قرابين جنيف وعرين المنتصرين!
تتسارع التطورات في المنطقة بشكل غير مسبوق. مؤشرات ملموسة كثيرة بدأت ترفع الغموض الذي كان يحيط بالعديد من الزوايا: تمارض بندر بن سلطان وتغييرات مرتقبة في المملكة تفيد بعودة ‘المقرنية’ على حساب ‘البندرية قد تبدأ بالتضحية ببندر بن سلطان على اعتاب جنيف ولا تنتهي بعودة الثنائي مقرن – عبد العزيز.
وقد يكون التفاهم المتبادل على حكومة ائتلافية في لبنان ومفاجأة الحريري لحلفائه حتى وان جاء على طريقة التكاذب المشترك المعروف تاريخيا عن هذا البلد اولى انعكاساته الاقليمية !
وغطاء ودعم سعوديين للعملية العسكرية الجارية في غرب العراق يقال ان فالح الفياض مستشار الامن القومي العراقي تبلغه من شخصية سعودية مخابراتية في عمان قد يكون سلمان بن سلطان الذي يقال انه سيدخل التاريخ بسبب فشله المدوي في كل الخطوات التي اتخذها لهز عرين الاسد في سوريا والتي ارتدت جميعا على سمعة بلاده التاريخية!
واعادة تموضع تركي على عقبي الحزب الحاكم واردوغان بشكل خاص بات معلنا من خلال مطالبة الرئيس عبد الله غول الماكينة الديبلوماسية لبلاده و’سوسلوفها’ داوود اوغلو باعادة النظر في سياسة حكومته حول سوريا!
كل ذلك في ظل تزايد المؤشرات الى خلافات خليجية ـ خليجية، لعل البارز فيها هذه الايام ذاك الذي يتنامى بين السعودية وبين الامارات التي يبدو انها تتجه الى نوع من التقارب مع قطر في ظل صراع تخوضه مع تركيا خرج جزء منه للعلن على شكل تهديدات الصحافة التركية المقربة من الحزب الحاكم بنشر فضائح لضباط اماراتيين كبار!
واشارات اردنية لافتة من الرسالة الشفهية التي تلقاها الايرانيون من عبد الله النسور حتى قبل زيارة ظريف للمملكة الاردنية الهاشمية: ان انتظرونا في طهران الى مشاركة وزير اردني رفيع المستوى في مؤتمر الوحدة الاسلامية في العاصمة الايرانية !
حراك اقليمي تظلله التفاهمات الروسية الامريكية، وتضبط ايقاعه وتيرة التفاهمات الايرانية مع الولايات المتحدة، التي يبدو انها تتقدم بسرعة على مستوى الملف النووي، بحسب التصريحات المعلنة للايرانيين الذين باتوا نجم احتفالات التسويات الاقليمية والدولية والرقم الصعب في ثباتها او انهيارها!
حراك وتفاهمات تطال كل الساحات، من العراق الى سوريا ولبنان والاردن والخليج، وبالتأكيد مصر التي تعيش ولادة نظام سياسي جديد، نجحت في عبور اولى محطاته عبر اقرار الدستور باستفتاء شعبي واتجاه الى قبول امريكي له رغم كل التحفظات والخلافات السابقة ! وكما يبدو فان ساعة الحسم الامريكية حيال السعودية التي حاولت الظهور بمظهر المتمرد، قد حانت او كما يعتقد اخرون بان ساعة تبادل الادوار الذي حاول ايجاد تبدل ميداني على ارض الميدان السورية قد فشل وبانت افتضاحاته من خلال التطاحن الجاري بين الجماعات الارهابية المسلحة والتي يستعد ما تبقى من قياداتها للهروب الكبير فيما ستهرس القواعد وتطحن على مذبح حفلة تكاذب جنيف 2 الدولية!
عشية جنيف ‘السوري’ وغداته وما بعده حكومات قد تتشكل واخرى قد تسقط اكراما او مواكبة للحاجة الامريكية الروسية لهذا المؤتمر وتفاهماته من انقرة الى عمان الى المنامة ويبقى عرين المنتصرين هو المعيار الذي يقاس به الرابحون والخاسرون!
لذلك يمكن القول وبكل ثقة واطمئنان انه وحده من راهن على سواعد المقاتلين في الجيش العربي السوري وحلفائه في سرايا جبهة المقاومة الاقليمية، وقال يوما ‘اننا نحن من يحدد سقف تفاهمات جنيف’ من حقه ان يخرج على الفضائيات اليوم محتفلا ويقول: ها انني ربحت كل المعارك واصبحت بالفعل والحقيقة رجل العام 2014 بامتياز ليس فقط باعتباري طبيب العيون الاغلى في العالم، بل والحاكم الوحيد الذي لم تهز شباكه لا لعبة ثورات ‘الربيع العربي’ ولا ‘ركلات جزاء’ جنيف!
نعم ثمة خطر لا يزال يتهدد الامة من الباب العريض الا وهو الباب الفلسطيني وهو الباب الذي لا تزال تدخل منه الرياح العاصفة دون ‘رداد’ جدي!
اذ يبدو واضحاً ان الولايات المتحدة تضغط جدياً باتجاه انهاء القضية الفلسطينية او تصفيتها في الواقع عبر تسوية من نوع ما، ترضي فيها اسرائيل في الاردن، مراهنة بالطبع على ‘مرونة ايرانية’ تعتقد انها قادرة على انتزاعها عنوة من الفريق الحاكم الجديد في طهران او على الاقل غض طرف، معتقدة بانه بامكانها ان تستخدم سوريا والبحرين كورقتي ضغط عليه!
وهنا بالذات تظهر القاهرة كلاعب اقليمي يمكن ان يصبح مهما واساسيا وجوهريا وشريكا استراتيجيا لجبهة المقاومة للمشروع الامريكي الصهيوني اذا ما تمكن من تجاوز فخ اسقاطه في لعبة تصفية القضية الفلسطينية على خلفية معركته الداخلية مع الاخوان والخارجية مع حماس!
على الضفة الاخرى يبقى الامتحان الاصعب للثوار الفلسطينيين انفسهم بفصائلهم المختلفة وبتياراتهم الشعبية، لاسيما حركة حماس اذا ما كان بامكانهم ان يخرجوا وبسرعة فائقة وبقرار تاريخي شجاع من لعبة استخدامهم احجار شطرنج في لعبة الامم مرة وفي مربعات تبرير استمرار انظمة الجور والطغيان العربية مرات ومرات و يعلنوا قرارهم التاريخي بالانتماء لجمهور الشعب بكتلته الكبيرة التي لا تقبل اقل من عودة فلسطين التاريخية من النهر الى البحر بوحدة ارض ووحدة دولة ووحدة قيادة شعبية عريضة لا تقبل القسمة على اثنين مهما كلف الامر ومهما اشتدت سرعة العواصف الدولية او تدافعت الميول والاتجاهات الحزبية العربية او الاسلامية من حولها!
محمد صادق الحسيني – صحيفة القدس العربي