قضية كاريش مدخل للصراع الدولي والإقليمي
جريدة البناء اللبنانية-
رنا جهاد العفيف:
السلوك «الإسرائيلي» المستفز لم يعد يحتمل في المنطقة، لا سيما عمن يقف خلف «إسرائيل»، دعماً ومساندة ومصالح اجتمعت ليست بالصدفة، بدءاً من توقيف ناقلتي النفط الإيرانيتين، والردّ الإيراني بشكل حاسم وسريع، وصولاً للاستبداد «الإسرائيلي» لتنقيب الغاز ومنع لبنان وسورية تحديداً من الاستفادة من ثرواتهما، فهل تكون قضية حقل كاريش، مدخلاً للصراع الإقليمي والدولي، وماذا عن خيارات الضغوط القصوى وماهيتها في حرب المفاوضات.
لا شك أنّ الغاز اللبناني قضية وطنية محقة، وحدة الموقف في لبنان ومقاومته تردع «إسرائيل»، لأنّ القضية تحوّلت إلى قضية صراع وفق المعايير السياسية، تحمل معها رياحاً عاتية لها أبعاد استراتيجية وإقليمية ودولية، الهدف منها تغيير معادلات المنطقة لتعصف بطهران نحو التصعيد، إذ ترفض إيران التحدث معها بلغة القوة، وتؤكد طهران على لسان رئيسها السيد ابراهيم رئيسي رفضها أيّ لغة قوة معها حتى أعلنت عن الإجراءات اللازمة، رداً على قرارات الوكالة الذرية، ليكون للمتغيّرات الإقليمية عنوان بارز ضمن إطار تغيير المعادلات التي تسعى إليها «إسرائيل» وواشنطن، من خلال تراجع في حساباتهم السياسية التي أدّت إلى تحريك وسيط لها في بيروت، لتفرض بذلك وقائع الاستيلاء على الغاز مقابل الشواطئ.
ومن ناحية أخرى، تابع «الإسرائيليون» باهتمام تهديدات السيد نصر الله بمنع «إسرائيل» من اجتياح الغاز في حقل كاريش ودعوا إلى أخذ التهديدات بجدية، حتى رفعت حالة التأهّب والاستنفار التام، خوفاً من أيّ ردّ فعل عقب أيّ تماد «إسرائيلي» تجاه المياه الإقليمية اللبنانية، هذا الحدث أثار تحركات سياسية أمنية قد تكون لها تداعيات أخرى، حملتها إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عندما قال: «السلوك الإسرائيلي قد يؤدي إلى تصعيد أوسع من لبنان»، وهذا له وقع سياسي وخلفيات وأبعاد تطال أمن المنطقة برمّتها، وهو تحذير يجعل من قضية كاريش تتجاوز المحلي إلى الدولي، وذلك تزامناً مع تعثر المفاوضات النووية بإعلان طهران عن خطوات جديدة في عمليات التخصيب رداً على التصعيد، وعليه يقوم الحلفاء برسم معادلات جديدة رداً على الخطر «الإسرائيلي» الذي يحدق بالمنطقة…
وفي ذات السياق اتهمت طهران «إسرائيل» بالتحريض ضدها، لتتبلور المشهدية من خلال تعثر الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها «إسرائيل» بملفات المنطقة والفوضى الخلاقة ما هي إلا غطاء سياسي «إسرائيلي» يدلّ على خلل داخلي فيها، فنصبت أعين «إسرائيل» على منظومة كاملة متكاملة في الشرق الأوسط متمثلة، بسورية ولبنان وطهران (محور)، لتعيد أمجاد الغطرسة والتوسع والاحتلال بترتيب معادلات المنطقة لصالح أميركا أولا ومن خلفها «إسرائيل»، وفقاً لزيارة بايدن المرتقبة للمنطقة.
وبالتالي تسعى واشنطن للتخطيط على قرار السيطرة بشأن الغاز عقب صراعها مع روسيا مستغلة ظروف المنطقة من توترات، لتحقق غايتها، ولكن هذا مستبعد، لأنّ لبنان وسورية وإيران واليمن وفلسطين أيضاً، يتقنون فن التفاوض السياسي بالمنطق والعقلانية، بينما «إسرائيل» بعيدة عن هذا، وهي كما شاهدناها تفاوض بالصواريخ والقبة الحديدية والاعتداءات المتكررة على سورية، وخلال ٤٨ ساعة استهدفت «إسرائيل» سورية بغارتين إحداها على مطار دمشق الدولي، وفي غزة أيضاً الأمر دون إدانات دولية وشرعية تحاكي القانون الدولي عما يجري، كلّ هذا يصبّ في بوتقة سياسية لتكسر قواعد التحالف في محور المقاومة، بما أنه يمثل منظومة في التحالف، فبأي منطق تتحدث «إسرائيل» اليوم لتحاصر لبنان على ثرواته؟ إذا نحن مقبلون على مرحلة جديدة بعناوين قد تكون سياسية وأمنية واستراتيجية جديدة على مستوى لبنان والمنطقة.