في ذكرى إنتصار الثورة الإسلامية: بيان الخصائص والأسباب الرئيسية لتبلور الثورة الإسلامية
صحيفة الوفاق الإيرانية:
في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية ننشر نص اللقاء الذي جرى بين الإمام الخميني (رض) والكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، والذي كان يرافق هيكل الكاتب الصحفي المصري فهمي هويدي.
هذا وكان هيكل من المعجبين بشخصية الإمام الخميني قدس سره الشريف وأجرى حوارين مع الإمام الراحل وقام بتأليف كتاب عن سماحته، وفيما يلي قسم من نص الحوار الأول الذي اجراه “هيكل” مع سماحة “الامام الخميني (رض)” في باريس، نوفل لوشاتو، فيما يتعلق بموضوع: بيان الخصائص والأسباب الرئيسية لتبلور الثورة الإسلامية وضرورة سعي المفكرين لتوضيح الثورة الإسلامية، فإليكم نص الحوار نقلا عن القسم العربي في موقع الامام الخميني (رض).
س: كيف ترون الحركة الإسلامية بالمقارنة مع زمن الرسول الأكرم (ص)؟
ج: الحركة الحالية في إيران مثال لحركة صدر الإسلام وسيكون لها تأثير عميق طويل جداً في مدة يسيرة.
س: ما هي أسباب اتساع الحركة الجديدة، على الرغم من المعنويات المحبطة واليأس الظاهر على الناس؟
ج: هذا اليأس كان موجوداً في كافة الدول الإسلامية، ويعزى إلى قوة تأثير الدعايات الغربية والأجنبية، التي شملت سيطرتها جميع البلدان الإسلامية شمولاً لم يبق أملاً لإنقاذ شعب إطلاقاً.
أما الآن فنحمل ظهور هذه الحركة واليقظة أن تلتحق بها جميع الدول الأخرى، وما هذا باحتمال ظني، بل هو أقرب ما يكون إلى التأكيد أن المسلمين سيتحررون من هذه السيطرة سائلاً الله (تعالى) أن يتحرر مسلمو العالم، وتتحقق آمالهم.
س: هل تتوقعون استمرار الحركة الإسلامية الإيرانية وانتقالها أيضاً إلى بقية الدول؟
ج: من المؤكد دوام واستمرارية هذه الحركة لدى المسلمين الإيرانيين، لكن إيران تحتاج إلى من يساندها من الخارج، كمساعدتها اعلامياً، ووجود كتاب كبار يؤدون واجبهم الديني في مثل هذه الأحوال بأقلامهم المقتدرة، وايصال قضاياهم إلى شعبهم وإلى جميع شعوب العالم، وهذا من الأسباب التي ترفع معنوية الشعب الإيراني، حتى يستمر في مسيرته بخطى ثابتة.
س: كنت في إيران في العامين 1950 و 1951 (في ذروة نضال ضد الإنجليز) وكتبت أول كتاب لي حول إيران، برأيكم ما هو الفرق بين النضال في تلك الأيام والنضال في هذه المرحلة؟ ولماذا هزمت الامبريالية الحركة في تلك الأيام؟
ج: برأيي أن الحركة الحالية أكثر رسوخاً من الحركة أيام المرحوم الدكتور مصدق فالحركة في ذلك الوقت سياسية محضة في حين أن الحركة الحاضرة لها صبغة دينية أكثر، وفي إيران كل الشعب مسلم. وهناك طبقات كثيرة لا تعرف شيئاً عن السياسة، لكنها تحب الدين كثيراً.
فجميع القرى تردد الشعارات نفسها التي ترددها المدن- وهم يحثونكم على الذهاب لرؤية خطابهم، ومطالبهم هي نفس مطالب أهل المدن. فكل الشعب من الصغير في الابتدائية حتى الكبير في احتضاره يرددون بصوت واحد هذه المطالب، وهذه الشعارات والمطالب تعم الوطن كله ولا أحد يجادل أن هذه الحركة اسلامية سياسية.
أما الحركة الماضية، فكانت سياسية فقط، والحركة الحالية أكثر عمقاً والأمل بانتصارها أكبر، وأتمنى أن لا يتمكنوا من إخماد إرادتها.
س: نحن أيضاً نتمنى ان تنتصر هذه الحركة. وأنا في الحقيقة أفتخر أنكم أتحتم لي الفرصة وسمحتم بهذا الحديث، ولكن كلنا نسأل انفسنا هل ستصل هذه الحركة إلى أهدافها؟
الآن الحركة دينية وإسلامية من كافة النواحي، والسياسة تدخل فيها أيضاً، فالإسلام دين سياسي، والسياسة ضمن هذه الحركة. حسناً زوروا إيران الآن، وشاهدوها عن قرب- فستلاحظون ماذا حدث اليوم وما كان في الأمس.
المشكلات كثيرة، والدول العظمى موجودة، وهم يتخوفون كل الخوف من حركتنا، لكنهم لا يستطيعون فعل شيء، إلا إذا أرادوا أن يتدخلوا بالقوة، فنحن ضعفاء ولا نستطيع مواجهتهم عسكرياً، وبغير ذلك لن يحالفهم نصر لا بالحكومات، ولا بالانقلاب العسكري، أو الحكومة العسكرية وغيرها ولا بانقلاب عسكري واسقاط الشاه (المقبور) بذاته أيضاً. فعمق الحركة وصل إلى حد حلت فيه جميع هذه المسائل، فالدولة العسكرية والحكومة العسكرية ليست لها أهمية لدى الشعب.
واليوم نرى الشعب يتظاهر من أجل الإسلام وفي ذلك الوقت (مصدق) كانت المظاهرات من أجل النفط. وهناك فرق بين تحرك الشعب من أجل مصالحه وتحركه في سبيل الله. فالحركة في تلك الأيام مادية وهي اليوم معنوية، لذلك تشبه صدر الإسلام، ونحن نأمل التوفيق والنجاح. هذا لا يعني أننا لسنا قلقين. بالتأكيد القلق موجود في نضال كهذا، فجميع المحافل السياسية في العالم مهتمة بإيران، ويريدون سحق هذه الحركة الإيرانية.
وهذا لا يعني أننا لا نعلم ولا نقلق، ولكننا قد أدّينا وظيفة شرعية، ولبينا أمراً إلهياً، وهذا هو منطق صدر الإسلام، وهو المنطق نفسه الذي يقول: إذا قُتِلنا نذهب إلى الجنة، واذا قَتلنا نذهب إلى الجنة، وإذا هزمنا نذهب إلى الجنة وإذا انتصرنا نذهب إلى الجنة. لذلك لا نخشى الهزيمة، وليس لدينا أدنى خوف. قضيتنا ليست سياسية صرفة، نحن نتحرك بمنطق الإسلام، ولا نخاف من الهزيمة. فالرسول الأكرم (ص) هزم كذلك في بعض غزواته. نحن نحارب بسيف الله، ولا نخاف وهذه الحركة سوف تستمر.
س: كيف حدثت هذه الحالة؟ المراقبون الذين يتابعون الاحداث الإيرانية والذين طالعوا الأوضاع الإيرانية لا يستطيعون تصديق هذه الحركة العظيمة. هذا أول نموذج في التاريخ وهو الوحيد الذي تمت فيه قيادة الحركة والتحكم فيها عن بعد. فمن أين جاءت عظمة هذه الحركة؟
ج: إيران ملجأ الأمن والاستقرار المحفوف بالمخاطر، فكل ضغط يولد أنفجاراً، وكل ضغط شامل يتبعه انفجار شامل. فالشعب كان مضغوطاً من جميع الجهات، والجميع كان ينتظر لحظة الخروج من هذا الضغط، وأمل الجميع رحيل الشاه (المقبور).
وإذا كنتم على دراية واطلاع دقيق تذكرون عهد رضا خان (المقبور) بعد كل تلك الضغوط، وذلك عندما هاجمت قوات الحلفاء إيران من ثلاثة محاور واحتلتها، وأصبحت حياة الشعب عرضة للخطر، لكن الشعب كان كله سعيداً برحيل رضا شاه (المقبور)، وذلك لأن الضغط وتضيق الخناق أغرقاه في فاجعة كبرى، فتحمل المصاعب الفادحة ابتغاء الخلاص من تلك المصيبة الكبرى، وتعاظم الضغط وتضيق الخناق في عهد هذا الشاه، وتوالت أحداث عدة جعلت الشعب يتعذب، كما أن المنظمات السرية (السافاك) عاملت الشعب بالاسلوب نفسه، فضاق الناس ذرعاً بما نزل بهم، وصار الجميع ينتظرون من يكسر هذه العقدة، ليعبروا عما في داخلهم.
وقد أزاحت العقيدة هذه المحنة، فأنا أفهم لغة الشعب، وأعرف مؤسسات المجتمع، وأتكلم بلسان الشعب وأعبر عن وجدانهم. وكنت أشير بإصبعي إلى جميع نقاط الضعف خلال الخمسين عاماً الماضية، لقد كنت مطلعاً، ومراقباً، فكل الشعب كان في حالة ثورة، وجميعهم ينتظرون، وهذا الوضع الاستبدادي نقل الانفجار من القوة الى الفعل وقيام الروحانيين أدى إلى الثورة.