية الاحداث وحتى الان عبارة عن بوق دعائي يمارس حربا نفسية تهدف الى اطالة حالة عدم الاستقرار في الساحات المهتزة خدمة لاهداف جهات تعمل قطر في خدمتها، فهذه هي وظيفتها في المنطقة.
هذه التصرفات من جانب قطر وسياستها اتجاه كل الدول العربية، دفعت الباحثين الى محاولة التعمق اكثر في ما يدور من خلف الكواليس.
المشاركون في اللقاء قاموا بتحليل وتسليط الاضواء على بعض الحقائق في محاولة لتركيب النصف الضائع من حقيقة موقف قطر المتضارب والمتعاكس، بعض المشاركين هم خبراء شاركوا في مهام خاصة لبلدانهم في قطر.
ـ قطر دولة دكتاتورية ـ
أحد الدبلوماسيين الامريكيين المشاركين يقول أنه يجب علينا أن لا نتجاهل حقيقة أن قطر عبارة عن دولة دكتاتورية بعيدة عن اي شكل من اشكال الديمقراطية التي تسعى أمريكا الى نشرها في العالم العربي، لكن، الملفت هنا، أن أقوى العلاقات بين الغرب وامريكا بشكل خاص وبين العالم العربي تتصدرها العلاقة بين واشنطن والدوحة التي تمول حروب وخطط امريكا وتحتضن أكبر قواعدها العسكرية، الى درجة أنها أي قطر تنفق ايضا على هذه القواعد، ويذهب الدبلوماسي الامريكي خطوة الى الامام ليتحدث عن أن قطر تستضيف علاوة على اكبر قاعدة عسكرية امريكية في الخليج، والمركز العصبي لتحركات القوات الامريكية في المنطقة ، تستضيف أحد مراكز التخطيط السياسي الامريكي لشؤون الشرق الاوسط، دون اعطاء تفاصيل وتوضيحات أكثر.
ـ قطر مقاول للمهام القذرة ـ
أحد الخبراء يرى أن هناك جهات تقف وراء قطر، وفي مقدمتها اسرائيل وامريكا، تفضل المحافظة على واجهات في الصدارة وأن تبقى هي في الخفاء، وبالتالي، دفعت قطر لتقوم بهذا الدور، فامريكا واسرائيل ودول اوروبية لعبت ادوارا مفصلية وما زالت في الاحداث التي تتعرض لها المنطقة العربية، فما يجري في سوريا اليوم على سبيل المثال وما شهدته ساحات اخرى هو من تدبير جهات خارجية في مقدمتها اسرائيل والولايات المتحدة، وعند الحديث عن قطر ودورها في هذه الاحداث يجب أن لا يعطى هذا الدور أكبر من حجمه، فقطر وحكامها عبارة عن مقاول ثانوي توكل اليها المهام القذرة، فهي اولا واخيرا في خدمة مشغليها ومنذ زمن طويل، وقطر الاداة الافضل للمساهمة في تنفيذ سياسات الولايات المتحدة واسرائيل ودول اوروبية، وهذه الدول اوكلت الى حكام قطر أدوارا قاموا ويقومون بها وينفذونها ويضطلعون بها بصورة احترافية، وفي مقدمتهم امير قطر ورئيس وزرائه، وهذه الاحترافية والاخلاص في تنفيذ التعليمات والادوار الموكلة الى حكام قطر جعلت المسؤولين الامريكيين يتحدثون عن لقاءات مغلقة واخرى علنية عن أهمية العلاقة وأهمية الدور القطري في كل ما يحدث في العالم العربي وهذا هو التوصيف الدقيق للحالة القطرية والتحولات والتقلبات في سياسة قطر، وانتقالها السريع بين الساحات وفق استراتيجيات عمل مرسومة.
وقطر تبذل جهودا كبيرة لتنفيذ المهام الموكلة اليها، وتحقق نتائج مبهرة لمن يكلفونها.
ـ السعودية … التقليد الاعمى ـ
وحول ما تقوم به السعودية، واذا ما كان هناك تقارب في المواقف او المهام التي يتم تكليف قطر بتنفيذها وتطبيقها، يرى هذا الخبير أن السعودية وخوفا من عقد اجتماعية داخلية ومشاكل سياسية مرتبطة بالنظام السياسي فيها، قد لحقت بالدور القطري على مبدا التقليد الاعمى، أملا بالهروب من مصير مشابه لما شهدته دول عربية وأنظمتها، فالرياض تحاول أن تسبح لتلحق بالسمكة القطرية وتبقى الى جوارها، وهي من أجل تحقيق هذه المهمة فان كل الوسائل لديها مباحة، وكل المحظورات قد سقطت، فسلامة العائلة الحاكمة واستمرار حكمها في السعودية مرتبط بانعكاس الصورة، اي ان تنعكس الصورة القطرية على الافعال السعودية، فتكون الافعال مشابهة ومتطابقة، ودفعت السعودية ثمنا باهظا لهذه السياسة، وعادت الكثير من الاطراف في المنطقة، واضطرت الى الانخراط والتحالف مع جماعات اسلامية بعيدة عنها فكريا، وحاولت أن تتنافس معها حتى لا تبقى عرضة لأية هجمات مستقبلية على نظامها السياسي ويرى الخبير اياه أن قطر تبيت للسعودية الكثير، ولغيرها ايضا من الساحات كالادن ولبنان والامارات وفلسطين والكويت، فهي تبقى مقاولا للمهام القذرة على حد قول ووصف الدبلوماسي الامريكي.
وخبير آخر معجب بالتوصيف الذي اعطاه الدبلوماسي الامريكي للحالة القطرية، ويضيف أن ما تقوم به قطر والسعودية هي ادوار خبيثة خطيرة مهمة بالنسبة لامريكا واسرائيل، وهما من الاطراف المركزية المستفيدة من حالة الفوضى والتشتت وعدم الاستقرار في الساحات العربية.
لكن، تنفيذ قطر والسعودية لهذه المهام التي تخدم تلك الاطراف لن يجلب لها بوليصة التأمين، ولن تكونا قادرتين على منع وصول رياح الربيع بشكلها الخليجي الى ساحتيهما، ولن تكونا بعيدتين مستقبلا عن وقوع أحداث تؤدي الى استبدال نظامي آل ثاني وآل سعود بنظامين آخرين يكونان أكثر طاعة وأكثر تقبلا في تنفيذ المهام القذرة.