قراءة في كتاب “طروحات اقتصادية في ظل الحرب على سورية”
صحيفة البعث السورية-
بشار محي الدين المحمد:
مضت أكثر من عشر سنوات على اندلاع الأزمة في سورية، وخلال تلك الحقبة عانى الاقتصاد السوري من آثار الإرهاب العسكري الذي عمل على استهداف البنية التحتية السورية وكل ما بناه الشعب السوري عبر عقود، وعلى الرغم من خطورة ذلك كان يعاود النهوض عبر منحنى متذبذب، إلا أنه يتعرّض اليوم لإرهاب اقتصادي ممثلاً بما يسمّى “قانون قيصر”، إضافة لتواطؤ بعض دول الجوار، وعوامل أخرى كثيرة.
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد أديب أحمد، أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين، ضرورة دراسة تلك العوامل، وتفصيلها، وتقديم المقترحات بشأنها في العديد من المقالات الإعلامية لكي يستفيد منها الجميع، سواء كان باحثاً أو من صانعي القرار، والاستئناس بها في اتخاذ قراراتهم المستقبلية للوصول إلى القرارات الصائبة. اختار الكاتب مجموعة من المقالات والمقابلات الإعلامية وجمعها في كتابه الإلكتروني “طروحات اقتصادية في ظل الحرب على سورية” الذي أطلقه بالتزامن مع خطاب القسم، آملاً من خلال ذلك افتتاح صفحة اقتصادية جديدة ومميزة لسورية.
يتناول الكتاب مواضيع متنوعة مرتبة حسب تسلسل الأزمات الاقتصادية التي عانت منها سورية خلال الحرب، ومنها أنه في العام 2013 ارتفعت قيمة الغذاء وأصبحت تشكل ما نسبته 40-80% من دخل الفرد، وفق إحصائيات وزارة الزراعة، كما ارتفعت نسبة التضخم إلى 50% في العام 2012، واقترح الكاتب في حينه بعض الحلول الإسعافية كزيادة المعونات والإغاثات، وخاصة بعد انكماش الاقتصاد الزراعي والتحوّل نحو الاستهلاك، وزيادة الهجرة الداخلية، حيث هاجر أكثر من 6 ملايين شخص إلى المدن الآمنة. كما دعا للاهتمام بمشكلات دعم رغيف الخبز، وتوزيع حصص الدقيق وفق التوزع الجديد للسكان.
وبعدها أشار الكاتب إلى ظاهرة تذبذب سعر الصرف بشكل حاد، وتأثر ذلك بالعامل النفسي، فالمواطن يراقب تطورات الأحداث ويتأثر سلوكه الشرائي والادخاري تبعاً لذلك، كما وصف الانخفاضات في سعر الصرف بأنها وهمية كونها ناتجة عن ضبط السوق السوداء من قبل الجهات المختصة عبر ملاحقة المضاربين دون أن يؤثر ذلك على أسعار المواد في الأسواق. وفيما يتعلّق بمجال الاستثمارات خلال الحرب قسّم الكاتب أصحاب رؤوس الأموال إلى فئتين، الأولى تتابع الاستثمار في بلدها، وتدافع عن اقتصادها مهما كانت النتيجة والمخاطرة، وفئة أخرى هرّبت أموالها نحو ملاذ آمن في الخارج مدفوعين بالخوف دون أية أحاسيس أخرى تشعرهم بالواجب تجاه بلدهم، وعلى الرغم من ذلك فإن جهات عدة رفضت العديد من المشاريع الاستثمارية التي أرادت الفئة الأولى القيام بها خلال الأزمة بمبررات واهية، حيث آثرت الجهات العامة عدم الموافقة رغم وجود العديد من المناطق الآمنة في حينه، مستشهداً بما صرّح به وزير الاقتصاد في العام 2015 أن الهجرة خارج القطر هي العامل الأساسي في رفع سعر صرف الدولار بشكل جنوني لأن كل مهاجر يحتاج 7000 دولار، وتساءل: من الذي ضخ تلك الملايين من الدولارات في أسواقنا لتمكين أولئك المهاجرين من الحصول عليها بشكل سهل، ولماذا لم تتمّ محاسبته؟.
واقترح الكاتب إيقاف جلسات التدخل من المركزي، والقيام بإجراءات تعالج الأسباب لا الأعراض، فالاقتصاد بحاجة لمشاريع تنموية متنوعة للنهوض به لا حلول عابرة ومؤقتة، كما حمّل الجهات الحكومية مسؤولية القلق الشعبي تجاه سعر الصرف بسبب عدم بثها لأرقام إحصائية دقيقة، وعدم شفافيتها حول الحالة الاقتصادية مما دفع بالمواطن إلى الانجرار وراء صفحات الفيس بوك المتلاعبة بأسعار الصرف. وناقش موضوع رفع أسعار المحروقات، وأكد أن الرفع لن يحلّ المشكلة بل سيفاقمها، وسيزيد من سعر جميع المواد، وخاصة الأساسية منها، وأكد أن الجهات الحكومية أصبحت في موقف المتفرج على الحياة الاقتصادية التي تستعر معاركها بين المواطن وتاجر الأزمة دون أي تدخل، واقترح أن يتمّ رفع الدعم، وتوزيعه على المواطنين نقداً لمنع التهريب إلى دول الجوار، وضمان استفادة الفقراء منه لا المتاجرين به. ورأى أن جائحة كورونا ستزيد من الإنفاق الحكومي على الأدوية، والعلاجات، واقترح ملاحقة المتهربين ضريبياً بشكل جديّ لتغطية حجم الإنفاق العام الزائد.
كما تناول الكتاب ظاهرة التسويق الشبكي الهرمي التي تصطاد ذوي الدخل المحدود، بمن فيهم فقراء الوطن من ذوي الشهداء والجرحى كونه يعتمد تعليم المسوّق الصغير على ترويج المنتج عبر الإبهار والخداع بهدف الربح السريع والضخم، والترويج للمنتجات باستخدام التكنولوجيا دون أية حسابات للجودة، بحيث يباع المنتج بسعر أعلى من سعره الحقيقي، وفي الوقت نفسه يسحق هذا النموذج المسوّق الصغير، ويحرمه من فرصة عمله في حال فشله باتباع أساليب الخداع لمصلحة مسوّق آخر، وينمّي أموال كبار المسوقين.
وعندما طُبق ما يسمّى “قانون قيصر” اقترح الكاتب تحويل جميع الأموال المخصّصة لدعم الاستيراد نحو دعم الاستثمار الداخلي، وإعطاء المحفزات للجميع بغية التوجّه نحو تلك المشاريع، والتشدّد في قمع التهريب، ووقف تصدير المنتجات الزراعية الخام غير المصنّعة، والاعتماد على الطاقات البديلة، والربط بين مراكز إحصائية تنشأ في الجامعات من جهة والمشاريع العامة من جهة أخرى.
كما ناقش الكتاب ظاهرة الانفلات السعري في الأسواق مؤخراً، وعزا سببها إلى ضعف تطبيق القوانين، وانفصال وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن الواقع، وتحكّم التجار والمستوردين بقرارات الوزارة. كما ناقش واقع القطاع العام، ورأى أن سبب الخسائر المتكررة له يكمن في الروتين، وضعف قرار العاملين فيه تجاه المدراء مما يشكّل نوعاً من التسلط، وهذه الخسائر المتكررة قد تسبّب خصخصة القطاع العام، وهذا أمر خطير بالنسبة للبلدان النامية.