قراءة في بيان المرجعية حول انتخابات ٢٠٢١
قناة العهد العراقية-
صلاح عبد الرزاق:
عدا بيانات التعزية ، توقفت المرجعية عن إقامة صلاة الجمعة في كربلاء بسبب تفاقم جائحة كورونا، وكانت خطبة للمرجعية في ٢٤ كانون الثاني ٢٠٢٠ من أواخر الخطب التي أكدت على (احترام سيادة العراق واستقلال قراره السياسي ووحدته أرضاً وشعباً ، ورفضها القاطع لما يمس هذه الثوابت الوطنية). في حين جاءت خطبة ٧ شباط ٢٠٢٠ التي أكدت على إجراء الانتخابات المبكرة واختيار حكومة جديدة جديرة بثقة الشعب.
يأتي بيان المرجعية الصادر في ٢٩ أيلول ٢٠٢١ أي قبل إثني عشر يوماً من إجراء الانتخابات المبكرة التي دعت إليها من قبل والتي كانت بوصلة توجه المسار السياسي. فاتفق الجميع على إجراء الانتخابات وكانت من أهم واجبات حكومة الكاظمي.
لقد التزمت المرجعية بمراقبة الأمور خلال الفترة الماضية فلم تعلق على زيادة سعر صرف الدولار أو فرض الضرائب على المواطنين وتأخر دفع رواتب الموظفين وارتفاع أسعار السلع ومنها الأغذية والأدوية وهي التي تمس معيشة ملايين العراقيين، وبالتأكيد تحظى عادة باهتمام المرجعية.
توجيهات للطبقة السياسية
تناول بيان المرجعية عدة محاور وإشارات بعضها يبدو جديداً منطلقاً من تجربة العامين الماضيين ومنها الحركة الاحتجاجية وطريقة تشكيل الحكومة.
تناولت المرجعية مصطلحات منها:
أولاً: انتقاد من يعمل خارج الدستور
وهذه الإشارة تشمل حوادث كثيرة ومواقف لجهات سياسية ومسؤولين خالفوا الدستور صراحة مثلاً استبعاد تنفيذ المادة (٧٦) من الدستور التي تخول الكتلة الأكثر عدداً ترشيح رئيس الوزراء. وصار رئيس الجمهورية (يرشح) شخصاً بينما مهمته الدستورية (تكليف) مرشح الكتلة الأكبر. كما أن بعض الكتل الكبيرة صارت تتصرف بالنيابة عن الكتلة الأكبر. كما كان أداء مجلس النواب دون المستوى المطلوب سواء من حيث تقلص عدد الجلسات أو من قلة القوانين المصوت عليها والتي تهم الوطن والشعب.
ثانياً: إبعاد الأطراف التي لا تؤمن بثوابت الشعب العراقي الكريم
إن مصطلح ثوابت الشعب العراقي يشمل جملة من المفردات منها السيادة ورفض الاحتلال كما هو الحال في ثورة العشرين التي قادتها المرجعية وزعماء القبائل. ومنها استقلال القرار السياسي ورفض التدخل الأجنبي الذي طالما حذرت المرجعية منه. ومنها احترام الشخصيات الدينية والاجتماعية والعشائرية والنخب الفكرية والأدبية لكل العراقيين بلا استثناء. ومنها التقاليد العراقية والسلوك الاجتماعي للرجل والمرأة . ومنها التمسك بالشعائر الدينية والزيارات والمجالس الحسينية. فهذه وغيرها تبقى من القيم الأصيلة للشعب العراقي، ولا يجوز الاستهانة بها أو السخرية منها من قبل أي جهة أو طرف سواء بمقال مكتوب أو قصيدة أو مشهد مسرحي أو شعارات في تظاهرة.
ثالثاً: الانتخابات هي الطريق الأسلم
وهنا يؤكد السيد السيستاني على إيمانه بالنظام الديمقراطي لإدارة الدولة وسبق له أن أعلن عن تفاصيله في خطبة سبقت انتخابات ٢٠١٨ . فالانتخابات التي هي مفردة من مفردات الديمقراطية تبقى أفضل سبيل لمعرفة حجم كل كتلة سياسية ومدى ثقة المواطنين بالسياسيين. فلا يمكن القبول بالادعاءات والدعايات بأن فلان كتلة هي أوسع جماهيرياً بل يجب أن تكون صناديق الاقتراح هي بارومتر الدعم الشعبي لهذا السياسي أو تلك الشخصية.
من جانب آخر يؤكد المرجع السيستاني على أن الانتخابات (المبكرة) هي الأسلوب الأمثل لتفادي (خطر الوقوع في مهاوي الفوضى والانسداد السياسي). وهذا ما وصلنا إليه بعد عجز حكومة عبد المهدي في معالجة مطالب الحركة الاحتجاجية منذ الأول من تشرين ٢٠١٩ والتي انتهت باستقالتها، ودخلنا في دوامة الترشيحات والجدل الذي صاحبها حتى انتهى باختيار مصطفى الكاظمي في مايس ٢٠٢٠ رئيساً للحكومة.
رابعاً: إخفاق البرلمان يعني إخفاق الحكومة
يحذر المرجع السيستاني من أن عدم اختيار عناصر جيدة لشغل مقاعد مجلس النواب يعني أن تشكيل الحكومة القادمة لن يكون بالمستوى المطلوب. فإذا وصل النائب عن طريق الغش والتزوير أو تضليل الناخبين أو شراء البطاقات والأصوات وغيرها من الأساليب، فماذا نتوقع من شكل الحكومة القدمة سوي المحاصصة ومنح المناصب للمحازيب والمنسوبين للحزب والتيار والعشيرة والعائلة دون النظر للخبرة والكفاءة والنزاهة. وهذا التحذير لا يقتصر على الشيعة فقط بل هو موجه لكل المكونات التي ستشارك في الإنتخابات وتدخل مجلس النواب وتتفاوض في تشكيل الحكومة القادمة.
خامساً: المرجعية على مسافة واحدة
إذ أكدت المرجعية على موقفها الثابت منذ انتخابات ٢٠٠٥ بأنها ( لا تساند أي مرشح أو قائمة انتخابية علي الإطلاق). وهذا تحذير واضح لمن يحاول زج اسم المرجعية في أية قضية سياسية أو انتخابية أو أمنية ، وإطلاق اسم المرجعية أو العتبات المقدسة على فصيل مسلح أو جماعة معينة. فالمرجعية ليست بحاجة لهذه الجماعة لأن الشعب العراقي كله هو من يحميها ويدافع عنها ويستجيب لها.
سادساً: أصوات الناخبين أمانة
إذ تؤكد المرجعية على الحكومة ومفوضية الانتخابات بأهمية (توفير أجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال أو السلاح غير القانوني أو التدخلات الأجنبية) في عملية الاقتراع. وأن ( يراعوا نزاهتها) وشفافيتها ، وأن (يحافظوا على أصوات الناخبين فإنها أمانة في أعناقهم).
توجيهات للناخبين العراقيين
تضمن البيان مجموعة من التوجيهات للمواطنين العراقيين الذين هم الجمهور المخاطب في بيان المرجعية. هذه التوجيهات هي:
١-المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة والمقصود دون التأثر بأجواء الدعاية وأساليب الترغيب والترهيب المستخدمة قبل الانتخابات.
٢- تكاتف الجماهير وقادتها الواعين ودفع الناس للمشاركة الفعالة في يوم الاقتراع.
٣- إبعاد العناصر غير الكفوءة وغير النزيهة وخاصة التي سبق أن خبرها الشعب في مواقعها من قبل.
٤- إبعاد الأطراف غير الحريصة على (سيادة العراق وأمنه وازدهاره) وهي تشمل جميع المواقف التي اتخذتها كتل سياسية وشخصيات مسؤولة تجاه أحداث وقرارات تمس سيادة العراق مثل التواجد العسكري الأجنبي أو التي تدافع عن تدخل الدول الأخرى في الشؤون العراقية سواء المجاورة أو في المنطقة أو الأجنبية.
إن بيان المرجعية أعلاه قد قلب حسابات الكثيرين الذين كانوا يعولون على عدم مشاركة الجماهير في الانتخابات، وأن الناخبين سيقتصر على جمهورهم المنظم فحسب. وبذلك يضمنون صعود مرشحيهم بشكل كبير. لكن بعد هذا البيان سترتفع نسبة المشاركة إلى ما يقرب من ٥٠٪ بتدفق الأغلبية الرمادية المترددة. إذ أن جماهير شيعية غفيرة تجد أن بيان المرجعية هو أمر واجب الطاعة، وستشجع الرجال والنساء والشيبة والشباب للمشاركة الفعالة، الانتخابات المبكرة استحقاق وطني وسياسي وشعبي للخروج من الأزمات والتقاطعات التي أنهكت البلد.