قبيل إقرار بند “المعقولية”.. مآلات المشهد الإسرائيلي الداخلي
موقع قناة الميادين-
وسام أبو شمالة:
بند المعقولية هو مشروع تعديل للقانون الأساسي سيمنع محاكم العدو، بما فيها المحكمة العليا، من تطبيق ما يُعرَف بمعيار المعقولية على القرارات التي تتخذها الحكومة.
قبل أن يشكل رئيس وزراء العدو، بيبي نتنياهو، حكومته الحالية، نشرت مقالاً بعنوان “المشهد الإسرائيلي الداخلي من الاستعصاء إلى الاستقطاب”، بتاريخ 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، أكدت فيه أن الانقسام العميق داخل مجتمع العدو مرشح للتفاقم والصدام، وقدّرت أن المعارضة الإسرائيلية ستلجأ إلى الشارع وهو ما حدث بالفعل. وربما لم يتفق معي عدد لا بأس به من المتخصّصين بشأن مآلات فوز اليمين الفاشي، إلّا أن سياق الأحداث يثبت صحة ما أشرنا إليه، وسأُعيد نشر فقرتين من المقال:
“الائتلاف اليميني سيسعى لحملة منهجية للقضاء على نفوذ اليسار في المؤسسة القضائية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة حدة الاستقطاب والتنافر داخل مجتمع العدو بشأن منظومة القضاء والقانون، وهو ما يؤدي إلى تراجع حادّ في ثقة مجتمع العدو بمؤسساته… إن إقدام حكومة نتنياهو على سَن قوانين لتقليص صلاحيات السلطة القضائية، قد يُفضي إلى استقالات وخروج احتجاجات شعبية حاشدة، وهو ما يزيد في مخاطر تحوّل الاحتجاجات إلى تصادمات في الشارع الصهيوني بين المؤيدين لسياسات حكومة اليمين والمعارضين لها”.
“تؤكد أغلبية المؤشرات أن بيئة العدو الداخلية مرشحة لمزيد من الاحتقان، وأن التهديد الداخلي، الذي حذّر منه عدد من قادة العدو ورموزه ومفكريه، بات مرئياً وواقعاً، وهو لم تنشئه حال الفراغ السياسي في الأعوام الأربعة الأخيرة، بل كشفته وأزاحت الغطاء عنه”.
للأسبوع الـ 29 على التوالي، يشارك مئات آلاف الإسرائيليين من معسكر المعارضة في مظاهرات واسعة، احتجاجاً على مشاريع القوانين التي يسعى الائتلاف الحكومي لإقرارها، والتي تهدف، بحسب رأيهم، إلى تغيير قيم “الدولة” وهويتها، وتحويلها من ديمقراطية ليبرالية إلى استبدادية دينية. وتركَّزت احتجاجات الأسبوعين الأخيرين، بعد إقرار ما يُعرَف بمشروع قانون “حجة المعقولية”، في القراءة الأولى في كنيست العدو، ويعتزم الائتلاف إقراره في القراءتين الثانية والثالثة، يوم الإثنين المقبل. وتخللت الاحتجاجات اشتباكات مع شرطة العدو، أدّت إلى سقوط جرحى واعتقالات، كما هدد المئات من قوات الاحتياط، في تشكيلات عسكرية متعددة، ولا سيما سلاح الجو، بعدم التطوع في الجيش في حال تم إقرار بند المعقولية. وأعلن مؤخراً 1142 ضابطاً في سلاح جو العدو عزمهم التوقف عن التطوع، إذا أُقر التشريع في الكنيست من دون اتفاق واسع.
بند المعقولية هو مشروع تعديل للقانون الأساسي سيمنع محاكم العدو، بما فيها المحكمة العليا، من تطبيق ما يُعرَف بمعيار المعقولية على القرارات التي تتخذها الحكومة. ويهدف إلى حماية حق الجمهور من القرارات التعسفية للحكومة.
في ضوء الاحتجاجات الواسعة على مشروع القانون، وفشل المفاوضات بين الائتلاف والمعارضة في بيت رئيس العدو هيرتسوغ، يتجه المشهد الإسرائيلي الداخلي إلى مزيد من التأزيم في مختلف المستويات.
قانونياً، في حال أقر كنيست العدو بند المعقولية فقد تقدم ما يُسَمّى “المحكمة العليا” على إلغاء القانون، الأمر الذي قد يؤدي إلى أزمة دستورية، كونه قانونَ أساسٍ وليس قانوناً عادياً. ووفقاً للمحكمة العليا، توجد قيود على سلطة الكنيست لسن قوانين أساس، في ضوء عدم وجود دستور في الكيان.
في حال إقرار القانون، فإن الائتلاف الحكومي سيتمتع بصلاحيات إضافية، تمكنه من الحد من سيطرة اليسار على السلطة القضائية. وربما تكون الخطوة الأولى فصل المستشارة القضائية، التي يتهمها الائتلاف اليميني بأنها يسارية، على نحو سيؤدي إلى تطور الأزمة الدستورية بين السلطات إلى ما يشبه المعركة بين السلطات.
على صعيد الشارع المنقسم، فإن إعلان اليمين الصهيوني تنظيم مظاهرة مليونية يوم الأحد المقبل، في شارع كابلان في “تل أبيب” المحتلة، معقل اليسار، تأييداً للحكومة قبل ساعات من إقرار مشروع قانون المعقولية، في القراءتين الثانية والثالثة، وإعلان المعارضة تصعيد احتجاجاتها اليومية، وانضمام قطاعات متعددة إليها، كالأطباء والمحامين، وأصحاب الشركات التكنولوجية وجنود وضباط، منهم رؤساء أجهزة سابقة، كـ”الشاباك” و”الموساد”، وإعلان عدد منهم تأييده التهديد بترك التطوع في الجيش، بالإضافة إلى لجوء المحتجين والمؤيدين إلى أساليب جديدة أكثر عنفاً، وإعلان المحتجين الانتقال من مرحلة ما سمَّوه التشويش إلى الشلل الكامل، وتعطيل الحياة العامة في الكيان، أمرٌ ينبئ بحدوث صدام في الشارع بين الكتلتين المؤيدة والمعارضة، وقد يسقط قتلى وجرحى في المرحلة المقبلة، ولا نستبعد تنفيذ عمليات اغتيال داخلية.
على صعيد جيش العدو، فهو في قلب الانقسام، واعترفت قيادته بأن الضرر وقع بالفعل في صفوف الجيش، وباتت قيادة جيش العدو تخشى انتشار ظاهرة رفض أداء خدمة الاحتياط، وإمكان انتقال العدوى إلى الجيش النظامي في ضوء انعدام الحلول الجذرية لمواجهة الظاهرة.
انعكس الانقسام الداخلي في مجتمع العدو على خشية مستوطنيه من اندلاع حرب أهلية، فلقد نشرت مختلف مصادر العدو الإعلامية استطلاعات رأي، عبر فيها نحو 67% من الإسرائيليين عن خشيتهم من اندلاعها، وتراجع معدل الانتماء إلى “الدولة” من 66% في النصف الأول من العام الماضي إلى 46% في النصف الأول من العام الحالي.
سياسياً، تشهد العلاقات بين حكومة العدو والإدارة الأميركية توتراً ملحوظاً، على خلفية التعديلات القضائية. وأشار الصحافي الأميركي، توماس فريدمان، في مقاله في صحيفة “نيويورك تايمز”، إلى أن إدارة بايدن ستعيد تقويم علاقاتها بـ”إسرائيل” في حال أصرّت حكومة نتنياهو على إنفاذ التعديلات القضائية، واستمرت في سياستها تجاه الضفة الغربية المحتلة، كما أنه تم نفي أميركي علني لما تحدث عنه نتنياهو بشأن أنه تمت دعوته من بايدن إلى زيارة البيت الأبيض.
يتضح من مسار الأحداث داخل مجتمع العدو أن المشهد الداخلي مفتوح على مزيد من التوتر، في ضوء وصول كل محاولات التوصل إلى حلول للأزمة إلى طريق مسدود، الأمر الذي يؤكد أن حالة الانقسام الداخلي للعدو هي حالة عميقة ومتأصلة، ولا يمكن ردم الهوة بينها. وستشهد المرحلة المقبلة انضمام مزيد من القطاعات المدنية والاقتصادية والعسكرية للاحتجاجات، وستتشكل في المقابل جماعات شعبية مؤيدة للائتلاف، على نحو سيُحدث صدامات في الشارع بين الطرفين، كما سيؤدي المصادقة على مشروع المعقولية إلى أزمة دستورية، ولن تتراجع حكومة العدو عن الخطوات المقبلة، ومنها تغيير لجنة تعيين القضاة. وستنتقل الازمة بين السلطات إلى معركة بينها، الأمر الذي سينعكس على اقتصاد العدو، كما سيستمر الفتور بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن إلى أن يتضح الساكن الجديد في البيت الأبيض بعد أقل من عام ونصف عام، لكن حتى تاريخه لن تشهد العلاقات تغيرات دراماتيكية بين الطرفين.