في ذكرى التحرير.. رسائلُ ردعٍ وقوةٍ وثبات
موقع العهد الإخباري-
شارل أبي نادر:
منذ ٢٣ عامًا وحتى اليوم، يثابر لبنان بجيشه ومقاومته وشعبه على الاحتفال بذكرى التحرير من الاحتلال الإسرائيلي الذي اندحر مرغمًا للهروب من جهنم الضربات الموجعة، والتي عجز عن مواجهتها أو استيعابها، وحيثما كانت تتفاوت الظروف المحيطة بكل احتفال، وطنيًا أو اقليميًا وحتى دوليًا، وبالتالي طالما كان لها بعض التأثير على أجواء المناسبة، تأتي ظروف الاحتفال بالذكرى هذا العام مشبعة بكثير من المعطيات المختلفة، والتي تعطي الصراع التاريخي بين الكيان المحتل وبين محور المقاومة بعدًا استثنائيًا، أضاء عليها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في كلمته بالامس بذكرى التحرير، وذلك على الشكل التالي:
“اليوم لا “إسرائيل كبرى” من النيل إلى الفرات ولا “إسرائيل عظمى”، وبحسب قول السيد، هذا انتهى عام 2006 مع لبنان و2008 مع غزة، و”إسرائيل” باتت اليوم تختبئ خلف الجدران والنيران، وباتت تعجز عن فرض شروطها في أي مفاوضات مع الشعب الفلسطيني”.
من كلام السيد أيضًا، يمكن أن نستنتج أن “اسرائيل” اليوم، انتقلت من الهجوم إلى الدفاع، وهم: “فشلوا في تعزيز قوة الردع لديهم، وأدركوا أنهم سيدفعون ثمن كل اعتداء، والتهديدات الإسرائيلية الأخيرة تأتي بعد فشل الاحتلال في مواجهة عملية “ثأر الأحرار”، كما أنّهم تراجعوا عن تهديداتهم الأخيرة بسبب الهلع في المستوطنات وبعد مناورة حزب الله الأخيرة، وقد تراجعوا عن تهديداتهم بسبب تراجع السياحة وانهيار عملة الشيكل لديهم مقابل الدولار”.
وليتوجه السيد بتحذير جدي للعدو – والأخير يملك خبرة واسعة في جدية تحذيرات سماحته – بأن عليه أن يخاف، وأن ينتبه، وألّا يخطئ في التقدير، وألَّا يرتكب أي خطأ في أي بلد قد يؤدي إلى الحرب الكبرى، لان الحرب الكبرى في المنطقة ستودي بكيانه إلى الهاوية والى الزوال”.
طبعًا، هذا المسار الانحداري الذي وصلت اليه “إسرائيل”، والذي صوره بأمانة سماحة السيد نصر الله بخطابه أمس، فرضته المقاومة خلال مسار طويل وشاق من العمل والتعب والصبر والتضحيات، بدأ مع بدايات الاحتلال الصهيوني للبنان، وتطور مع اضطرارها إلى تغيير واستبدال عدة مفاهيم في عقيدتها العسكرية، كانت “إسرائيل” تعتبر أنها ثابتة ومحصنة، لتجد نفسها، وبعد تجربة المواجهة التاريخية مع المقاومة قبل الاحتلال ومع التحرير، مرغمة على التخلي عنها وتطويرها، بما يتلاءم مع محاولة استيعاب ومواجهة ما فرضته المقاومة من معادلات ومن قواعد اشتباك وقتال.
فالحرب أو المعركة التي أرادتها “اسرائيل”، ومن خلال أهم مبدأ من مبادىء عقيدتها القتالية، حربًا في أرض الخصم، أصبحت على أرض الكيان وفي كامل مناطق فلسطين المحتلة، عبر الصواريخ والمسيّرات المتعددة الامكانيات والميزات والمهام، أو عبر التهديد الدائم بالاختراق والدخول إلى الجليل أو إلى أي منطقة فلسطينية محتلة، بمواجهة لبنان أو سوريا أو في محيط غزة أو بمواجهة الضفة الغربية.
ومبدأ تطوير وتوسيع أنظمة الدفاع الجوي والقبة الحديدية، والتي أرادتها مظلة حماية لا يمكن اختراقها أو تجاوزها، أصبحت اليوم “إسرائيل”، تطمح إلى أن تتجاوز نسبة نجاحها الخمسين بالمئة.
وطيرانها الذي طالما كان وما زال متفوقًا نظريًا، والذي طالما كان ذراع الكيان الأخطر والأكثر حسمًا، أصبح اليوم فولكلورًا، وفقط للتدريب وللمناورات، مع بعض الاستثناءات في عمليات الاغتيال الغادرة لقادة المقاومة ولأطفالهم، ومع فرض وتثبيت المقاومة لمعادلات الردع وعدم الاعتداء، تعطلت قدرات القوة الجوية الصهيونية، خوفًا من أسلحة الردع التي نجحت المقاومة في امتلاكها وفي إدارة معركتها.
على المقلب المقابل، ومع الأخذ بعين الاعتبار لكل ما حققته المقاومة بكافة أطرافها وساحاتها من تطوير لعملها ولاستراتيجية المواجهة ضد الكيان، في القدرات والتجهيزات وفي الأسلحة النوعية، أو في تكتيكات القتال وفي تنويع عناصر المناورة، يبقى العامل الأساس، وكما أشار السيد وشدد بكثير من التركيز والاهتمام، للشخص، للعنصر الفردي، للمقاوم، قائدًا أو كادرًا أو مقاتلًا، لقدراته الذاتية، الإنسانية أولًا، في الايمان والالتزام والصبر والترفع والاستعداد للتضحية، وثانيًا لقدراته الشخصية الجسدية أو الفكرية، التي وهبها له الخالق أو المكتسبة من التدريب ومن الخبرات والتجارب الحية في الميدان.
وهنا بيت القصيد في هذا الصراع، حيث هذا الأمر لا ولن يتوفر لـ”اسرائيل”، حيث يغيب لديها هذا العامل الشخصي، وهي النقطة الأساس في هذا الصراع الوجودي مع العدو، لتبقى هي الفاصل والحاسم، وبها ومعها سوف تنهزم “اسرائيل” وسوف تُزال من الوجود أو على الأقل ينتهي احتلالها ووجودها في المنطقة.