قراءات في “الغارة الإعلامية” لحزب الله
صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ
ناصر شرارة:
“الغارة الاعلامية” التي نفذها «حزب الله» في جنوب لبنان على الحدود مع اسرائيل، تقصّدت إيصال غير رسالة في وقت واحد، أبرزها، بحسب تحليل محافل ديبلوماسية غربية، يقول انها موجهة الى قاعدته الشعبية التي تسرّبَ الى مسامعها في الآونة الاخيرة كثير من السيناريوهات التي تتحدث عن إمكانية ولادة اقتناع لدى اسرائيل مفاده أنّ الحزب أنهكته الحرب في سوريا وساهمت في تشتيت قواه، ولذلك قد تبادر الى استغلال وَهنه العسكري لتوجيه ضربة له في لبنان.
وفي رأي هذه المحافل، انّ الحزب نفّذ غارة اعلامية على الحدود اللبنانية مع اسرائيل، ليقول لقاعدته الشعبية: “أنظروا ماذا تفعل اسرائيل وراء الحدود فهي تبني التحصينات لحماية جنودها وتحسّباً من قيام الحزب بضربها في عمقها الميداني”.
هذه الرسالة تريد رفع معنويات قاعدة الحزب الاجتماعية والاشارة بالصورة والصوت من الميدان الى انّ جانب الحزب من منظار اسرائيل لا يزال مُهاباً، بل اكثر مهابة من أيّ وقت مضى.
الى هنا قراءة المحافل الغربية لرسالة الحزب كما تجسّدت امس الاول من خلال تنظيمه زيارة اعلامية لاستطلاع ما تقوم به اسرائيل من تحركات عسكرية وراء خط وقف العمليات العدائية في الجنوب، وقد سمّاها البعض “استعدادات هجومية”، فيما الحزب عرض لها أمام الاعلام بصفتها اجراءات تحصينية تظهر تسليم اسرائيل بعجزها العسكري عن تنفيذ ايّ حرب ضد الحزب.
لا شك انّ في الحزب، بحسب مصادر لبنانية، من أراد من هذه “الغارة الاعلامية” توجيه رسائل اخرى في غير اتجاه، اهمها إحباط ما يعتبره بروز موجة رهانات لدى لبنانيين على “مرحلة ترامب” المتّسِمة بأنها تعلن التوجه الى ضرب النفوذ الايراني في دول المشرق، في سوريا والعراق ولبنان.
الحزب في رسالته من الجنوب اراد القول “نحن جاهزون للمعركة”، والوقائع تظهر انّ اسرائيل تتحصن دفاعياً داخل معادلة النزاع المفتوح مع «حزب الله»، وعليه ليس هناك صدقية للعودة الى بورصة رهانات انتظار ضعف الحزب.
ما تقدّم يظهر انّ “الغارة الاعلامية” هي جزء من لجوء «حزب الله» الى استخدام مدفع في ترسانة حربه النفسية متعدد الفوهات الداخلية والاسرائيلية والاقليمية. ولكن ابعد من موجبات الحرب النفسية وتشعباتها الداخلية والاسرائيلية المهمة، توجد ايضا معطيات أخرى حتّمت هذه الجولة الاعلامية التي كان الحزب يعرف مسبقاً انها ستستدرج انتقادات لبنانية ضدها:
ـ أولى هذه المعطيات تتصل بقراءة «حزب الله» لـ”مرحلة ترامب”، بكلام آخر تحسبه الى حقيقة انّ الرئيس الاميركي الجديد هو كتاب غير مقروء، ومن المغامرة الاعتقاد بجزم أن في الامكان توقع خطوته التالية. وعليه يظل السؤال وارداً: “هل يغامر ترامب في مكان ما ضد الحزب؟ وهل يساير اندفاع اسرائيل للقيام بمغامرة عسكرية في لبنان؟.
آخر قراءة منقولة عن اعلى المراجع في الحزب تعود الى فترة وجيزة خَلت، وتتعلق بالاجابة عن اسئلة حول ما اذا كانت هناك انعكاسات سلبية على لبنان ستحدث نتيجة عودة النزاع الايراني ـ الاميركي في المنطقة الى مربعه الاول، لم تكن متشائمة، مع ملاحظة انّ هذه القراءة حصلت قبل القصف الاميركي لمطار الشعيرات، واستبعدت الى حد كبير جداً ان تكون هناك انعكاسات سلبية لتدهور العلاقة الايرانية ـ الاميركية في المنطقة، على لبنان، والمرجح ان يبقى لبنان في مناخ سلاسة الهدوء الامني النسبي السائد.
ـ ثانياً، الهجمة الاميركية المتوقعة على ايران، ستظل محكومة تحت سقف معادلة تصعيد محسوب لأنّ الاميركيين يعرفون انّ اطراف محور المقاومة هم على الارض اقوى من الاميركيين، سواء في العراق او في سوريا او حتى في لبنان.
ـ ثالثاً، «حزب الله» في الموضوع الداخلي وفي شأن قانون الانتخاب العتيد، سيعمد الى مراعاة هواجس المكونات اللبنانية وزعمائها، ولكنه لن يتخلى عن حقوق حلفائه في الطوائف الأخرى بالتمثُّل في مجلس النواب وذلك عبر انتاج قانون انتخاب يضمن هذا الامر.
والسؤال الذي يطرح نفسه على هذا الصعيد، هو: هل أدّت ضربة ترامب لمطار الشعيرات الى تغيير في قراءة الحزب للوضع في المنطقة، وبالتالي انعكاسات أزمتها الذاهبة الى التصعيد، على لبنان؟
لا تتوافر بعد اجابة شافية عن هذا السؤال، ولكن الأكيد انّ تدخّل «حزب الله» العسكري في سوريا، خلق ترابطاً عسكرياً عضوياً، بين جبهتين يوجد لإيران و«حزب الله» انتشار استراتيجي فيهما، الاولى الجبهة القائمة في جنوب لبنان والثانية الجبهة الآخذة في التشكل في جنوب سوريا.
وتكشف أحدث المعطيات على هذا الصعيد عن تبلور مسعى اميركي لحشد اقليمي ودولي تحت رعايته، وذلك انطلاقاً من الاردن الذي يملك، بالاضافة الى اسرائيل، حدوداً طويلة مع جنوب سوريا. والهدف المعلن لذلك الحشد هو خوض حرب لإخراج “داعش” من منطقة الجنوب السوري، اما الهدف المضمر فهو ايضاً اخراج كل التعبيرات العسكرية الايرانية وعلى رأسها «حزب الله».
هناك خشية من ان تبدأ الحرب المقبلة ضد «حزب الله»، في جنوب سوريا، وان يواجه خلالها الحزب التحالف الدولي وليس اسرائيل مباشرة. وثمة استنتاج يخشى من انّ الحرب في جنوب سوريا قد تتدحرج الى جنوب لبنان، بحيث تصبح اسرائيل طرفاً مباشراً فيها، وتصبح تعقيدات إبعاد ايران عن الحدود السورية مع اسرائيل أصعب ما يهدد بحرب إقليمية تنقل النار السورية الى المنطقة كلها.
قبل نحو ثلاثة اسابيع تسربت معلومات تفيد انّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو فاتَح موسكو بمبادرة وافقت بموجبها اسرائيل على عودة الجيش السوري الى خط الهدنة مع الجولان المحتل، شرط ضمان إبعاد «حزب الله» عشرة كيلومترات الى الوراء عن الحدود السورية ـ الاسرائيلية. دمشق رفضت المبادرة لأنها ليست في وارد القبول بأيّ عودة مشروطة لجيشها الى مواقعه عند الحدود مع الجولان المحتل.
ومنذ ايام عدة نفذت طائرات عراقية غارات على منطقة البوكمال السورية حيث قواعد لـ”داعش”. هذه الغارات تضمنت هدفاً سياسياً وليس عسكرياً، وهو اعلان انّ بغداد لا تزال ضمن محور ايران الممتد من طهران فالعراق فسوريا فلبنان.
وانّ خطط ترامب واسرائيل للفصل بين خطوط إمداد هذا المحور، لعزل سوريا عن ايران والعراق وذلك عند نقطة البوكمال على الحدود السورية ـ العراقية، ليست مقبولة وستتم مقاومتها. واللافت انّ رسالة حكومة العبادي وجِّهَت بوسائل عسكرية، تماماً كما كان لافتاً انّ رسالة “الحزب” توسّلت السلاح الاعلامي للتأشير الى انّ جبهة ترامب في جنوب سوريا لديها خاصرة ضعيفة في جنوب لبنان.
وفي المختصر انه مع اتجاه واشنطن الى المضي في مشروع قطع أواصر الصلات بين دول المحور الايراني يؤكد هذا المحور في المقابل “وحدة جبهاته في المشرق” وتصميمه بكل اطرافه على القتال لإبقائها مفتوحة بعضها على بعض.