قرارات تخفيض الرواتب في #السعودية: تقشف أم نهاية عهد “المجتمع الرعوي”؟
سليمان نمر – صحيفة السفير
بدا واضحاً من ردود فعل المواطنين السعوديين عبر وسائل التواصل الاجتماعي على قرارات الحكومة السعودية بتخفيض رواتب الوزراء وكبار موظفي الدولة، والأهم وقف البدلات والعلاوات، أنه من الصعب على المواطن السعودي أن يتقبل مثل هذه القرارات التي تحدُّ، إن لم توقف، ما اعتاد عليه، وهو رعاية الدولة له اقتصادياً وصحياً وتعليمياً، وحتى اجتماعياً.
ويبدو من ردود الفعل أن المواطن السعودي أصبح يخشى من سياسة «التقشف» التي بدأتها الدولة، والذي يخشاه أكثر ألا تكون هذه سياسةَ «تقشف» فقط فرضتها ظروف انخفاض أسعار النفط وتراجع العوائد المالية للدولة، بل قلقه الأول هو أن يكون الهدفُ من ذلك إنهاءَ عهد الدولة الرعوية، وتحويل المجتمع السعودي الى مجتمع «مدني» يشارك فيه المواطن بتحمل أعباء الدولة، وطبعاً هذا يتطلب تغييرات سياسية تعطي المواطن السعودي حقوق المشاركة في صنع القرار.
ولِفهم أهمية مثل هذه القرارات وما تعنيه من تغييرات اقتصادية واجتماعية، لا بد من التأكيد أن المجتمع السعودي تعوّد أن يكون مجتمعاً «رعوياً» منذ أن أقام الملك الراحل عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية الثالثة قبل 85 عاما، حيث أعطته القبائل «البيعة» مقابل الرعاية الاقتصادية.
وهكذا استمر الأمر مع الملوك الذين خلفوا الملك المؤسس، سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله، وفق مفهوم عقدٍ اجتماعي يقول «نعطيكم البيعة ونعاهدكم على الطاعة، وتعطوننا الرعاية».
لذا، فالمواطن السعودي يُفضل العمل في الدولة، رغم أن رواتبها تبدو أقل من رواتب القطاع الخاص، ولكن العوائد المالية له من العمل في الدولة أكثر من القطاع الخاص والعمل أكثر راحةً. فالدولة تعطيه البدلات (بدلات العمل الإضافي والسفر والانتقال والمكافآت على المهام وغيرها)، ما يجعل عمله في الدولة أكثر فائدة مالياً، عدا طبعاً تأمين العلاج والتعليم المجاني والرعاية الاجتماعية.
ويُلاحظ أنه خلال العقود الأربعة الماضية من عمر المملكة، لم تزد رواتب العاملين في الدولة والقطاع العام إلا ثلاث مرات، ولكن مع بداية عهد كل ملك جديد، يُمنح الموظفون مكافآت مالية. وفي العام 2011، زيدت رواتب الموظفين، ومُنحوا راتب شهرين «منحة» من الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، والأهم من ذلك، أن نظام العلاوات السنوية أُقرّ بمعدل خمسة في المئة سنوياً، وبدا أن السبب وراء ذلك اندلاع «الثورات العربية» في تونس ومصر واليمن وسوريا.
وحكام المملكة عوّدوا المواطنين من خلال البدلات السخية الممنوحة لموظفي الدولة وعسكرييها على مفهوم «المنح» أي الدولة هي التي تمنح، حتى أنه معروف في السعودية أن شيوخ القبائل اعتادوا ان يمنحوا سنويا أموالاً من الملك وولي العهد، وحتى من أمراء المناطق، ليوزعها هؤلاء على أبناء قبائلهم، وحتى أن كبار القادة العسكريين في الجيش والحرس الوطني وقوى الامن اعتادوا على أن تمنحهم الدولة مثل ذلك.
وفي المجتمعات القبلية، أمرٌ عادي أن «الفلوس مقابل الولاء»، وهو ما يعرف في السعودية بـ «مبايعة ولي الامر مقابل رعايته».
فهل انتهى عهد «المجتمع الرعوي في المملكة، وهل أصبح مطلوباً من المواطن المشاركة في تحمل أعباء الدولة؟
القراءة الأولية لـ «رؤية المملكة 2030» التي وضعها ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والتي هدفها يحمل عنوان «وقف الاعتماد على النفط»، تشير الى ان الدولة تتوجه نحو تقليل الرعاية المباشرة التي تقدمها للمواطن الذي سيكون عليه أن يدفع ثمنا للخدمات التي تقمها الدولة له، حيث الآن يدفع رسوماً رمزية.
معظم المراقبين والسعوديين كانوا يتوقعون أن يتم ذلك تدريجياً، وعلى مراحل، وفق ما فهم من كلام بن سلمان حين قدم خطته «رؤية المملكة 2030» قبل نحو خمسة أشهر.
السعوديون، بعد رفع الدعم عن أسعار الطاقة والمياه وزيادة أسعار الكهرباء والوقود والمياه، وبعدما قررت الحكومة قبل أسبوعين زيادة الرسوم الحكومية على الخدمات المقدمة للمواطن، لا سيما البلدية منها من مطلع العام المقبل، جاءتهم القرارات الملكية بتقليص رواتب ومزايا الوزراء وأعضاء مجلس الشورى، والتي أرفقت بخفض مكافآت العاملين في القطاع الحكومي الذين يشكلون ثلثي العاملين السعوديين، في إجراء هو الأول من نوعه في المملكة، لتصدمهم وتجعلهم يتوقعون المزيد من قرارت «التقشف» الحكومية.
المصادر المالية السعودية ترى أن وراء قرارات التقشف الحكومية امس الأول الانخفاض الكبير الذي شهدته أسعار النفط خلال العامين الماضيين، والذي أدى الى تراجع كبير في حجم العوائد المالية للمملكة التي يعتمد 90 في المئة من دخلها على النفط ، فنحو 50 في المئة من نفقات الميزانية السعودية تذهب الى بنود الرواتب والأجور، والبدلات والمكافآت تعادل 30 في المئة من دخل موظفي الدولة والقطاع العام.
بالإضافة الى ذلك، فإن الاستحقاقات المفروضة على السعودية بسبب حربها في اليمن وصراعها مع الإرهاب وايران في سوريا والعراق وفي المنطقة عامة، فرض عليها التزامات مالية كبيرة وضخمة، لا سيما اضطرارها لشراء صفقات كبيرة من السلاح التي تحتاجها حروب المنطقة وأزماتها، خاصةً أنها أصبحت مسؤولة عن «رعاية» الشعب اليمني وحكومته.
ويبدو أن حجم هذه الاستحقاقات والالتزامات المالية لا يكفيها الاقتراض الخارجي، لا سيما أن المملكة غير قادرة على سحب احتياطياتها المالية من الولايات المتحدة، والتي تبلغ 115 مليار دولار، فمن هنا تم الإسراع بقرارات التقشف الحكومي التي ستنعكس على مستوى دخل المواطن السعودي.